أطلقوا سراح سليمان الريسوني وأوقفوا المأساة. فالوطن لا يستحق منكم كلّ هذا القتل !!

Advertisement

ياسين عدنان …

الأرضُ في حركتها الدؤوبة تدور دورتين: دورةٌ حول نفسها وأخرى حول الشمس. دورة الأرض حول نفسها لا تحتاج أكثر من 24 ساعة يَنْتُج عنها تعاقُبُ الليل والنهار. فيما تحتاج فصول السنة 365 يومًا وخمس ساعات لتُكمل الأرض دورتها حول الشمس. هكذا شرح لنا معلّم الإبتدائي في تلك الطفولة السلسة. لم تشغل التفاصيل العلمية للدورتين بال التلميذ الذي كُنتُه. لكنّني تصوّرْتُ الأرضَ حزينةً وهي تدور دورتها العبثية حول نفسها، مبتهجةً وهي تنطلق في دورتها السعيدة حول الشمس.
في الفترة ذاتها من يفاعِيَ الأول تابَعْتُ على شاشة التلفزيون سلسلة كرتونية فرنسية تحت عنوان “حول العالم في ثمانين يوما”. وتحكي السلسلة قصة الثري الإنجليزي فيلياس فوج الذي جازف بالسفر حول العالم رفقة خادمه جان باسبارتو في ثمانين يوما لكسب رهانٍ بقيمة عشرين ألف جنيه إسترليني.
وإذا كان فيلياس فوج قد شدَّ إنتباهي في طوافه العجيب حول العالم في ثمانين يومًا، فهناك بطلٌ مغربيٌّ أكمل طوافًا أشقَّ حول ذاته خلال المدة نفسها. هذا البطل إسمه سليمان الريسوني. صحافي من طراز رفيع، وقلم مغربي نادر، ها هو ذا يُكمل دورة حزينة حول نفسه وهو يخوض إضرابا قاسيا عن الطعام طوال ثمانين يومًا. ثمانون يوما كان جسده يتغذّى خلالها على شحمه ولحمه، وأخشى أنّ جسده المتهالك سيضطر إلى أن يقتات بدماغه لتحلّ الكارثة. وهو ما يخشاه كل العقلاء في هذا البلد.
نحن لا نريد سليمان رمزًا ولا شهيدًا، بل نريده مواطنًا وكاتبًا حرًّا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. هناك تعنُّتٌ غير مفهوم في التعاطي مع قضية الريسوني. خصوصا حين نعرف أنّ قضيته من الأساس لم تَعُدْ تُقنع أحدًا. شخصٌ مَحطُّ شُبهة، تتوالى الفيديوهات التي تطعن في نزاهته وتشكّك في مصداقيته، يطلق تهمة طائشة وبإسم مستعار على وسائل التواصل الإجتماعي تجد من يستند عليها في إحتجاز سليمان الريسوني بدون حكم قضائي لأزيد من عام. وقد تابعنا ما شاب إعتقاله من خروقات مسطرية، وكيف تمّ إستغلال سياق كورونا للتّلاعب به، ممّا جعل ثقة سليمان تهتزّ في جدّية المحكمة وجدوى المحاكمة لكي يخوض يائسًا معركة الأمعاء الفارغة. وها هو الآن يموت أمام أعيننا وأعين العالم ولا مَنْ يُوقف المأساة.
الكثيرون خارج البلد لابِدُون الآن يترقّبون نهاية مأساوية ليستغلوا قضية الريسوني ضدّ المغرب. وهناك بين ظهرانينا من يستبطِئُ الفاجعة ليصير موت سليمان في السجن دليلا لا يقبل الدّحض على أنّ النظام “فاسدٌ” و”دمويّ”.
نحن لا نريد سليمان شهيدًا لنرثيه، ولا نريد النظام دمويًّا لنؤلِّب عليه العالم، نحن نريد فقط مواصلة العيش بحرّية وكرامة. نريد أن نُوسّع الهوامش الديمقراطية التي إجترحناها في هذا البلد بالكثير من الحكمة وروح التوافق على إمتداد عقود سيَّدْنا خلالها منطق التفاوض والمُصالحة والتفاعل الخلّاق بين الدولة والمجتمع.
والآن أعود لأتذكّر الأرض حزينةً تدور حول نفسها، وأتذكّر السفر الممكن حول العالم خلال ثمانين يومًا، فأسأل سليمان: كيف كانت رحلتُك القاسية حول نفسك يا صديقي خلال هذه الثمانين يومًا ؟
كيف كابَدْتَها ؟ يجب أن تحكي لنا حين ينتصر العقل ويتوقّف طوفان العبث. لكن، هل سننتظر طويلا ؟ أخشى أنّ جسدك الهشّ لن يحتمل. وأخشى أنّ الذين يتجاهلون وضعك الكارثي اليوم ويصمّون آذانهم عن صرخات الإستغاثة التي نُطلقها بألمٍ لا يُقدّرون حجم إساءتهم للوطن. الوطنُ ليس كلمةً في معجم. ليس إستعارة في قصيدة. ليس علمًا يُطوى ويُرفع. الوطنُ هو أبناؤه. ومن يُسيء إليهم، يُسيء للوطن وفكرته.
أطلقوا سراح سليمان الريسوني. أطلقوا سراح الرجل قبل أن تغادر روحُه لتحاصِرَنا جميعًا: الذين تركوا الرجل يذوي في زنزانته والذين تواطؤوا معهم بالصمت اليائس أو التجاهل العاجز.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.