كشفت الأحداث الأخيرة في زمن كوڤيد 19 عُمق الجرح المغربي المدفون وراء مساحيق المغرب الجميل والمغرب المستقر ومغرب السياحة ! لتكون ضربة موجعة لإعلامنا المغالط وتسدل الستار عن واقع مرير تعيشه فئة واسعة من الشعب المغربي ، إنها صور سرعان ما جرفتها الوقائع كما تجرف السيول الأبنية المغشوشة لتكشف عن خبايا شعب مكلوم إن على المستوى التربوي والأخلاقي أو على المستوى البنيوي والسيكولوجي والذي طبَّلت له أبواق الحكومة والصحافة المأجورة ومواقع إلكترونية تلك التي تعمل عن بعد بـ “التليكموند ” ! فقد تناقلت على مواقع التواصل الإجتماعي السرقة الموصوفة وفي واضح النهار ؛ وأي سرقة هذه ! إنها سرقة الأكباش ، سرقة أضاحي العيد ؛ تلك الرمزية العامِرة بالقدسية والتي من المفروض أن تنال تقديسا خاصا لما تنطوي عليه من تجليات التضامن والتآزر والتقرب لرب العالمين بإحياء سُنَّة الخليل سيدنا إبراهيم عليه السلام ؛ لكن الذي حدث في بلدنا وبالضبط بمدينة الدارالبيضاء إهتزت له روح الخليل إبراهيم قبل أن تهتز له مشاعر المسلمين والمتأسلمين ! سوَّقْنا للعالم مشاهد مقززة وفي نفس الوقت ظالمة ومؤلمة ! فما هي الأسباب والمسببات التي دفعت بهذا التطاول اللامسؤول من شرذمة شبيهة بالبشر وكأننا في عهد “السيبا ” في غياب أي حماية لمالك الخرفان الذي ذاق الأمرين ؛ مرارة تربية الماشية وغلاء العلف وما تحمَّله من عناء في تحضير الأضاحي ومرارة ” الحگرة ” التي أحسَّها حين وجد نفسه وحيدا يدافع عن ماشيته في غياب أي تدخل للسلطة ولم يفلح المسكين في ثني من هاجموه بتوسُّله ! كانت المشاهد قاسية ففي الصورة مشهد فلاح يدافع عن ملكيته ومهاجمين تنصلوا من إنسانيتهم في تناقض صارخ بسرقة الأكباش وبِنيَّة التقرب بها لرب السماء ! والغريب أن هذه الأيادي التي سرقت وأخرجت الأكباش من الشاحنة ستُرفع تضرُّعا ومناجاة لله يوم العيد ! إنها سريالية عبثية .
فمن المسؤول عن هذا الفَلَتَان الأمني الخطير ؟ وماهي أسباب هذا الإفلاس الأخلاقي المدمر لهوية المواطن المغربي الحُر الذي تألم بوجع حارق لهذه المشاهد الصادمة ! والأدهى من هذا لم يظهر على قنواتنا البئيسة مسؤول سياسي واحد ليستنكر ماحدث ويدعو لتعويض كل من تضرر من الفلاحين ممن إمتدت إليهم يدُ الغدر والذين لم تجِفْ دموع حسرتهم بعدُ .
الرسالة قوية ومعبرة ومفادها أننا على فوهة بركان قابل للإنفجار وفي أي لحظة ، فأحداث الدارالبيضاء هي صورة مصغرة لما قد يتبناه البلد بأكمله في لحظة غضب ، وأظن الرسالة وصلت وبالمضمون المؤكد لصانعي القرار بالمملكة سواء في حكومة الواجهة أو لمن يمسكون بخيوطها من وراء الكواليس .
لقد تصاعدت إلى الأفق أعمدة دخان ناجمة عن غليان إبان الحجر الصحي من أغلبية تعيش التهميش والهشاشة وكانت قاب قوسين أو أدنى أن تصب الزيت على النار فجاء التخفيف للحجر الصحي لتأجيل ما من شأنه أن يُشعل مالا يحمد عقباه ورغم إرتفاع الإصابات بعدوى كوڤيد والتي عرفت أرقاما قياسية في بعض المدن ننصح الحكومة بعدم العودة إلى الإغلاق وإلى الحجر الصحي مرة أخرى وتبحث عن بدائل تُؤَمن للمواطن المغربي كرامة العيش بعيدا عن الفُتات المهين لكرامته بما إصطلح عليه بالدعم التضامني وبصريح العبارة يبقى على الحكومة والدولة ثقل ما ستؤول إليه الأوضاع في الأسابيع القادمة إن لم تجد حلولا منصفة وعادلة في إعادة النظر في كيفية توزيع ثروات البلاد على الشكل الصحيح ومراقبة الشركات والباترونا لحماية الشغيلة وحقوق الأجير وكذلك النهوض بالقطاعات الغير المهيكلة والتي كانت ولازالت المتضرر الأول والأخير إبان الجائحة .
حميد عبدالقادر فيخار..
2020/08/02