يعيش عدد من الأحزاب السياسية المغربية على صفيح ساخن، انتقلت حدته إلى معارك “تكسير العظام” على مستوى مطابخها السياسية الداخلية، وبين قياداتها الماسكين بزمام الأمور وبين خصومهم الراغبين في التغيير أو الرافضين التجديد لزعمائها لولاية إضافية.
فمنذ أسابيع، خرج الوزير السابق عزيز الرباح، ليؤكد تجميد عضويته في حزب “العدالة والتنمية”، مشيراً إلى أنه لم يعد ناشطاً داخل الحزب منذ مدة، وذلك بعد مغادرته للأمانة العامة على خلفية الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب خلال انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر 2021، والتي هوى فيها من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثامنة في مجلس النواب.
القيادي المستقيل من حزب “العدالة والتنمية”، أعلن عن تأسيس رابطة “الوطن أولاً ودائماً للكفاءات والمبادرات”، نافياً رغم ذلك أن سعيه لتأسيس الرابطة خطوة أولى نحو تأسيس حزب سياسي مستقبلاً، جواباً عن سؤال لــ “الشروق نيوز 24”.
«خلوة تنظيمية»
حزب “الاستقلال” المشارك في الأغلبية الحكومية يقف بدوره عند مفترق طرق مفصلي، جراء أزمة تنظيمية حادة بين تيار الأمين العام للحزب، نزار بركة، وتيار الرجل القوي في الحزب، حمدي ولد الرشيد، وسط مخاوف من تصدع داخلي.
ومنذ 26 أيار/ مايو الماضي، تاريخ عقد اللجنة التنفيذية للحزب ما أسمتها “خلوة تنظيمية” ضواحي الرباط، يعيش “الاستقلال”، ثالث قوة سياسية في البلاد، على صفيح ساخن، جراء تباين مواقف هيئاته التنظيمية، بين مؤيد ورافض لمخرجات الخلوة، القاضية بعرض تعديلات على القانون الأساسي للحزب على المؤتمر الاستثنائي المقبل، من أبرزها تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني (برلمان الحزب) إلى 500 عضو عوض 1200، مع سحب العضوية بالصفة في المجلس من أعضاء مجلسي النواب والمستشارين والمفتشين.
وعلى إيقاع فوضى عارمة اتسمت بمنع عدد من أعضاء الحزب واحتجاجهم خارجاً، انطلقت أجواء أعمال اللجنة المركزية التاسعة لحزب التقدم والاشتراكية، المنعقدة في الرباط، تحضيراً للمؤتمر المقبل.
ولم يتمكن عدد من أعضاء مبادرة “لنواصل الطريق”، الذين حجوا إلى مقر الحزب الشيوعي، من ولوج قاعة العرض، بينما نددوا بـ”التهميش والمنع اللذين تعرضوا لهما”، فيما رفع آخرون شعارات تطالب برحيل محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، هذا الأخير الذي منع معارضيه من الولوج، بغلق الأبواب في وجوههم مستعملاً كلمات سب.
بنعبد الله قال إن ردة فعله تأتي في إطار الانفعال الإنساني الطبيعي مع من يريد التهجم على الحزب، وأضاف أن “الحزب دافع عن ذاته وتجنب إفشال الاجتماع”، مشيراً إلى أنه “من الطبيعي أن يعتريه الغضب أمام عناصر مُسخَّرة ومأجورة لا امتداد داخلياً لها، والدليل هو مرور أعمال اللجنة المركزية بشكل سليم”، وفق تعبيره.
وسلطت وسائل إعلامية محلية الضوء على ما أسمته تصدعات بات يشهدها حزب “الاتحاد الدستوري” خلال الفترة الأخيرة والتي تسبق التحضيرات لانعقاد المؤتمر الوطني السادس، بعد إقالة ثلاثة أعضاء من المجلس الوطني ومن جميع هياكل الحزب وتنظيماته.
