الدكتور طارق ليساوي
حاولت في مقال ” المغرب: عنوسة.. مثلية.. طلاق.. هل نحن بانتظار انتفاضات خطيرة؟” إستحضار قصة يوسف عليه السلام و التأكيد على الكفاءة الإدارية ليوسف عليه السلام ، و توضيح الدور البناء الذي لعبه “رأس السلطة” ” الملك صاحب الرؤيا” الذي تنبأ بالأزمة المستقبلية من خلال “الرؤية المنامية”..
فالملك توفرت لدية الإرادة السياسية في الإصلاح فسعى إلى يوسف صاحب الاختصاص، للاستعانة بعلمه وكفاءته ومّكنه من حل الأزمة، فهم الملك الأول المصلحة العامة…و بعدها قال يوسف عليه السلام “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”، والمقصود بعليم كما فسره بعض المفسرين المعاصرين هو علم التنبؤ بالمستقبل، التنبؤ الاقتصادي على وجه الخصوص.. فصلاح الرأس يقود إلى صلاح باقي الجسم الاجتماعي..و لعل هذا ما أشار إليه رئيس وزراء سنغافورة السابق “لي كوان يو” ..
و نحن نتابع أوضاع بلداننا نتساءل ألا يدرك صناع القرار في هذه البلدان حجم المخاطر التي ستعصف من دون شك بكراسيهم و مكاسبهم؟ لماذا لم يستفيدوا من موجة الربيع العربي التي عصفت بحكام عمروا لعقود ، و كانت نهايتهم مأساوية ؟
و هذه النهاية الحتمية تنتظر طائفة جديدة من الحكام الحاليين، لأن كل المؤشرات الكمية و النوعية تؤكد أن الوضع في طريقه للانفجار، و أن ثورات الجياع قادمة لا محالة، و لعل هذا ما يدفعنا إلى التنبيه أن هذه الثورات التي يحركها الجوع ، تكون ثورات مدمرة للأوطان و للشعوب، لأنها ثورات غير منظمة و تفتقد لقيادة ، و هذا الأمر في غاية الخطورة ، و الأنظمة الحاكمة لعبت دور أساسي في هذا الإنحدار و الاندحار عبر سياساتها الأمنية و القمعية ، و سياساتها القائمة على الحكم بالخوف و الرعب و تكميم الأفواه الحرة و محاربة هيئات المجتمع المدني و الأحزاب و الهيئات و الشخصيات السياسية التي لها مصداقية و استقلال أصيل عن النظم الحاكمة و كبث كل محاولات بناء معارضة جادة و حاملة لبرنامج إنقاذ و إصلاح…
ad
و لا تعني المعارضة بالضرورة الهدم و الإضرار بسلامة الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة، بل الحرص على حمايتها و حفظها، و لا تعني بلغة الحكام و علماء السلطان “إشعال الفتنة “، بل على العكس من ذلك فالمعارضة السياسية البناءة و الصحافة الحرة و العلماء و الأكاديميين الأحرار و المستقليين، غايتهم علاج الاختلالات و فضحها أمام الجمهور ، بهدف منعها و زجر مرتكبيها حماية لمصالح البلاد و العباد ، و البحث عن مخارج و بدائل أمنة لحماية المقاصد و الكليات الكبرى ، و محاولة لإيجاد علاجات ناجعة و إصلاح الفساد البين الذي إرتكبه القائمين على إدارة الوطن ..
