بقلم عبد الحي السملالي ….
“إن الوطنية، حسب تقديري. ليست كلاما يكتب، و لا شعارات ترفع، ولا تبجح ناتج عن نفاق مغرض، لا نضال فيه، و لا تضحية فيه، و لا نكرانا للذات فيه. و لا موت فيه، ولا تفان فيه في خدمة الحبيب، إنما الوطنيةُ، قبل كل شيء، هي الحب الذي نكنه للوطن الناتج عن الإيمان به الذي وقر في القلب، وصدقه الخلق والسلوك و العمل، انها شعورٌ لا تشدق ولا تباهي ولا تهجم على الآخرين، فيه، شعور يرفض النعارات ويستهجن العنصريات ويحارب التعصب، إنها احساس يحرم المزايدة ولا يقبل المساومة”
إن المخاض الذي يجري بقوة وحيوية داخل منظومة مغاربة العالم، في الوقت الراهن، ظاهرة صحية و مطلوبة تدل على أن هناك حِراكٌ واعٍ، يعبر فيه المجتمع المدني، ومن خلاله، عن طموحاته ومطالبه وعن رغبته في التغيير و في تبني واقرار الجديد الذي يجعل منظومتنا تواكب العصر و تواكب سيرورته، وتتحكم في صيرورته وتجعل من الراهن، ماضيا تضعه في مكانه اللائق به من التاريخ، ومن الرؤية المستقبلية ركيزة أساسية لكل منهجية تتبناها لتحقيق مشروعها المجتمعي.
إن هذا الحراك إن دل علي شيء فإنما يدل على رفض فعاليات المجتمع المدني، للقطعنة و للحجر و لممارسة الوصاية عليها وعلى وجدانها وللرقابة على عقولها وتفكيرها، كما يدل على إستعداد ذات الفعاليات للتصدي لكل محاولة للتدجين أين كان نوعها، فردية أو جماعية، مخزنية كانت أم غير مخزنية…، إن نقاش هذا الراهن الذي يريد هذا الحراك أن يجعله ومنه ماضيا يضعه في مكانه اللائق به من التاريخ، يقتضي منا أولا وقبل كل شيء أن نتفق على معنى وتعريفا محددا لبعض المفاهيم وأن نوضح حمولاتها، ونضعها في مكانها في الفكر الذي يدرس وينظر لمنظومتنا {أي لمنظومة مغاربة العالم}،…
و في محاولة منا لتعريف هذه الأخيرة، التي تمثل الأرضية التي تجري فيها وعليها هذه الأحداث و الفضاء الذي يدور فيه النقاش قلنا: ” هي بيئة بشرية بعدة فضاءات يعتبر المغرب مرجعتيها الفضائية، عناصر مكوناتها مغاربة العالم وكل مغاربة المهجر لهم الحق الطبيعي في الإنتماء لها وإليها ، يوحد عناصرها ويجمع بينهم داخلها عدة علاقات منها والوطنية والثقافات المغربية والهوية وإمارة المؤمنين واللغات و الديانات، ومن هذه العلاقات، يستمد كل عنصر وظيفته وفي فضاءاتها يمارس مواطنته” ومن تم السؤال ماهي اذا المواطنة دخل وخارج منظومة مغاربة العالم؟
لقد كثر الحديث مع هذا الحراك، منذ ما يزيد عن سبع سنوات، داخل منظومتنا لتنتقل عدواه بسرعة خارجها، عن المواطنة و المواطنة الكاملة، وهي مفاهيم فضفاضة وجديدة على منظومتنا، يعتريها، حسب تقديري، كثير من الغموض والضبابية، رغم كونها أصبحت مع مرور الوقت متداولة، من كثرة ما تبجح بها البعض …
إن تداول مصطلح ما أو مفهوم ما بكثرة لا يكفي ليعطيه معنا واضحا في أذهان مستعمليه، أو لإعطائه تعريفا شافيا كافيا لدارسيه، فهل يا ترى كل الذين يستعملون هذه المصطلحات المفاهمية، على دراية بمعانيها ؟؟ إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج أولا إلى معرفة معنى المواطنة خارج منظومة مغاربة العالم، أي التي تتعلق بالمواطن المقيم في بلده الأصلي، ثم مواطنة المهاجر الحامل للجنسية، التي تتعلق ببلد اقامته، ثم مواطنة هذا الأخير والتي تتعلق ببلده الأصلي داخل منظومة الهجرة والمهاجر، هذا عام يرغمنا على العودة إلى الخاص لإيجاد جواب شافي، للإشكاليات التي طرحناها سالفا، من خلال مناقشة الأسئلة التالية : ما الذي يجمع مغاربة العالم داخل منظومتهم؟ أهو جنسيتهم؟ أم مواطنتهم؟ أم هما معا؟ أم هويتهم؟ أم شيء آخر؟ و إذا كانت المواطنة هي التي تجمعهم، فبأي معنى؟
