الحزب الديمقراطي اليساري وحركة نجوم الشعبوية والحكومة الإطالية : رسالتين مباشرة من صناديق الإقتراع يومي 20 و21 شتنبر 2020 !!
فرحان إدريس…
يبدو أن يمين الوسط كان ضحية لطموحاته المفرطة ، الأمر الذي جعله قصير النظر. والمتيجة فشل ذريع في إسقاط الحكومة الإيطالية بقيادة رئيس الوزاراء جوزيبي كونتي ..
الناجي الوحيد بعد الإنتخابات الجهوية والمحلية هو السياسي الذي كان يُشار إليه حتى قبل أربع وعشرين ساعة على أنه سيقدم كبش فداء لهزيمة شبه مؤكدة. كقربان للتحالف الحكومي من المكون من الحزب الديموقراطي وحركة خمسة نجوم ،والذي استهدفته المعارضة السياسية اليمينية والمهدد من داخل الائتلاف الحاكم ، هو الكاتب العام للحزب الديمقراطي ، نيكولا زينغاريتي ، الذي يخرج من الإستحقاقات الإنتخابية المحلية والجهوية والإستفتاء الشعبي على تقليص عدد البرلمانيين والمستشارين ببصمات الفائز الشبه المنتصر في التحالف الحكومي المكون من اللونين الأحمر والأصفر .
لقد خسر منطقة جهة ماركي ، لكنه إحتفظ يالمقابل بجهات توسكانا وبوليا وكامبانيا. وهذا ،كاف سياسياً ونفسيا له ، بل إنه تقدم في نسب النجاح : لا سيما حين كانت المشاركة أعلى من توقعات كوفيد 19 التي أحدثتها تغييرات جوهرية في سلوك المواطن الإيطالي . وكان من الطبيعي أن تفرح حركة الخمس نجوم الشعبوية من الحصول في الإستفتاء الشعبي على 70 % التي حصلت عليها بنعم بتقليص عدد إنتخاب أعضاء مجلسي البرلمان والشيوخ ، حيث بلغت نسبة المشاركة 53.84. لكن الأهم في قراءة الإنتحابات الجهوية بالنسبة لمسؤولي حركة خمسة نجوم الذين حاولوا ما أمكن إخفاء الجانب الآخر من العملة في يومي إقتراع 20 و 21 سبتمبر. النتيحة الأولى على المستوى الانتخابي أن هذه الحركة الشعبوية أصبحت تفقد كتلتها الإنتخابية لاسيما على المستوى المحلي ، والأسوأ بالنسبة لأتباع الكوميدي بيبي جريللو ، أن الحركة تبدو أنها لم يعد لها ذلك الوزن الإنتخابي الذي يحدد من يربح أو يخسر في أي إنتحابات محلية أو جهوية أو وطنية ..وخير دليل ما وقع في الإنتخابات الجهوية في كل من ليكوريا وأومبريا حين قدمت مرشحا مشتركا مع الحزب الديموقراطي بحيث خسرا رئاسة هاته الجهات لصالح تحالف اليمين ..
إن الوعد بالإنتقال الآن لخفض رواتب النواب وأعضاء مجلس الشيوخ يبدو قبل كل شيء وكأنه إجلال متعب للحركة لشعبوية في البحث عن حجج “سهلة”. تبدو إنها أيضًا محاولة يائسة لإظهار بأن هناك وحدة سياسية للحركة من خلال قوة سياسية على حفى توترات إنشقاقات قوية في المستقبل القريب . إن الترانيم ضمن النطاق “التاريخي” للنتيجة ، وبالتوازي مع توصية الزعيم السياسي الحالي ، فيتو كريمي ، “بعدم التعليق على النتائج الجزئية” قبل “الإشارة إلى الخط الرسمي لحركة خمسة نجوم ” ، تظهر تباينًا واضحًا.
ليس فقط ، هذا إعتراف ضمني من طرف قياديي “الحركة أنه كان بإمكان إتباع استراتيجية أخرى في الإنتخابات المحلية والجهوية ” ، وهذا يظهر حين تناول وزير خارجية لويجي دي مايو قيادي الصف الأول بحركة جريلو موضوع الهزيمة ؛ وتوقع بأنه سيكون هناك مواجهة داخلية حتمية في المستقبل القريب فيما يخص الخط السياسي للحركة . لكن النتيجة الظاهرة للعيان وللمهتمين بالشأن السياسي الإيطالي ولاسيما بالنسبة للحكومة الإيطالية الحالية هي إستنشاق هواء نقي بعد إنقطاع النفس الطويل والخوف من إسقاط التحالف الحكومي الأحمروالأصفر . ويمكن أن يؤدي الجمع بين نعم للإستفتاء ودعوة قياجة الحزب الديمقراطي إلى عودة جوزيبي كونتي للخروج من الغياب المدروس الذي إنغمس فيه في الأسابيع القليلة الماضية : ومحاولة للهروب من تداعيات إضعاف الحزب الديمقراطي وحركة خمسة نجوم الذي لم يحدث ، بعد أن دعت إلى تحالف محلي وجهوي الديموقراطيين والجريليني في في كل المناطق التي شهدت الإنتخابات ..