وأي فساد و فتنة أكبر من نهب ثروات الوطن و إفقار غالبية الناس، فقد تداولت الصحف العالمية في الأيام الماضية فضيحة جديدة مصدرها المغرب، و تحديدا شركات المحروقات التي تشتري الغازوال الروسي بأثمان بخسة و تبيعه للمغاربة بأثمان فاحشة …
فقد تداولت الصحافة الإسبانية ومنها “الباييس” والدولية مثل “فاينانشال تايمز” منذ يناير الماضي قصاصات إخبارية تشرح كيف تبيع الشركات الروسية البترول وخاصة الغازوال في السوق الدولية للكثير من الدول ومنها الأوروبية بطرق ملتوية لتجنب الحظر المفروض على الشركات الروسية ..و تفيد هذه القصاصات أن السفن الروسية ترسو قبالة المياه الدولية لمضيق جبل طارق والمتاخمة للمياه الإقليمية لمدينة سبتة المحتلة وكذلك صخرة جبل طارق، مستغلة الوضع القانوني الاقتصادي للمدينتين بأنهما أسواق حرة. وتقوم ببيع حمولتها لشركات أجنبية. وتعتمد الشركات الروسية على شركات مقيمة في سبتة من أجل الدعم اللوجيستي لتفويت حمولة الغازوال. ولجأت الشركات الروسية إلى هذه الحيلة التي لا تخرق القانون بشكل واضح ولكنها تبقى مناورة على هامش القانون منذ الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
وتبيع الشركات الروسية الغازوال بـ70% أقل من السوق الدولية للطن، وكانت المفاجأة أن بعض الزبائن هي شركات مغربية قامت بشراء الغازوال ولكن عبر شركات مسجلة في مناطق حرة، ونقله إلى ميناء طنجة المتوسطي في المغرب على بعد أقل من عشرين كلم من رسو السفن الروسية والإيحاء أو التمويه بأن الغازوال جرى استيراده من مناطق بعيدة بآلاف الكيلومترات.
و قد تقدم الفريق الاشتراكي المعارض في البرلمان المغربي بسؤال مؤخرا إلى الحكومة يطالب بفتح تحقيق بشأن هذه التلاعبات، وكيف تقوم هذه الشركات بالتلاعب بالطاقة في البلاد محققة أرباحا خيالية. ولم تقدم الحكومة أي تفسيرات حتى الآن حول هذا الموضوع.
و من الملاحظ أن إمدادات الديزل من روسيا إلى المغرب وصلت إلى 735 ألف طن في 2022، مقارنة بـ66 ألف طن فقط في العام 2021، وبلغ إجماليها نحو 140 ألف طن منذ مطلع العام 2023.
ويباع لتر الديزل في محطات توزيع الوقود في المغرب بنحو 14.4 درهمًا (1.409 دولارًا أميركًا)، في الوقت الذي تُعرَض أسعار البنزين بنحو 14.240 درهمًا/لتر (1.4 دولارًا)، اعتمادًا على العلامة التجارية.
ومن المفارقات أن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش يعتبر من كبار المستثمرين في الطاقة في المغرب، ويحدث هذا التلاعب في وقت بدأ فيه الحديث عن تحويل سبتة ومليلية إلى مركزين جمركيين و هو ما تأكد بعد القمة المغربية الإسبانية التي جمعت بين رئيس الحكومة المغربي ” عزيز أخنوش ” و رئيس الحكومة الإسبانية “بيدرو سانشيز” يومي الأربعاء والخميس 1-2 فبراير 2023 بالرباط، فقد قَبِلت السلطات المغربية بتحويل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، إلى نقطة رسمية للجمارك.
واستنادا إلى السعر الذي تقتني به بعض الشركات المغربية الغازوال الروسي، يفترض أن سعر بيع الغازوال في المغرب لا يجب أن يتعدى 7 دراهم (70 سنتا من الدولار)، بينما يتجاوز الدولار والنصف حاليا. ومن شأن تطبيق التعرفة الحقيقية للبيع ونسبة الربح أن يساعد في انخفاض كبير للأسعار بل وتراجع التوتر الاجتماعي الذي يشهده المغرب حاليا بسبب غلاء المواد الغذائية والخدمات.
لكن من باب الموضوعية هناك رأي يشكك في سلامة السعر فقد أوضح الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، و منسق جبهة إنقاذ مصفاة ”سامير” الحسين اليماني، أن “التلاعبات في المنشأ مسألة مرتبطة بهذه الصناعة منذ قدم الزمان، خصوصا مع الحظر الذي كان ينفذ على دول، من قبيل إيران، فنزويلا، ومؤخرا على روسيا، بمعنى أن هذه ظاهرة كانت موجودة منذ زمن”.
