تعتزم الجزائر تعزيز شراكتها مع روسيا في المجالين الصناعي والتجاري، في ظل اعتماد البلاد قانون استثمار جديد يوفر حوافز أكبر للمشاريع الصناعية الثقيلة. يأتي ذلك، في وقت وجهت فيه السفارة الأوكرانية في الجزائر، نداء للشركات الجزائرية بالانسحاب من السوق الروسية وتقديم وعود لها بالتعويض في حال الانتقال للاستثمار في أوكرانيا.
حملت زيارة وزير الصناعة الجزائري أحمد زغدار إلى موسكو للمشاركة في فعاليات الطبعة 25 للمنتدى الاقتصادي الدولي بسانت بطرسبورغ، دلالة على تمسك السلطات الجزائرية بالتعاون الوثيق مع روسيا في ظل دعوات الغرب لمقاطعة هذا البلد بعد شنه الحرب على أوكرانيا. وتريد الجزائر، الاحتفاظ بخيط الحياد الرفيع في تعاملها مع الأزمة الأوكرانية، خاصة في هذه الأيام مع اتهامات إسبانيا بدور روسي في أزمتها مع الجزائر. ولم تصرح الجزائر بتأييد روسيا في غزو أوكرانيا، لكنها أظهرت تفهما لمخاوف موسكو من تهديد حدودها.
وخلال مباحثات الوزير زغدار، مع نظيره الروسي، دونيس مونتوروف، جرى الاتفاق على تكثيف اللقاءات بين المتعاملين الاقتصاديين للبلدين بهدف إبرام شراكات مجدية للطرفين وكذا بعث تعاون في مجال المناطق الصناعية. كما اتفق الطرفان، حسب بيان الوزارة، على بعث تعاون في مجال المناطق الصناعية “وهو المجال الذي تتمتع فيه روسيا بخبرة واسعة”.
وأبدى الوزيران رغبتهما في رفع المبادلات التجارية التي تقترب حاليا من 3 مليار دولار سنويا، مع هدف جزائري بمزيد من تسويق المنتجات الجزائرية في الأسواق الروسية، في ظل رغبة الحكومة تنويع الصادرات والمداخيل من العملة الصعبة، خارج المواد الطاقوية التقليدية التي ظلت تشكل أساس الاقتصاد الجزائري. وكان الحديث عن رفع المبادلات التجارية، قد طرح خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الجزائر في مارس/آذار الماضي، مع اتفاق مشترك بتعزيز العلاقات أكثر والتوقيع على “وثيقة شراكة استراتيجية” بين البلدين.
كما ترغب الجزائر أيضا في استقطاب أكثر للاستثمارات الروسية، في ظل هجرة الرساميل الروسية من مناطق استثماراتها التقليدية في الغرب بعد العقوبات الأخيرة وبحثها عن أسواق جديدة. وشرح الوزير الجزائري، في هذا الصدد، الآفاق “الواعدة” التي تتمتع بها الجزائر، من حيث مناخ الاستثمار الذي يعرف حاليا نقلة نوعية، حسبه، بعد تطوير المنظومة القانونية للاستثمار التي بادرت بها الحكومة بتوجيه من الرئيس عبد المجيد تبون.
واللافت أن التمثيل الجزائري الرفيع في المعرض الاقتصادي الدولي بروسيا والتأكيد على التمسك بالشراكة مع روسيا في الميادين الصناعية والتجارية، يتزامن مع نداء السفارة الأوكرانية في الجزائر، للشركات الجزائرية بالانسحاب من روسيا “ليس فقط من باب التضامن مع أوكرانيا التي تتعرض للغزو الروسي السافر وغير المبرر والمنافي لكل الأعراف والقوانين الدولية، وإنما أيضا حفاظا على سمعتها وممتلكاتها”، كما ورد في بيان السفارة.
وحاولت السفارة الأوكرانية الإقناع بالقول إن “انسحاب رجال الأعمال الجزائريين من روسيا ليس فقط أمرًا صحيحًا من الناحية الأخلاقية، ولكنه مجد ومفيد أيضًا من ناحية سلامة تسيير الأعمال التجارية، وبالتالي تحث سفارة أوكرانيا لدى الجزائر رجال الأعمال والشركات الجزائرية على الانسحاب من روسيا من أجل الشعور بالرضا وتحقيق المزيد من الأرباح”.
وأشارت السفارة في دعم حججها إلى أبحاث كلية “ييل” للإدارة التي أثبتت حسبها أن الأسواق تكافئ الشركات التي تغادر روسيا بسخاء، بينما تعاني الشركات التي تواصل ممارسة أعمالها فى روسيا من مخاطر مالية وأخرى قد تشوه سمعتها. كما حذرت من أن مجلس الدوما الروسي في 24 مايو/ أيار 2022 اعتمد في القراءة الأولى له مشروع قانون يسمح بإدخال الإدارة الخارجية في الشركات التي تبلغ حصة رأس المال الأجنبي فيها 25% كحد أدنى. وفي حالة تمرير تلك الوثيقة واعتمادها كقانون، فإنّ جميع المساهمين الدوليين الرئيسيين سيواجهون خطر فقدان استثماراتهم وممتلكاتهم في روسيا، حسب السفارة الأوكرانية.
ورغم ظروف الحرب في أوكرانيا، أشارت السفارة إلى عرض قدمه الرئيس فولوديمير زيلينسكي للشركات الأجنبية التي تقوم بالخروج من الأسواق الروسية من أجل نقل نشاطاتها التجارية إلى أوكرانيا “حيث ستوفر لها الحكومة الاوكرانية أفضل الظروف وإمكانيات الوصول إلى السوق الأوروبية الكبيرة”، على حد قولها.
وتثير في كل مرة بيانات السفارة الأوكرانية بالجزائر ردود فعل مستغربة، بسبب عدم مراعاتها في نظر بعض المعلقين لمواقف الحياد التي تتبناها الجزائر في هذه القضية وأحيانا خروجها عن الأعراف الدبلوماسية عبر الحديث بصيغة توجيه الأوامر. وكان أكثر ما أثار الجدل، نداء نشر على صفحة السفارة على فيسبوك تضمن دعوة للجزائريين من أجل الانضمام في صفوف المقاومة الأوكرانية، وهو البيان الذي سحب لاحقا لأنه يخالف القوانين الجزائرية التي تمنع تجنيد مرتزقة على أراضيها.