«من يستطيع أن يقول كلمته الأخيرة فلأنه يعترف بأنه قال كلمته الأولى»، بهذه الجملة البليغة ختم العربي بنتركة كلمته التي يجدها القارئ في مفتتح أعماله الكاملة الأولى الصادرة حديثا.
لم يكن ما كتبه العربي بنتركة في صدر المجموعة الأولى من أعماله الكاملة ليعتبر تقديما، بقدر ما يمكن تصنيفه في خانة العجب العجاب، لأنه لأول مرة يكسر قاعدته ويتحدث عن نفسه، وهو ما اعترف به في بداية التوطئة الموغلة في البوح والصدق والشجاعة والعرفان أيضا.
الرجل كما عرفه المشهد الإعلامي كان يرفض رفضا قاطعا أن يكتب أو يتحدث عن نفسه، بل حتى في البرامج التلفزيونية التي كان يعدها وينجزها ويقدمها، دائما تجد وجهه للضيف ولا مكان للملامح أمام الكاميرا فقط المحاور – بفتح الواو- هو الذي ينال نصيبا وافرا من الظهور، ولعل في ذلك رسالة منه لم تستثمر فيما بعد لأننا اليوم نشاهد المحاور -بكسر الواو- ينال نصف الأضواء، ولعلها من علامات الإعلام الجديد. قبل أن نشطّ بعيدا عن جوهر هذه الورقة، نعود إلى المجموعة الأولى من الأعمال الكاملة للكاتب والصحافي والشاعر العربي بنتركة، والتي صدرت عن مؤسسة «ريشة» للإنتاج الأدبي والفني.
الطبعة الأنيقة جدا التي حرصت المؤسسة الناشرة لها على أن تجعلها حصينة أمام الفضوليين من عابري الصفحات خلسة من القراءة الحقيقية وتشجيع الكتاب، جاءت في 549 صفحة من القطع المتوسط، وضمت بين دفتيها ثمانية أعمال سبق أن نشرها العربي بنتركة في فترات متباعدة من مسيرته المعطاءة والجادة، إضافة إلى عمل روائي جديد ينشر لأول مرة. وتمثلت الثمانية المنشورة سابقا، في كل من «العقل أولا.. العقل أخيرا» و»إصلاح الإعلام.. لا إعلام الإصلاح»، و»فوهة بركان» و»ليال بلا قمر ولا مطر»، و»أنشودة القمر»، و»الديمغراضي» و»سبع شوانط» و»أيام غانجو»، وختام المجموعة الأولى من الأعمال الكاملة رواية «الصراصير» التي تصدر لأول مرة ضمن هذا الكتاب.
إضافة إلى كلمة العربي بنتركة التي استهل بها المؤلف، نجد تقديما وازنا وقعه الكاتب والإعلامي عبد الرحيم التوراني، واختار له عنوانا دالا هو «كتابات مثقلة بهموم المجتمع وقسوته»، وفيه كان الاعتراف المستحق بكون العربي بنتركة «واحد من رواد ومؤسسي العمل الثقافي في المغرب، لاسيما في مجال الإعلام السمعي البصري».تجوّلت مقدمة التوراني في بقاع العطاء المتنوع للعربي بنتركة بين كتابة المقالة والرواية والمسرحية والشعر وبين التقديم التلفزيوني والانكباب على البرامج الثقافية التي انجزت لفائدة التلفزيون المغربية.
في لقاء كان محوره صدور أعماله الكاملة في مجموعتها الأولى، سألت «القدس العربي» العربي بنتركة عن أثر الصدور وحفاوة النفس به، لكنه اجاب بما كتبه في صدر المؤلف، والذي يفيد رفضه التحدث عن نفسه وعن أي عمل أنجزه، وهو ما يحيل على الفقرة الاولى من كلمته «لا شيء أشد مرارة علي من أن أتحدث عن نفسي أو أقول شيئا عن عمل انجزته».
وبالنسبة للعربي بنتركة فإن ذلك «حقا يحرجني ويدفعني إلى القلق»، ويضيف صاحب الأعمال الكاملة قائلا «وكم اعترفت بعدائي لنفسي كلما عشقت نفسي أن تتحدث عن نفسها».
وواصل بنتركة الإحالة على كلمة الاستهلال التي كانت كافية لتكون بمثابة باب يفتحه على مصراعيه لمعرفة حقيقة نبضه الذي يميل ناحية العمل أكثر من الكلام. العربي بنتركة لم تفارقه الجرأة نفسها والشجاعة الادبية في تسمية الأشياء بمسمياتها وتحدث عن عدد الأصدقاء الذين بامكانه احصاؤهم بسهولة لأن «الصديق لا يعطيك غير صدقه»، كما قال عن الأعداء «فحدث ولا حرج»، مشيرا إلى أنهم «كلما تناسلوا وكثر عددهم وتحالفوا وتآلفوا في حلقات يؤلفون إشاعات بما وفيما لا يعلمون»، إلا وزادت حماسته في الاشتغال وارتفع حجم عطائه.
وبفضل عداء الأعداء يؤكد العربي بنتركة تمكن من ولوج أبواب ما كان له أن يلجها لولاهم، وبفضل عدائهم أيضا طرق اكثر من مجال وأبلى بلاء جيدا «فكتبت المقال والتحقيق والحوار، وكتب القصة والرواية والشعر والسيناريو، وألفت أغنيات ومسرحيات ومثلت بإنتاجي المرئي التلفزيون المغربي في ملتقيات عربية وغربية»، وذكر منها ملتقيات في تونس والبحرين والعراق وألمانيا وإيطاليا.
صاحب الأعمال الكاملة يجزل الشكر أيضا لمن كانوا له سندا ودعما، وكما يقول: «ثمة رجال حق علي ذكرهم وتذكرهم حتى بدون مناسبة لقاء ما أسدوه إلي من معروف وقدموه إلي من عون ودعم ومساندة»، تلك خصال العرفان للصديق وللعدو التي انجلت في كلمة قصيرة مقارنة مع راكمه العربي بنتركة من عطاء وازن في مجال الإعلام الثقافي والكتابة الادبية والفنية.