أقصبي: الاقتصاد المغربي تحكمه نفس الثوابت منذ 50 سنة وتكريس ذات الاختيارات السياسية سيجعل المستقبل أصعب..
قال نجيب أقصبي الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد المغربي محكومة بمجموعة من الثوابت القارة منذ 50 سنة، والتي كرسها النموذج التنموي الجديد، ما يعني أن مشاكل هذا الاقتصاد ستستمر على مدى السنوات المقبلة.
وأشار أقصبي خلال ندوة نظمتها مؤسسة محمد عابد الجابري اليوم، إلى أنه ومع استمرار الأشياء على المنحى الذي كانت عليه منذ 50 سنة، فلا يمكن أن نتحدث عن وجود مسار آخر قد يتخذه الاقتصاد المغربي.
ونبه إلى أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، بل إن ما هو خطير اليوم، قد يكون أخطر في المستقبل، مشيرا إلى المخاطر الكبيرة المحيطة بالاقتصاد المغربي من قبيل التحولات المناخية والبطالة والتبعية والسيادة، التي ستزيد خطورتها، وستجعل المستقبل أصعب للاقتصاد الوطني.
ولخص أقصبي ثوابت الاقتصاد المغربي في النمو الضعيف، والذي يبقى دون المستوى المطلوب أو الضروري لمواجهة النمو الديمغرافي وحاجيات المواطن ومطالبه، وللرفع من مستوى المعيشة، حيث بقي محصورا في متوسط 3 في المئة، على امتداد 50 سنة.
ويقابل هذا النمو الضعيف، بقاء معدل الدخل الفردي ثابتا، ورتبة المغرب تتراوح بين 144 إلى 210، حيث يصنف ضمن الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، أي فوق الفقراء بقليل، حيث إنه ورغم البهرجة والدعاية، فالواقع الاقتصادي المغربي حبيس سقف من زجاج، لا يكسره ولا يتجاوزه.
وحتى النموذج التنموي الجديد الذي يتحدث عن نمو 6 في المئة، يضيف أقصبي غير كاف، فالدراسات تشير إلى أن المغرب إذا أراد الوصول لمستوى دول مثل تركيا، فعليه أن يضاعف مستواه الحالي 3 أو 4 مرات، ويحقق نموا بمعدل 8 في المئة على مدى 15 أو 20 سنة، ويستدرك قائلا ” لكن البرنامج الحكومي على مدى 5 سنوات، يعدنا ب 4 في المئة.. وهو مستوى مشكوك فيه بالنظر إلى التوقعات”.
وثاني الثوابت التي تعيق الاقتصاد المغربي، حسب أقصبي، هو فشل التحول البنيوي للاقتصاد، فمنذ 50 سنة والاقتصاد المغربي يسير بمحركين هما الأمطار وثانيا “الخارج”؛ أي الاستثمارات الأجنبية والسياح ومغاربة العالم والصادرات، والقاسم المشترك للمحركين، هو أنهما خارج إرادة القرار الوطني الداخلي.
وأبرز أنه حتى القطاعات الصناعية التي تحركت عمقت التبعية، وعلى رأسها تصدير السيارات، الذي يقابله حجم كبير من واردات لهذا القطاع، فالسلطات المغربية ليست هي التي تضع سياسة شركات صناعة السيارات، بل مجلس إدارة الشركات المعنية، ولما أرادت شركة الإغلاق خلال عام 2020 بسبب الجائحة، توقف آلاف العمال، دون أن تستطيع السلطات فعل شيء، ما يجعل نموذج التصنيع هذا يطرح مشاكل أكثر من تقديمه للحلول.
وثالث الثوابت في الاقتصاد المغربي هو الإقصاء الاجتماعي، فالنمو في المغرب يولد الهشاشة والإقصاء، والدينامية تزيد من الهشاشة وتعمق الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وربط أقصبي هذه الثوابت الثلاثة، بالثابت السياسي، المتمثل في السياسات العمومية، والاختيارات الجوهرية التي ظلت ثابتة منذ الستينيات، والمحتكمة إلى الرهان على القطاع الخاص، واختيار الاندماج في العولمة، ما يجعل النمو مجرور بثنائية القطاع الخاص والسوق الدولية.
وأكد المحلل الاقتصادي أن هذه الاختيارات هي التي أدت إلى الوضع اليوم والذي تعتبره السلطات الرسمية فاشلا، لكن مع ذلك يتم تكريسه، ما يجعل الجواب على سؤال “الاقتصاد المغربي إلى أين؟” واضحا.
وشدد على أن الطريق لتنمية حقيقية يتطلب وضع الأصبع على مكامن الخلل، وأن يأخذ النظام السياسي قراراته واختياراته في ارتباط مع الحاجيات الحقيقية للمواطنين، وهو ما يغيب اليوم، فرغم وجود استثمارات ضخمة مثل “القطار فائق السرعة” فهي لا تلبي سوى حاجيات قلة قليلة، مع غياب الجواب عن حاجيات فئات كبيرة، مثل سكان البوادي والمهمشين.