الديمقراطية الداخلية
تفسيراً لما يقع بالمشهد الحزبي المغربي، انطلق المحلل السياسي محمد شقير من حزب “العدالة والتنمية”، وأوضح أن النكسة النفسية والسياسية والانتخابية التي عرفها الحزب جعلت مُنتسبيه يتحلَّقون من جديد حول رئيس الحكومة السابق في محاولة للملمة الشتات الذي مني به الحزب والذي أصابه بشبه انهيار. وأبرز المتحدث لـ” الشروق نيوز 24”، أن رجوع الأمين العام وإعادة انتخابه للمرة الثالثة على رأس الحزب جعل معارضيه ومنافسيه كعزيز الرباح يبحثون عن مجال آخر ويتجه لتأسيس جمعية، ربما تكون بداية حزب سياسي رغم نفيه الأمر.
حزب “الاستقلال” الذي يعد أعرق حزب مغربي والأكثر قدماً، ما يحدث داخله مرتبط بخصوصية الحزب التاريخية والتنافس الحاصل بين نزار بركة وحمدي ولد الرشيد. أنصار هذا الأخير الذين يوجدون بشكل كبير داخل الحزب واستولوا على الذراع النقابي استعداداً للمؤتمر المقبل، من أجل التَّموقع داخل الحزب بشكل جيد، أما بركة وأنصاره فيحاولون “فرملة” هذا الطموح والحد من بسط أنصار ولد الرشيد سيطرتهم على الحزب، بحسب تعبير الباحث في العلوم السياسية متحدثاً لـ “الشروق نيوز 24”. وبخصوص نبيل بنعبد الله، فيحاول مناوئوه إفشال محاولاته البقاء على رأس “حزب التقدم والاشتراكية” لولاية إضافية، وأن الصراع الذي وصل حد السّباب والمشادة بسبب عمل الأمين العام الحالي على إقصاء كل المنافسين يعكس الصراع الحاصل قبيل استحقاقات المؤتمر المرتقب، ومحاولته إفشال الحركة التصحيحية الموجهة ضد شخصه وإفشال طموحه في ولاية ثالثة له على رأس الحزب.
وخلُص المحلل السياسي المغربي إلى أن آليات الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب السياسية المغربية لم تنجح في الحد من هذه الصراعات والوصول إلى دمقرطة الأحزاب وتداول المسؤولية بشكل سلس وسلمي.
صراع شخصي
وترى أسماء مهديوي، الباحثة في العلوم السياسية، أن الصراع داخل الأحزاب المغربية ليس جديداً، ذلك أن تاريخ الأحزاب السياسية يشهد على الكثير من حالات الصراع التي وصلت حد انقسام الكثير منها وهذه الظاهرة موجودة في الأحزاب الصغيرة كما الكبيرة، والليبيرالية كما الاشتراكية.
“ربما الجديد في الظاهرة هو الانتقال من الصراع الفكري المنطلق من اختلاف الرؤى والتوجهات إلى صراع شخصي يبتغي التموقع والاستفادة من الريع السياسي ولكل تيار أقلام وذوي أموال وأحياناً ذوي عضلات تدافع عنه”، تقول المتحدثة لـ”الشروق نيوز 24”.
وعزت المحللة السياسية المغربية ما يجري إلى أن العمل الحزبي في المغرب غدا موسمياً ومُختزلاً إلى حد بعيد في العملية الانتخابية وما يمكن أن تجلبه من منافع، وبالتالي مساحة تأثير الأحزاب في الظروف العادية أصبحت ضيقة، مقابل اتساع دائرة تأثير الفاعلين في الفضاء الرقمي بإمكانياته المتعددة القادرة على اقتحام الفضاءات العامة والخاصة.
في نظر مهيديوي، فمن الصعب تحديد الأسباب الأساسية المؤدية إلى صراع الأجنحة والتشرذم الداخلي الذي تعيشه بعض الأحزاب السياسية بالمغرب، أو تحديد نصيب الأشخاص الذين لعبوا فيها دوراً ما. فالأسباب تتعدد بتعدد المسؤولين عن ذلك، ومن “الشائك أيضاً محاولة اتخاذ معايير موضوعية في هذا التحري، ولا استبعاد الخلافات الأيديولوجية وصراعات الأجيال، لكن لا يجب أن نهمل أيضاً التطلعات الشخصية والدور المحوري الذي تلعبه السلطة في تزكية هذه الخلافات”، تختم المتحدثة كلامها.