الرباط : نجح أعضاء البرلمان المغربي، أغلبية ومعارضة، في تأجيل اعتماد مشروع اتفاقيتين تتعلقان بالتبادل التلقائي للمعلومات المالية والضريبية مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، رغم إلحاح الحكومة ممثلة في وزيري الخارجية والميزانية.
“مغاربة العالم” (الاسم الذي يطلق على المغتربين) الذين يصل عددهم إلى حوالي ستة ملايين شخص، تنفسوا الصعداء بعدما وصل صوت ممثليهم وجمعياتهم إلى قبة البرلمان، حيث كانوا يخشون أن تكون ممتلكاتهم في المغرب عرضة للازدواج الضريبي أو المصادرة.
وتمكّن البرلمانيون من تأجيل البت في مشروع اتفاقيتين متعددتي الأطراف، تتعلقان بالإقرارات الضريبية والتبادل الآلي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية. وتعدّ الاتفاقيتان المعتمدتان في باريس، حزيران/ يونيو 2019 في باريس، جزءًا من معاهدة متعددة الأطراف بين السلطات المختصة، بما في ذلك الدول الأعضاء في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وتهدفان إلى مكافحة الاحتيال والتهرب الضريبي من خلال السماح للدول الموقعة بالوصول إلى البيانات المصرفية لمواطنيها اعتبارًا من عام 2025.
وشهد البرلمان المغربي جدلاً قوياً بين البرلمانيين والحكومة، وخاصة وزير الخارجية، ناصر بوريطة، الذي واجه لأول مرة معارضة شديدة من لدن أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أغلبية ومعارضة على حد سواء، وهي من المرات النادرة التي يحدث فيها ذلك، على اعتبار أن الوزير نفسه يكون موضع حفاوة باستمرار عندما يحل ضيفاً على القبّة التشريعية.
وبذل بوريطة جهوداً مضنية للدفاع عن الاتفاقيتين، لكنه قوبل بما يشبه “التحالف” بين الأغلبية الحكومية والمعارضة البرلمانية، وحصل “إنزال” كما وصفته يومية “الصباح” في سردها لتفاصيل الخبر، مشيرة إلى أن الوزير المذكور استعان بزميله المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، من أجل إقناع الفرق البرلمانية بأهمية المصادقة على الاتفاقيات الدولية، من خلال التأكيد على أن الاتفاقيتين المذكورتين سوف تسمحان للمغرب بدخول نادٍ مشكل من 120 دولة تمنع الازدواج الضريبي، لكن الوزير نفسه لم يفلح بدوره في هذا المسعى.
“مغاربة العالم” المعنيون بهذا الجدل التشريعي، أوضحوا موقفهم، وأبانوا عن تخوفهم من المشروع، وهو ما سار على دربه النواب خلال اجتماع لجنة الخارجية في مجلس النواب، وتوحدت في ذلك فرق الأغلبية والمعارضة، وخلصوا إلى تأجيل البت في مشروع “اتفاقية التبادل الأوتوماتيكي للمعلومات المالية والضريبية”، إلى حين مراجعة بعض البنود التي أكدوا أنها تضر وتمس بمصالح الجالية المغربية بالخارج.
وكانت الأغلبية ممثلة في أحزاب “التجمع الوطني للأحرار” و”الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال”، على موعد مع مداخلات وصفت بـ “القوية” و”الرافضة” للمصادقة على الاتفاقيتين إلى حين تغيير ما يجب تغييره وإبعاد الضرر عن مصالح الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
ومن طرائف اجتماع اللجنة المعنية بمناقشة مشروع الاتفاقية، ما أوردته “الصباح” حين ذكرت أن اكتظاظ القاعة دفع رئيسة اللجنة إلى نقلها لقاعة أوسع حتى تتسع لكل من حضروا “الاجتماع الساخن”.
