ألمانيا تجدد موقفها من نزاع الصحراء وتمد جسور الحوار مع المغرب

Advertisement

الرباط : عادت العلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية ألمانيا الاتحادية إلى دفئها، بعد زهاء عام من توتر العلاقات بين البلدين عقب قيام الرباط باستدعاء سفيرتها من برلين للتشاور بسبب غضب خلافات عميقة سابقة.
وفي الوقت الذي اختار فيه إيمانويل ماكرون، رئيس الدولة الحليفة التقليدية للمغرب، زيارة الجزائر، حلَّت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بالرباط في أول زيارة لها للمملكة، ما يعني طي صفحة الخلاف بإعلان بلادها دعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء والإشادة بمقترح الحكم الذاتي، مجددة دعم بلادها للمسار الذي تقوده الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي واقعي براغماتي دائم ومقبول من الطرفين.
وبات من الجلي أن المغرب جعل من قضية الصحراء الركيزة الأساسية في علاقاته الدولية، بالنظر إلى طبيعة العلاقات الثنائية الدولية التي بات ينسجها مع شركاء جُدد خلال الفترة الأخيرة، قبل أن يؤكد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ 69 لثورة الملك والشعب، السبت المنصرم، أن ملف الصحراء هو “النظَّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، حيث شدد على أنه “المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
وسبق لدبلوماسية المغرب أن حققت انتصارات متتالية علاقة بالوحدة الترابية والقضية الأولى للمغرب والمغاربة، إذ عبرت إسبانيا عن موقف إيجابي تجاه قضية الصحراء، حين اعتبرت في آذار/ مارس الماضي مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه المملكة الأساس الأكثر جدية لحل الملف. كما أعربت هولندا وقوفها إلى جانب الموقف المغربي يوم 11 أيار/ماي الماضي، بمناسبة الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد “داعش”، الذي عُقد في مراكش.
بالنسبة للمحلل السياسي المغربي عادل بنحمزة، فإن العلاقات المغربية الألمانية عبرت في السنتين الأخيرتين مطبَّات صعبة بلغت حد استدعاء السفيرة المغربية في برلين، رداً على مواقف الحكومة الألمانية السابقة التي بلغت حد طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي نهاية 2020 لبحث مسألة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
واعتبر متحدثاً لـ”الشروق نيوز 24”، أن الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، تأتي في سياق ما تجريه ألمانيا من مراجعة شاملة في علاقاتها مع المغرب منذ وصول أولاف شولتز للمستشارية في ألمانيا وخاصة إعلانها الواضح والصريح عن دعم الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وتبنيها الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2602 الذي شكل انتصاراً كبيراً للدبلوماسية المغربية.
وأضاف المحلل السياسي أن زيارة بيربوك للمغرب طيٌّ لصفحة أصبحت من الماضي، هذه الصفحة رغم التحديات التي فرضتها على البلدين، لم تستطع أن تؤثر على مجالات تعاون كبيرة قائمة بين البلدين خاصة في الجانب الاقتصادي.
زيارة وزيرة الخارجية الألمانية بالتزامن مع زيارة ماكرون للجزائر، تؤكد أن المنطقة المغاربية توجد في قلب التحولات الجيوستراتيجية التي يعرفها العالم خاصة مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، يقول عادل بنحمزة، مؤكداً ضرورة التذكير بأن ألمانيا هي من أكبر الدول تضرراً من الحرب، خاصة على مستوى إمدادات الطاقة، لذلك ليس غريباً أن يكون من بين مجالات التعاون المغربي الألماني مشاريع عملاقة في الطاقات المتجددة وخاصة الهيدروجين الأخضر الذي يتوفر المغرب على الإمكانات التي قد تجعل منه رائداً دولياً على هذا المستوى، بالإضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة التقليدية مثل الطاقة الشمسية والريحية والتي تعرف استثمارات ألمانية متزايدة. ولفت المتحدث إلى أن الزيارة أثبتت تطابق وجهات نظر البلدين في القضايا الإقليمية، خاصة الوضع في ليبيا والذي كان من نقاط الخلاف بين الرباط وبرلين، خاصة بعد تعمد الحكومة الألمانية السابقة عدم استدعاء المغرب لمؤتمر برلين الأول بخصوص ليبيا.