وكرر الكاتب العام للحزب الديموقراطي السيد زينغاريتي أمس التأكيد على أنه إذا تم قبول هذا الإتفاق ، لكان التحالف الحكومي الموجود في قصر رئاسة الحكومة بالاصو كيجي قد إنتصر في كل مكان تقريبًا. هناك شك بطبيعة الجال . في بعض الجهات شمال إيطاليا مثل الفينيتو ، والدليل أن قوة حاكم رئيس جهة الفينيتو التابع لحركة الرابطة الشمالية لوكا زايا غير قابلة للطعن والهزيمة . و نفس التحليل يمكن الخروح به في جهة ليغوريا حيث فاز تحالف اليمين و الوسط رغم تحالف حزب الديمواقراطي وحركة خمسة وتقديمهما لمرشح موحد ..
الملاحظة الأساسية أن النتيجة كانت بالنسبة للمعارضة السياسية حلوة ومرة في نفس الوقت ، بحيث حققت إنتصارا سياسيا في بعض الجهات لكنه بطعم الهزيمة أمام التحالف الحكومي المكون من الأصفر والأحمر . وفوق كل شيء تجد حركة رابطة الشمال بقيادة ماتيو سالفيني نفسها تتعامل مع الظل السياسي لجيورجيا ميلوني الذي يتعاظم أكثر فأكثر يوما بعد ويوم رئيسة حركة إخوان إيطاليا التي إكتسحت الأصوات الإنتخابية لرابطة الشمال والخيال السياسي للوكا زايا رئيس جهة الفينيتو الذي يكبر بشكل غير مسبوق .
الخلاصة ، أن يمين الوسط ضحية لطموحاته المفرطة ، الأمر الذي جعله قصير النظر. لقد فكر في تفكيك جهة توسكانا “الحمراء” التي بقيت لسنوات حتى الآن بطريقة باهتة ، وإنتهى به الأمر بتعبئة اليسار الإيطالي كله و تقريب الكاتب العام للحزب الديموقراطي السيد زينغاريتي من أتباع رينزي في ضربة واحدة وإلى الأبد. وفي بوليا ، اعتبر فوزًا أصعب مما كان متوقعًا. وهكذا ، على الرغم من الحفاظ على رئاسة الجهات في الفينيتو وليجوريا ، فإن المعارضة السياسية اليمينية لم تنجح في إسقاط حكومة جوزيبي كونتي ، و لقد حصل على مطالب أقل من تلك التي كان يعتز بها ويتباهى بها في تجمعاته الإنتخابية .
كان الخطأ السياسي الكبير على وجه التحديد هو الإشارة إلى نجاح ساحق ، فقط لينتهي الأمر بنتيجة أكثر تنوعًا. ومن المفارقات العجيبة في هذه الإنتخابات الجهوية والمحلية أن النتيجة هي دعم حكومة كونتي المكروهة التي أرادوا الإطاحة بها. هذه المرة ساد المنطق المحلي على منطق السياسة المركزية الوطنية. وقد أدى ذلك إلى ظهور “حزب المحافظين” أو رؤساء الجهات الذي أصبح يهدد زعماء وقادة الأحزاب المركزية . بل لدرجة أنه مع الوقت يمكن أن يصبح حزب رؤساء الجهات بديلا حقيقيا عن رئاسة الحكومة .
لوكا زايا في الفينيتو ، وفينتشنزو دي لوكا في كامبانيا ، وجيوفاني توتي في ليغوريا ، ميشيل إميليانو في بوليا يتألقون الآن بنورهم الخاص ، مثل نجم ستيفانو بوناتشيني في إميليا رومانيا. وعند الفحص الدقيق للمشهد السياسي بعد الإنتخابات المحلية والجهوية ونتيجة الإستفتاء الشعبي على تقليص البرلمانيين والمستشارين ، يجب التذكير أن زينغاريتي هو الآخر جاء لقيادة الحزب الديمقراطي كرئيس لجهة لاتسيو ولازال . وهذا يعني أن رؤساء الجهات شخصيات سياسية متجذرة بعمق في النسيج السياسي المحلي منه والجهوي ، على عكس قياديي حركة خمسة نجوم الذين لم يستطعوا أن يكونوا بديلا سياسيا سواء لأحزاب اليمين أو اليسار…
والكل يرى التراجع السياسي في شعبية في رؤساء بلديات ، روما وتورينو ، اللذان كان من المفترض أن يكونا نقطة إنطلاق سياسية حقيقية للحركة في المشهد السياسي المحلي الإيطالي ، لكن هو العكس هو الذي حصل والجميع يتوقع النهاية السياسية الوشيكة لحركة خمسة نجوم ؛ لتصبح مرتعا للفوضى السياسية وعدم الإستقرار .
يتبع..