حينما أرى بعض مغاربة العالم يرفعون شعار المطالبة بالمواطنة الكاملة سرعان ما أقول مع نفسي أن هؤلاء يطالبون بأقل من حقهم، وأنه يجب أن يعيدوا النظر في فهمهم لمعنى المواطنة، فمواطنة مغاربة العالم مواطنة كاملة وزيادة! كيف ذلك؟
المواطنة هي ممارسة قبل كل شيء وليست إنتماء لكنها تتطلب شرط الإنتماء الذي يوفر لها حقل وفضاء الحقوق الذي تمارس فيه، و دون هذا الأخير أي دون فضاء ممارستها الذي يضمن تواجدها يصبح الحديث عنها غير ذات معنى، ومن ثم يصبح الإنتماء شرط أساسي لتواجد “ممارسة” المواطنة هذا الإنتماء الذي يجب أن يكون إلى مجتمع واحد و معين تضمه بشكل عام مجموعة من الروابط، فيها الإجتماعي و السياسي والثقافي /الهوياتي، إنتماء يوحدها في إطار دولة معينة تكون الجهاز الناظم و الضامن لمجموعة من الحقوق كالحق في العمل والحق في الإقامة والحق في المشاركة السياسية و… أي الضامن لفضاء الحقوق الذي تمارس، المواطنة. فيه و عليه وبه ومن خلاله ، ومن تم الإشكال المطروح في حالة مواطنة مغاربة العالم التي فيها الإنتماء، كما تعلمون، متعدد و إلى أكثر من مجتمع, والإنسان حينما يكون بإنتماءات متعددة و حامل لعدة مشاريع مجتمعاتية بعضها يتعلق ببلد الإقامة والبعض الآخر بالبلد الأصل، يصعب تعريف مواطنته وتحديدها وحصرها، مما يجعلنا نحس بإنسداد وإنحباس على مستوى الفكر، وكذا الإشكالية تترائ لنا مغلقة وتجعلنا نميل نحو النظري بحثا عن إستقرار فكري يتطلب منا إعادة صياغة هذه الإشكالية التي تحيلنا على إشطتالية أخرى ,,,إشكالية الثابت و المتغير في المواطنة. وقد يذهب بنا هذا الوضع بعيدا لنطرح السؤال حول مواطنة من هذا النوع هل هي ثابت أو متغير؟
سنجيب على هذا السؤال في التو واللحظة و بسرعة فائقة من خلال الفرضية التالية: إن المغربي المتواجد في فرنسا، وهنا تعمدت أن لا أقول المواطن المغربي حتى لا أخلط بين الجنسية والمواطنة رغم أن القانون لا يفرق بين هذين المفهومين، أي أنه يعطي لمفهوم المواطنة حمولة مفهوم الجنسية و لمفهوم الجنسية حمولة مفهوم المواطنة، على أية حال بيت القصيد عندنا هنا هو ممارسة هذا المغربي لحقوقه أي لمواطنته التي تتغير حسب الظروف الزمكانية ! كيف ذلك؟
لنبدأ بالفضاء الزمني: إن حقوق الفرنسيين مثلا، تغيرت مع الزمن، وهذا أمر بديهي، فحقوق المثليين الفرنسيين في ستينيات القرن الماضي ليست هي حقوقهم حاليا، إذن إذا تغيرت حقوقهم فإن ممارستهم لهذه الحقوق تتغير وبالتالي فإن مواطنتهم تغيرت ومن هنا تكون المواطنة متغير لا ثابت، ورغم هذا الوضوح بأن المواطنة متغير يخضع لعامل الزمن، قد يقول قال إن المفهوم ، أي مفهوم المواطنة، هو الذي تطور أم المواطنة فإنها ثابت لا تحوُّلٓ فيه ، لندحض هذه الإدعاء، بالعودة إلى ذلك المغربي المتواجد في فرنسا، فإن كان لا يحمل الجنسية الفرنسية فإنه لا يتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيين و لا يمكنه كمغربي أن يمارس ويتمتع بحقوقه كمغربي في فضاء الحقوق الفرنسي، كتعدد الزوجات مثلا وغير ذلك في حين يتمتع بممارس عدة “حقوق” كإفطار رمضان والعلاقات الجنسية الغير الشرعية و …. ومن تم فان ممارسة الحقوق تتغير بتغيرالزمان وتغيير المكان، فتكون، المواطنة، بكل هذا متغير لا ثابت!