اغتيال الشيخ الشهيد خضر عدنان من أكبر الخطايا.. الصّاعق جاهز والانفجار وشيك والرّد سيكون مُختلفًا ومُزلزِلًا.. أرضًا وجوًّا.. كيف؟ ولماذا نخشى من مكْر الوُسطاء العرب؟
عبد الباري عطوان
بعد إضرابٍ عن الطّعام، هو السّابع من نوعه لأكثر من 87 يومًا، في مسيرةٍ جهاديّةٍ حافلةٍ بالتّضحيات استشهد الشيخ خضر عدنان أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي الميدانيين، وتعهّدت غُرفة عمليّات الفصائل المُشتركة بالرّد المُزلزل الذي يرتقي إلى مُستوى ومكانة هذا الشّهيد الأيقونة، وبِما يؤكّد أن كتائب المُقاومة لن تتردّد مُطلقًا في الثّأر لدِماء شُهدائها حسب بياناتها.
الرّد الأوّلي تُمثّل في إطلاق 22 صاروخًا من قِطاع غزّة على مُستوطنات غِلاف القِطاع اعترضت القبّة الحديديّة أربعة منها فقط، وأوقعت إصابات في صُفوف مُستوطني سيدروت، إحداها خطيرة جدًّا، ولكنّ الرّد الأكبر قادمٌ لا محالة، والسّاعات القادمة قد تشهد معارك شرسة، وإطلاق مئات الصّواريخ على مُستوطنات، ومُدن، وبُنى تحتيّة إسرائيليّة.
الشّهيد الشيخ خضر عدنان صلبًا، قويًّا، مُؤمنًا، مُتحدّيًا استشهد بعد إضرابٍ عن الطّعام استمرّ 87 يومًا، رفض خِلالها التّراجع عن مطالبه، فالكرامة أهم كثيرًا بالنّسبة إليه من الطّعام أو كُلّ مُتَع الدّنيا الفانية، وشكّل إضرابه حالةً نادرةً، وتاريخيّةً، ومِفصليّةً في تاريخ النضال الفِلسطيني، وكان، وما زال، قُدوةً للآلاف من الأسرى في المُعتقلات، ومِئات الآلاف في الوطن الفِلسطيني والشّتات، حيث أمضى 8 سنوات خلف القُضبان في زنزاناتٍ انفراديّة، كان طِوالها يُثمّن الشّهادة، وأوصى زوجته بأطفاله الـ 12، وقال في وصيّته التي كتبها بخطّ يده “أن خير البُيوت هي بُيوت الشّهداء، والأسرى والجرحى، والصّالحين، وسجّوا جُثماني إلى جِوار والدي، واكتبوا على ضريحي هُنا يَرقُد عبد الله الفقير خضر عدنان، والنّصر قادمٌ بإذن الله”.
عندما نقول إن الرّد سيكون مُزلزِلًا على عمليّة الاغتيال هذه، فإنّنا نستند على إرثِ المُقاومة المُشرف الحافل بالأمثلة، وتاريخ حافل بالعمليّات الثأريّة المُكلفة جدًّا لدولة الاحتِلال ومُستوطنيها وقادتها، فعندما اغتالت القوّات الإسرائيليّة الشّهيد يحيى عياش عام 1995 ردّت كتائب القسّام التّابعة لحركة حماس بأربع عمليّات استشهاديّة في قلب تل أبيب والخضيرة، والقدس المُحتلّة أدّت إلى مقتل أكثر من 50 مُستوطنًا، وإصابة المِئات، وعندما نفّذت عمليّة اغتِيال بهاء أبو العطا القائد الميداني لحركة الجهاد الإسلامي في غزّة جاء الثّأر بإطلاق 400 صاروخ على سدروت وعسقلان، وأسدود، دفعت بمِئات الآلاف من الإسرائيليين للّجوء إلى الملاجئ، وبنيامين نِتنياهو إلى الانبِطاح أرضًا، وبعدها الهرب مذعورًا إلى أحد الملاجئ للنّجاة بحياته، ولا ننسى ثأر الجناح العسكري للجبهة الشعبيّة لاغتِيال قائده أبو علي مصطفى بإعدام الوزير الإسرائيلي المُتشدّد رحبعام زئيفي في أحد فنادق القدس المُحتلّة عام 2001.
من أبرز شُروط وقف إطلاق النّار في حرب “سيف القدس” في أيّار (مايو) عام 2021 عدم إقدام دولة الاحتِلال على أيّ عمليّات اغتيال لقادة المُقاومة، وأُعيد التّأكيد على البند نفسه في أيّار (مايو) كشرطٍ لإيقاف حركة الجهاد الإسلامي لوقف صواريخها (400 صاروخ وقذيفة) ردًّا على اعتقال اثنين من قادتها الميدانيين في مخيّم جنين في أيّار (مايو) الماضي، الآن دولة الاحتِلال تخترق هذه الاتّفاقات كعادتها، وعليها أن تدفع الثّمن غاليًا، مثلما قال لنا أحد القادة المُقاومين.
غُرفة قادة كتائب المُقاومة المُشتركة تعقد حتّى كتابة هذه السّطور اجتماعًا طارئًا لبحث وتنسيق الرّد الصّاروخي والميداني في الضفّة الغربيّة والمناطق المُحتلّة عام 1948، أيّ أن الرّد سيكون مُتعدّد الجبهات والوسائل، وطُرُق التّنفيذ، وقد يطول لأيّامٍ عدّة، وربّما لأسابيع.
الصّواريخ وعمليّات كتائب المُقاومة في القدس المُحتلّة والخضيرة وتل أبيب أجبرت نِتنياهو إلى وقف جميع الاقتِحامات لباحات المسجد الأقصى طِوال شهر رمضان تَجَنُّبًا للرّدود الانتقاميّة من قِبَل كتائب المُقاومة، ولأوّل مرّة في تاريخ الكيان المُحتل، ولا نستبعد أن تكون جميع الشّهور القادمة امتدادًا، ومُحاكاة للشّهر الفضيل، أيّ كلّها ستتحوّل إلى شهر رمضان، وعلى السّلطات الإسرائيليّة التي فتحت على نفسها أبواب جهنّم أن تتحمّل نتائج جرائمها، وغطرستها، وهي أضخم ممّا تتصوّر.
سيهرع الوُسطاء العرب في السّاعات القادمة، إن لم يكن هرعوا بالفِعل، للضّغط على فصائل المُقاومة بعدم الرّد، حِرصًا على دولة الاحتِلال ومُستوطنيها، وحِرصًا على إبقاء أنظمتهم في السّلطة، وعدم ثورة شُعوبهم المُتعاطفة الدّاعمة كلّها للمُقاومة، وهؤلاء هُم مصدر الخطر، وتستخدمهم دولة الاحتِلال كشُهود زور تُوظّفهم في خدمتها وإنقاذها.
المِنطقة في ذروة احتِقانها الذي تضخّم بشَكلٍ غير مسبوق، وبات ينتظر الصّاعق المُفجّر، وقد يتجسّد هذا الصّاعق في عمليّة إعدام الشّيخ الشّهيد خضر عدنان، والحرب القادمة لن تنحصر في الدّاخل الفِلسطيني في ظِل وحدتيّ السّاحات والجبَهات، وربّما تتطوّر الأُمور إلى حربٍ إقليميّة.. والأيّام بيننا.