أسماء عمري – الرباط …
كان للإغلاق الشامل الذي فرضه المغرب منذ مارس الماضي، مع إرتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، أثر سلبي على عدد من القطاعات الإقتصادية في المملكة.
ورغم أن المغرب فضل الحفاظ على صحة مواطنيه وجازف في المقابل باقتصاده، فقد إتخذ جملة من المبادرات وإعتمد سياسة استباقية، ساهمت في التخفيف من وطأة الأزمة على الأنشطة الإقتصادية في البلاد.
وتوقعت مؤسسات دولية، من ضمنها البنك الدولي، أن ينكمش الإقتصاد المغربي بنسبة 6.3 في المئة عام 2020، وهي نسبة لا تختلف كثيرا عن التوقعات التي قدمها البنك المركزي المغربي، وهي 6.6 في المئة.
ورغم هذه المؤشرات، فإن المغرب يقبل على السنة الجديدة 2021 بتفاؤل كبير في تحقيق نمو بنسبة 4.7 في المئة، حسب أرقام البنك المركزي، وذلك إستنادا إلى عوامل عديدة على رأسها ظهور لقاحات ضد كوفيد-19، وتسجيل موسم زراعي جيد بفضل الظروف المناخية المواتية.
انتعاش أنشطة تجارية ؟
ومع تضرر مجموعة من القطاعات من تداعيات أزمة كورونا الخانقة، فإن بعض الأنشطة التجارية عرفت إنتعاشا قويا من أبرزها التجارة الإلكترونية، والتي ساهمت بدورها في تحريك مجالات اقتصادية أخرى.
وسجل الأداء بواسطة البطاقات المصرفية عبر الإنترنيت، خلال النصف الأول من سنة 2020، حوالي 6 ملايين عملية أداء عن طريق بطاقات بنكية مغربية وأجنبية، على مواقع تجارية تابعة لمركز النقديات المغربي، بقيمة بلغت 2.9 مليار درهم.
كما أعادت صناعة وتصدير الكمامات خلال ذروة إنتشار فيروس كورنا، المصانع المغربية إلى عجلة الدوران، حيث انكبت على إنتاج الملايين من الكمامات، تجاوز بفضلها المغرب إكتفائه الذاتي، ليتحول إلى بلد مصدر لهذا المنتوج.
يقول الطيب أعيس، الخبير الإقتصادي والمالي، أن الأزمة أظهرت أن خطط المغرب الإستباقية قادرة على مواجهة أزمات كبيرة، على مختلف الأصعدة، كما أن الصناعة المحلية أثبتت أنها قادرة على المنافسة الدولية والتميز.
وتذكر الخبير الإقتصادي في تصريح لـ” إعلامي “، في هذا الإطار، كيف حول عدد من الشركات والمعامل، إنتاجها نحو صناعة الكمامات الواقية والمعقمات والألبسة الصحية، لتلبية متطلبات السوق الوطنية ثم الدولية، مستفيدة من تسهيل الإجراءات الإدارية في الحصول على التراخيص اللازمة.
وفي الوقت الذي إشتدت فيه المخاوف من تضرر المملكة من أثار الجائحة، فقد إستطاع المغرب، توفير إحتياطي مهم من العملة الصعبة، قارب 36 مليار دولار، مما مكنه من التسديد المسبق لجزء من السحب الذي تم إجراؤه قبل بضعة أشهر على خط الوقاية والسيولة لدى صندوق النقد الدولي.
مواجهة الأزمة الاقتصادية ؟
ولتجاوز هذه الظروف الإقتصادية غير المسبوقة، أطلق المغرب حزمة إجراءات، لدعم المشغلين الذين يواجهون صعوبات في الحفاظ على أعمالهم، ومساعدة الشركات والمقاولات على الصمود أمام الجائحة.
وفي هذا الإطار، تم إنشاء لجنة اليقظة الإقتصادية على مستوى وزارة الإقتصاد والمالية، والتي أوكل إليها رصد وتتبع الإنعكاسات الإقتصادية المباشرة وغير المباشرة لفيروس كورونا على الإقتصاد الوطني، ومواكبة النشاطات الأكثر عرضة للصدمات الناجمة عن هذه الأزمة.
وإتخذت اللجنة عدة تدابير لفائدة المتوقفين مؤقتا عن العمل والأسر العاملة في القطاع غير المهيكل، ولفائدة المقاولات، خاصة الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة والمهن الحرة.
وقد منحت اللجنة تعويضا شهريا للعاملين، وتعليق أداء المساهمات الإجتماعية، مع تأجيل سداد الديون البنكية، والإستفادة من القروض المضمونة من الدولة بالنسبة للمقاولات المتضررة.
ويقول أستاذ الإقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، محمد الياوحي، إن المغرب وضع مجموعة من المبادرات والبرامج الشجاعة، من أجل مساعدة الشركات والمقاولات، خاصة المتوسطة والصغرى، على تجاوز الأزمة.
ويضيف الياوحي، في تصريح إعلامي “، أن الجائحة أثرت بشكل سلبي على قطاعات تشكل محركا أساسيا لنمو الإقتصاد الوطني، وعلى رأسها قطاع السياحة، كما أدت الأزمة إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى تحويلات المغاربة بالخارج من العملة الصعبة، التي تساهم بشكل كبير في الناتج الداخلي الخام.
آفاق سنة 2021 ؟
وأشار الياوحي، إلى أن تعميم اللقاح ضد فيروس كورونا، على المغاربة والدول الشريكة للمغرب سيساعد على تجاوز هذه الأزمة، وعودة تحويلات المغاربة في الخارج، وإنتعاش السياحة، متوقعا أن يكون الموسم الفلاحي جيدا السنة المقبلة، نظرا للتساقطات المطرية المهمة التي شهدتها المملكة مؤخرا.
ومن المنتظر أن تشكل سنة 2021، وفق الخبير الإقتصادي، انطلاقة جديدة في درب التنمية والتطور الذي يعرفه المغرب، لا سيما الإنفتاح على الإستثمارات الأجنبية.
وأشار الياوحي إلى أن هناك شركات عملاقة مختصة في مجال تصنيع السيارات وأجزاء الطائرات، وضعت ثقتها بشكل كبير في قدرات المغرب التنافسية، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على الصادرات وعلى الميزان التجاري عام 2021.
إنطلاقة جديدة ؟
وتوقع الياوحي، أن يحقق الإقتصاد المغربي طفرة نوعية خلال سنة 2021، خصوصا بعد الإتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل وأميركا، الذي نص على تنشيط الإستثمارات المباشرة في عدد من القطاعات بين المغرب وإسرائيل.
وفي السياق ذاته، لفت الخبير الإقتصادي والمالي، الطيب أعيس، إلى أن المشاريع الكبرى التي تشهدها المنطقة أو التي في طور الإنجاز مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والذي خصص له إستثمار ضخم (نحو مليار دولار)، سيساهم في إنتعاش الحركة الإقتصادية في المناطق الجنوبية، وسيكون بمثابة البوابة الكبرى للإقتصاد المغربي على إفريقيا، كما سيمكن من إنعاش المبادلات المغربية الإفريقية.