ولفت السيد اليماني الانتباه إلى أن “سؤال البرلماني الذي تحدث عن 170 دولار للطن الواحد من الغازوال، فإن ذلك الرقم غير دقيق، لأنه بالعودة إلى كلفة استخراج النفط فإنها لا تقل عن 40 دولارا للبرميل وإذا احتسبناها بالطن فسيكلف على الأقل 300 دولار للطن، وهذا فيما يتعلق بالنفط الخام فقط، دون الحديث عن كلفة استخراجه وتسويقه وتكريره، بمعنى أنه لا يمكن أن يباع أي نفط بأقل من 300 دولار للطن الواحد، في الظروف الراهنة”.
وبعيدا عن قيمة سعر الشراء و البيع و حجم الثراء الفاحش الذي حققته شركات المحروقات و التي يملك رئيس الحكومة الحالي إحداها بل تعد كبرى شركات التوزيع و التخزين للمواد الطاقية في المغرب ..
فإننا ينبغي أن نؤكد أن السيد أخنوش غير مؤهل لرئاسة الحكومة نظرا لتضارب المصالح و تناسل الشبهات عن تورطه في عمليات و ممارسات تجارية يجرمها القانون، فالفساد في أي أمة يبدأ من رأسها، ومن أبرز و أخطر مظاهر هذا الفساد تحول الحكام والوزراء والولاة إلى تُجار، أو جمعهم بين السلطان والتجارة، وهذه الظاهرة لا تخص بلدًا بعينه، بل تكاد من “عموم البلوي”.
و هذا الأمر تناوله بتفصيل العلامة ” ابن خلدون” عندما أشار في مقدمته ، إلى أنه حينما يقصر الحاصل من الجباية عن الوفاء بالحاجات والنفقات وتحتاج الدولة إلى مزيد من المال فنراها تلجأ تارة إلى وضع المكوس وتارة إلى استحداث التجارة والفلاحة على تسمية الجباية (أي على اعتبار أنها ضرائب مباشرة تجبى من المستهلكين) لما تشهد من حصول التجار والفلاحين على غلات واسعة مع يسار الأموال وكون الأرباح على نسبة رؤوس الأموال فتأخذ الدولة في اكتساب الحيوان والنبات وشراء البضائع وطرحها في الأسواق ظناً منها من عظم المردود وتكثير الأموال غير أن هذا على رأي “ابن خلدون” غلط فادح يدخل الضرر على الرعايا من وجوه متعددة أهمها: عدم حصول الناس على أغراضهم وقيامهم بالأعمال المماثلة التي يقوم بها السلطان لعدم قدرتهم على منافسة السلطان لقوته وكثرة ماله فيقول: (ولا يكاد أحدهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته ويدخل على النفوس من ذلك غم ونكد). فضلاً عن أن السلطان ينتزع الحيوان والبضائع بثمن منقوص أو بأيسر ثمن إذ لا يجد من ينافسه في شرائه فيبخس ثمنه على بائعه وقد يجبر السلطان التجار على شراء المستغلات ولو أدى ذلك إلى كساد الغلات عندهم مما يوقع التجار في خسارة عظيمة. ولكن ماذا تكون النتيجة….؟ فإذا ما قايس السلطان بين ما يحصل من الجباية وبين هذه الأرباح وجدها بالنسبة إلى الجباية أقل من القليل. هذا من ناحية وأما من ناحية أخرى فإن انعكاس ذلك على المجتمع سيكون سيئاً لأن الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم في الفلاحة والتجارة نقصت وتلاشت وكان فيها إتلاف أموالهم ومن ثَم خراب العمران.
