لا شك أن كثيرا من أصدقائك و معارفك يغبطونك على مسارك المهني و إنتمائك الوظيفي، فأطر و أعوان وزارة الخارجية في كل البلدان تعتبر من النخب التي تخدم أمتها ضمن مؤسسة هي “المسؤولة عن رسم خارطة طريق” البلد في علاقاته الخارجية بباقي الأمم.
و الله أعلم ما الذي يتخيله عامة الناس عندما يتعلق الأمر بموظفي وزارة الخارجية.
و الآن فلنلق نظرة عن كثب على هؤلاء الأطر من واقع شهادات كثير منهم.
صحيح، أن المؤسسة تشكل إطارا مهنيا يمكن إعتباره “نظريا” متميزا بالنظر لما تقدمه المؤسسة من “إمتيازات” للعاملين بها. هذه الإمتيازات في حقيقة الأمر يعتبرها بعض العارفين فخا يقع فيه معظم الأطر. و إليكم بعضا مما يعانيه الدبلوماسي المغربي مقابل ما يعتبر امتيازات :
1 – ضغوطات العمل و المتعلقة أساسا برئيس البعثة الذي يمارس سلطوية مرضية مقيتة يبتغي من خلالها تركيع الأطر و التدييق عليهم بما يشبع رغباته النفسية المريضة.
2 – إلهاء الدبلوماسيين بأمور تافهة لا ترقى إلى مستوى الأطر العليا. الأطر التي من المفترض أن تكون واجهة للمملكة و من خلالها يتم التعرف المبدئي على البلد. فبمجرد الحديث إلى بعض الدبلوماسيين المغاربة إن لم نقل معظمهم يتضح مدى بساطة مستواهم الفكري و الثقافي و كذا تطلعاتهم المقتصرة على ما يقومون به من مهام بسيطة حتى لو علا تدرجهم الإداري. و هذا راجع بالأساس إلى الإطار الذي يقضي ثمان ساعات يوميا من عمر الموظف الذي لا يبادر إلى أي مجهود فردي يرفع به مستواه. (لا قراءة و لا كتابة).
3 – تحديات الغلاء المعيشي ببلد الإعتماد و الذي يعصف بجزء كبير من دخل الدبلوماسي إن شاء أن يعيش حياة كريمة كممثل للبلد . فالدبلوماسي المغربي من بين الأقل دخلا بين الدبلوماسيين في العالم ، فهو دائما بين كماشة التوفير من أجل مسكن محترم في المغرب و غلاء المعيشة في عاصمة بلد الإعتماد……………………………………4 – صدمة الدبلوماسي بعد إنتهاء مهامه بالخارج، و عودته إلى المغرب ليجد أسعار العقار بلغت عنان السماء في العاصمة الرباط، و ما رافقها من إرتفاع في أسعار المنتجات و الخدمات. في المقابل يجد نفسه بمدخول هزيل لا يضاهي باقي القطاعات. ما يدفعه لإستعمال مدخراته لسد عجز خلفته ضروريات الحياة من كراء مسكن محترم، و نفقات مدارس للأطفال و تنقلات و مأكل و مشرب و ملبس… و كل هذا و ذاك يجعل كثيرا من أطر الوزارة يعانون من مشاكل نفسية و عقلية ظاهرة للعيان.
أجدني في حرج من حديثي عن عدم قدرة الدبلوماسي المغربي على سد حاجياته الضرورية التي لا يجب أن تكون محل نقاش على الأقل بالنسبة لمغترب يفترض به المساهمة في الذَّوْد عَنْ حِيَاضِ الوَطَنِ و مصالحه.
و هكذا تعاد دورة الإضطرار لتدور في حلقة مفرغة عند دبلوماسيي المملكة. لا يمكن في هذا الإطار إغفال الدور السلبي الذي يمارسه أطر الوزارة الموقرة في تأزيم وضعهم المعيشي. فرغبتهم في العيش خارج أرض الوطن تكون في غالب الأحيان لهثا و سعيا خلف أمرين إثنين …مادي (90 في المئة) أو مهني (5 في المئة) و الباقي لأسباب متفرقة.
و ختاما لا يسعني إلا أن أقول أن ما يعانيه الأطر من مآسي بسبب سوء تدبير الموارد المادية و البشرية يشكل عنوان حياة الدبلوماسي المغربي. “حياة” يمضي معظمها في التدمر و الشكوى و انتظار الحركة الإنتقالية و الترقية و برنامج المسار المهني ووو…وغيرها. و هكذا تمضي الأعمار و تدمر الأبدان و الأرواح و ينشأ جيل من أبناء النخبة على غير دين آبائهم في مدارس المحتل الذي يحصل أجرا على نشر ثقافته و دينه تحت عدة مسميات شأنه في ذلك شأن الأطر التي تختبأ وراء ستار “مسمى الإضطرار” و غيرها من الأعذار التي تهرب من خلالها هذه الفئة من أوهام أنتجها ضعف و وهن هذه الأمة إلى مستقبل مجهول المعالم ظاهره فيه الرحمة و باطنه من قبله العذاب… أنّا لهكذا جيل أن يفهم معنى الوطنية الحقة و أن يدافع عن شعار سمى بسمو معانيه…الله، الوطن، الملك.
كانت هذه كلمات مغترب حاول من خلالها تأدية واجب التبليغ و صدق الله في قوله ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ “.
//م.أ.م//