وما زاد من سخونة النقاش، أن الأجل القانوني للاتفاقيتين سوف يحل في عام 2025، مع بدء تنفيذهما في العام المقبل 2024، وهو ما دفع وزير الخارجية إلى التمسك بالدفاع على ضرورة الحسم فيهما، لكن ذلك لم ينه حالة “التحالف” بين الأغلبية والمعارضة في رفض ذلك. مداخلات الأغلبية الحكومية، على لسان رؤساء فرق أحزابها، كما أوردتها مصادر متعددة، يمكن إجمالها في كون التصويت سيكون لصالح كل القوانين المدرجة للمصادقة باستثناء الاتفاقيتين متعددتي الأطراف، وذلك ما ورد على لسان رئيس فريق حزب “التجمع الوطني للأحرار”، محمد غيات، فيما قال زميله الذي يرأس فريق حزب “الأصالة والمعاصرة”، أحمد تويزي، إن مغاربة العالم لديهم تخوف كبير من هاتين الاتفاقيتين، أما نور الدين مضيان رئيس فريق حزب “الاستقلال”، فقد أكد أن “المغرب صادق على عدد كبير من الاتفاقيات بدون مناقشة، ولكن هذه الاتفاقية استحضرنا نتائجها وأثرها، وأنها ستضر بدرجة أولى بمصالح الجالية، ومصالحنا كذلك”.
المعارضة التي لم تخلف الموعد في تبرير رفضها الحسم في الاتفاقيتين، كانت على قلب رجل واحد مثل الأغلبية. رئيس الفريق الاشتراكي قال إن أطرافاً كبيرة في بلادنا لا يعجبها المصادقة على هاتين الاتفاقيتين وقدمت إشارات على أن هناك مشكلة، بينما طالب رئيس الفريق “الحركي” الحكومة بالتأني في معالجة موضوع الاتفاقيتين وإرجاء المصادقة عليها لاستدراك ما يمكن استدراكه.
وشدد رئيس فريق “التقدم والاشتراكية”، على “المغرب منخرط في محاربة جميع الاشكال لا التهريب الضريبي ولا تبييض الأموال والجريمة المنظمة ولا الإرهاب”، عكس ما قد يعنيه التحفظ على الاتفاقيتين “للآخرين”، ليستطرد قائلا “ذلك لا يجب أن يكون على حساب فئة (الجالية) لا يدخلون في هذه الخانة”، وبالمعنى نفسه مع اختلاف صيغة الخطاب، ذكر رئيس المجموعة النيابية لـ “العدالة والتنمية”، أن “تخوفنا حول مصير 6 ملايين مغربي بالخارج، يجب حمايتهم بكل الوسائل، وعدم ترك أي بند يمس بمصالحهم”.
والجدير بالذكر أن المغاربة المقيمين بالخارج هم مصدر مهم للعملة الأجنبية الوافدة على البلاد، حيث تقترب من أربعة ملايين دولار أمريكي، وهو أمر ضروري للدعم المالي لأسرهم في المغرب، فضلا عن استثماراتهم المتعددة في البلاد.
وبالتالي، فإن السلطة التنفيذية تسعى لإيجاد حل وسط مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتهدئة مخاوف المغاربة المقيمين بالخارج، والحصول على موافقة البرلمان ، على الرغم من أن موعد التصويت التالي على مشروع القانون لم يقع تحديده بعد.
في هذا السياق، أكد وزير الخارجية، ناصر بوريطة، أن المغرب حريص على الحفاظ على حقوق الجالية المغربية عند إبرامه للاتفاقيات الدولية، وأضاف موضحا أن “المغرب بقدر ما هو منخرط في المجهود الدولي لمحاربة التهرب الضريبي وتمويل الإرهاب وغسيل الأموال فإنه كذلك، لا يمكنه أن يسير في أي اتجاه من شأنه المساس بحقوق الجالية المغربية المقيمة في الخارج”، واستشهد بمكانتها الخاصة لدى العاهل المغربي محمد السادس.
Advertisement
Advertisement