ويرى محمد بودن، رئيس “مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية”، أن الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أبانت أن التوجه الألماني ثابت ومستمر ويندرج في إطار الاتجاه الدولي لدعم الحكم الذاتي على الصحراء تحت السيادة المغربية.
في نظر المحلل السياسي، متحدثاً لـ “الشروق نيوز 24”، فإن للزيارة نتائج مثمرة خاصة على مستوى الحوار الاستراتيجي المنتظم الذي سيسمح بمناقشة مختلف القضايا المشتركة والتداول بخصوص الفرص المتاحة والتنسيق على مستويات عدة، منها الأمني وكل ما يخص الهجرة ومكافحة الإرهاب ومخاطر الجيل الجديد علاقة بالأمان السيبراني، بالإضافة إلى المجال الاقتصادي، حيث إن ألمانيا تنظر باهتمام كبير لتجربة المغرب في الطاقات النظيفة والهيدروجين الأخضر.
وأشار بودن إلى أن المعطيات متكاملة تُنبئ بفصل جديد في العلاقات بين المغرب وألمانيا التي ترتكز على روابط تاريخية وثيقة، وتبعث برسائل قوية لأطراف لا تقبل أن ينوع المغرب شركاءه ولا تدعم سيادة المغرب على صحرائه.
وبخصوص فرنسا، أبرز المتحدث أن موقفها كان داعماً للحكم الذاتي منذ سنوات، لكنه اليوم لا يُجاري مواقف متقدمة لدول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول إفريقية وبلدان عربية.
وأكد أن مجموعة من الدول أدركت اليوم أن المعبر الوحيد لعلاقة وشراكة جيدة مع المغرب هو عبر اتخاذ موقف واضح ومتقدم من الصحراء المغربية والحكم الذاتي باعتباره المعيار والمقياس والنظارة التي يرى بها المغرب وينظر صوب العالم، خالصاً إلى أنه ومن أجل شراكة وعلاقة رفيعة المستوى مع المغرب يحتاج هذا الأخير لموقف قوي وثابت من الصحراء ومقترح الحكم الذاتي.
واهتمت صحيفة “إيل باييس” الإسبانية بالحدث، حيث كتبت تحت عنوان “ألمانيا تدعم المخطط المغربي الخاص بالصحراء”، أن نزاع الصحراء الغربية أثار الاهتمام الأكبر في الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى الرباط لمدة يومين. وأوضحت أن المسؤولة الألمانية جددت، في مؤتمر صحافي مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة، دعم برلين لاقتراح الحكم الذاتي المغربي “كأساس جيد” للتوصل إلى حل مقبول في الخلاف بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
وأضافت أن زيارة بيربوك هي الأولى لمسؤول حكومي ألماني إلى المغرب بعد التوترات التي مرت بها العلاقة بين البلدين العام الماضي، قبل أن يقع تجاوز الأزمة بعد ذلك. واستطردت الصحيفة الإسبانية قائلة إن الائتلاف الحكومي الجديد بقيادة الاشتراكي الديمقراطي المستشار الألماني أولاف شولتس اختار دعم الأطروحة المغربية في نزاع الصحراء.
ولاحظت أن التوجه الألماني الجديد جاء قبل المسار الذي اختطه رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للسياسة المتعلقة بالمستعمرة الإسبانية السابقة، أي الصحراء. وسجلت “إيل باييس” أن الحكومة الإسبانية ذهبت إلى أبعد من الاقتراح الألماني، في اعتبار اقتراح الحكم الذاتي الذي دافعت عنه الرباط “الأكثر جدية وواقعية ومصداقية”.
وبينما دعت برلين سابقاً إلى حل متفق عليه بين الطرفين، تقول الصحيفة المذكورة، فإنها تعتبر الآن أن خطة الحكم الذاتي المغربية تمثل جهداً جاداً وموثوقاً من قبل الرباط وأساساً جيداً لحل مشكلة الصحراء.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.