نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا قالت فيه؛ إن الدول العربية والإسلامية مجمعة على ضرورة وقف الحرب في غزة، ويريدون طرفا ما أن يوقفها.
وكانت هذه هي الرسالة المبتذلة والمثيرة للجدل من تجمع الدول العربية والإسلامية في قمة الرياض بالحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، وعقدت القمتين بعد شهر من الحرب على غزة، التي لا تزال حدثا يوميا على شاشات التلفزة والحوارات في كل أنحاء الشرق الأوسط، فمحنة الفلسطينيين تمسك بانتباه العرب وتلهب المشاعر، بطريقة لا تمسك بها محنة اليمن أو السودان أو سوريا.
وإنتهت القمة المشتركة ببيانات قوية تعكس الغضب، ودعت لوقف فوري لإطلاق النار، وحثت الدول الأعضاء على “كسر الحصار عن غزة”، ودعت لفرض حظر السلاح على إسرائيل.
وتعلق المجلة أن من السهل تجاهل اللقاء بأنه مجرد دكان كلام تعقده الجامعة العربية عادة، حيث شجب عدد من القادة المعايير المزدوجة للغرب وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين. وهذا كلام صحيح، لكنهم فعلوا هذا في القمة التي شارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد الذي يعدّ من أكبر مجرمي الحرب في القرن الحالي.
وتقول المجلة؛ إن أجزاء من البيان الختامي تحمل مفارقة، فبدلا من كسر الحصار، ساعدت مصر على استمراره ولعقدين تقريبا، ولا دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي تبيع السلاح للاحتلال، مع أن بعض دولها تشتري السلاح منها.
وعند القراءة بين السطور، فإن القمة تكشف الكثير عن التناقضات التي تقع خلف الرد الإقليمي على الحرب؛ فالكثير من دول الخليج، لا تمانع من قضاء الاحتلال على حماس.
وتريد تعرض “محور المقاومة” لضربة، لكنها تخشى من أن تكون في مرمى النيران، فهذه الدول تبنت ولعدة سنوات سردا ركز على الاقتصاد بدلا من الأيديولوجية، وهي تخشى من حرب طويلة بغزة مما يعني تخريب خططها. وشارك في القمة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي لبس فوق جبته الدينية الكوفية الفلسطينية رمز الهوية الفلسطينية.
واستغرقت كلمته 40 دقيقة، دعا فيها في نقطة لإرسال السلاح للفلسطينيين، لكن تم دفع هذا الطلب بأدب، وطالب الكثيرون مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية، وحتى هذا تم رده بعيدا.
ولم تستدع إلا قلة من الدول العربية السفراء لدى إسرائيل، وحتى التي لديها علاقات دبلوماسية لا تريد قطعها تماما، وقد استبعدت دول الخليج استخدام سلاح النفط كما فعلت عام 1973.
وقال خالد الفالح وزير الإستثمار السعودي في مؤتمر هذا الشهر: “هذا ليس على الطاولة”، ويريد السعوديون إستقرار سوق النفط لسنوات قادمة من أجل تمويل عمليات تنويع الإقتصاد.
وكانت نتيجة القمة إنقسامية، فقد فرح بعض العرب بالخطاب المتشدد، فيما رأى آخرون ترددا من حكوماتهم وإستسلاما للحرب، ولو جردت اللقاء من التهديدات العسكرية والمقاطعة الإقتصادية، فلا يتبقى منه سوى الكلام الشديد.
وكل دولة تتصرف من ناحية المصلحة الخاصة؛ فالسعودية مضت قدما في مؤتمرها الإستثماري والحرب مندلعة، ولكن المنطقة تحاول التصرف وكأن أمرا لم يتغير.
وحتى إيران التي تدعم جماعات المقاومة تصرفت بنوع من البراغماتية، ورغم الهجمات التي نفذتها الجماعات المسلحة الموالية ضد أهداف أمريكية، إلا أنها قررت عدم تضييع قوة حزب الله، أكبر الجماعات الوكيلة على معركة شاملة لدعم الفلسطينيين.
وفي اللقاء على هامش القمة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيسي الذي يزور السعودية لأول مرة، فالانطباع هو أن التقارب لا يزال قائما، وأن أحدا لا يريد حربا إقليمية، على الأقل في الوقت الحالي.
وعلى المدى البعيد، فإن أحداث الأسابيع الماضية هي تذكير بالوضع الهش في الشرق الأوسط بين نزاعات لا نهاية لها ومحاولة وقف النزاعات، ولكن حرب غزة زادت من حدة الخيار. وحتى تنجح إسرائيل في حربها بغزة، عليها تقديم تنازلات للسلام، وهو ما تدفع به الولايات المتحدة وسط الحرب.
الخليج
بلال ياسين / لندن / عن عربي 21 /