ويفترض أن للحاكم وظيفته محددة ومهمته واضحة، وهي القيام على أمر الدين والدنيا في حياة الناس، وإقامة العدل بينهم، وحفظ الأمن، والضرب على أيدي المفسدين والمجرمين حتى يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، ويتفرغوا للعمل والإنتاج وعمارة الأرض والبلاد. بيد انه إذا اشتغل الحاكم أو من يعاونه من وزراء أو من هم دونهم في السلطة بالتجارة (البيزنس)، فأول ضرر يحصل من ذلك أنهم لم يعودوا متفرغين لمهمتهم الأصلية التي اختيروا من أجل القيام بها، لأن تلك المهمة تستغرق الوقت كله، وكل إنفاق لوقت الحاكم ومَن يعاونه في غيرها سيعود بالنقص على أدائها والقيام بـها حق القيام. فضلا عن حرصهم الشديد ومراعاتهم لتنمية ثرواتهم، والعمل علي ذلك بشتي السبل وعلي رأسها استغلال سلطاتهم المخولة لهم. فالغلبة ستكون لهم في النهاية؛ فهم (الأقوى جاهًا وسلطةً)، وسوف يخلي الناس لهم الطريق إلى ما يريدون حتى ولو لم يستخدموا “سلطات أجهزتهم “فسيوظفون “العام” لصالح “الخاص”، وستتحول “المواقع العامة” إلى “دكاكين خاصة”.
و مادمنا استحضرنا تشخيص ابن خلدون لحالة زواج السلطان بالتجارة و تأثير ذلك على خراب العمران، فمن الجيد الإستماع لعلاجاته الفعالة لهذه الظاهرة المدمرة للعمران فقد أشار ابن خلدون إلى أن أول ما ينمي الجباية ويثريها ويديم نماءها : ” إنَّما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك ، بذلك تنبسط آمالهم ، تنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها، فتعظم منها جباية السلطان.”.و مفهوم العدل في أهل الأموال عند “ابن خلدون” يعني: تأمين أموال الناس ، وعدم مصادرتها ، وإفساح المجال أمامهم للنشاط التجاري والزراعي والإنتاج ، وعدم الغلو في فرض المكوس ، ومراقبة السلطان لأنصاره وحاشيته من مضايقة أصحاب النشاط الاقتصادي، وكأنَّما يريد أن يُنبِّه إلى القاعدة الاقتصادية الحديثة التي فحواها: أنَّ رأس المال “جبان”، و ينمو و يتوسع حيثُ يوجد العدل والأمن والاستقرار ،ويهرب ويختفي حيثُ الظُّلم والفساد والفوضى والمصادرات.
أما العنصر الثاني الذي يسهم في تنمية دخل الدولة (الجباية) أن يمتنع السلطان عن التجارة والفلاحة، وعن منافسة العاملين بها في أنشطتهم وحركتهم..
لذلك، فقد أشاد ابن خلدون بالسلاطين، الذين يكتفون بسلطة الحكم، ولا يخلطون بين الإمارة والتجارة، وهو ما بقي مثلاً أعلى للحكام العرب، الذين تميّزوا عن غيرهم بالنزاهة ونظافة الذمة، على ندرتهم في تاريخنا وواقعنا.
و ما أشار إليه ابن خلدون مستمد من روح الإسلام و عمل الصحافة و تحديدا موقف “عمر بن الخطَّاب” من “أبي بكر الصديق” رضي الله عنهما حين ولي “أبو بكر” أمر المسلمين بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فقد أصبح أبو بكر ذات يوم ،وقد صار خليفة ـ وعلى ساعده أبراد ـ أي أثواب مخططة ـ يذهب بها إلى السوق ،فلقيه الفاروق “عمر” وسأله: أين تُريد؟ فقال الخليفة: إلى السوق ،قال: تصنع ماذا ،وقد وُلِّيت أمر المسلمين؟ قال أبو بكر: فمن أين أُطعم عيالي؟ فصحبه عمر، وذهبا إلى “أبي عبيدة” أمين بيت مال المسلمين ليفرض له قوته وقوت عياله، ففرض له ستة آلاف درهم في العام إنَّ ما يصدر عن عمر وأبي بكر وأبي عبيدة يعتبر تشريعاً إسلامياً أصيلاً ، فثلاثتهم من كبار الصحابة وأعلامهم. فهذه الحادثة تؤكد علي منع اتجار السلطان ـ شخصاً كان أو نظاماً ـ
و من يحلل موقف عمر وأبي بكر وأبي عبيدة رضي الله عنهم ، و كلام “إبن خلدون” و يقارنه بكلام بعض من يدعون اليوم ، الدفاع عن بيضة الإسلام و مصلحة الأمة ، يصاب بالدهشة و الصدمة من سكوتهم على حجم الفساد و الظلم البين الذي يسود مجتمعاتنا العربية و الإسلامية من جمع بين السلطان و التجارة ، بل يخرج علينا البعض و يقول بوضوح أن هذا الأمر ليس من شأني و ليس وقته و ” لكل مقام مقال” و هلم جرا من المبررات الواهية بل و الأدهى يخوف الناس بشكل مبطن عبر عبارات مشحونة بالتهديد “سخونة الراس” و “برودة السجن” …
و نسى هذا الشيخ قول النبي محمد عليه الصلاة و السلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»، وقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۞ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات في الإسلام، ومن فرائضه العظام ، أن القيام بذلك في أهل العلم والإيمان والبصيرة من أعظم الأسباب لصلاح المجتمعات الإسلامية ونجاتها من عقاب الله في العاجل والآجل، واستقامتها على الصراط المستقيم، ولهذا يقول الله تعالى : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران : 110]
لذلك، عندما أشرت في المقالات السابقة إلى أن كلام الدكتور الفايد يحمل بعض الصواب، فإني عنيت تطبيل الفقهاء و الدعاة للباطل و تزييفهم للحقائق و تخديرهم للعقول، و تطبيعهم مع الظلم و الجور و نهب ثروات الناس و هضم حقوقهم و أرزاقهم، و كل ذلك بدعوى إشعال الفتنة ..
الوطن للجميع ومستقبل المغرب مسؤولية الجميع بغض النظر عن الاختلاف في الرأي أو التوجه السياسي، فاحتكار السلطة و الثروة أمر لابد من إعادة النظر فيه، فلا إصلاح سياسي و لا استقرار، ما لم يتم الفصل بين الجاه و السلطان ، و ما لم يفعل مبدأ من أين لك هذا ؟ . المغاربة ولاسيما الشباب منهم يشعرون بالخجل عندما يري في الجارة إسبانيا أن زوج شقيقة ملك اسبانيا يحاكم و يسجن بتهمة فساد مالي ، بينما في المغرب العديد من السياسيين والموظفين العموميين تداولت وسائل الإعلام تسريبات و تصريحات عن ممتلكاتهم التي راكموها في فترة توليهم مناصب عمومية و لا أحد يتحرك لمساءلة هؤلاء … من العيب أن تحاكم فرنسا و إسرائيل.. مسئوليها بشبهة استغلال المنصب…بينما في بلاد الإسلام المال العمومي أصبح مستباحا من قبل فئة قليلة تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب، بينما بطون جائعة حلمها رغيف عيش لا تجده إلا بشق الأنفس…فهذه البطون الجائعة لن تدافع عن وطن تنكر لأبسط حقوقها…
لسنا ضد الأغنياء بل على العكس جهدهم مشكور ودورهم أساسي في النهوض بالأوطان، لكن شريطة أن يشتغلوا بشفافية و بعيدا عن استغلال المال العام أو القرب من صانع القرار السياسي ، ففي الاقتصاد المعلومة لها ثمن ، فمن هو بداخل المطبخ السياسي ليس كمن خارجه ، فهو يعرف ما يطبخ قبل الجميع وفي مثل هذه المعرفة مكاسب مالية و تجارية جمة…
فمن يدرس تاريخ أعرق الديمقراطيات يدرك أن فصل التجارة عن السلطان و مراقبة مالية الدولة، كانت البوابة الرئيسية لإقامة مجتمعات تسودها الحرية و المساواة والعدالة الاجتماعية ، و بناء مجتمعات متماسكة استطاعت أن تجد لنفسها موقع قدم بين الكبار…
فالسلطة السياسية عندما ترفض الرأي المعارض و المخالف فهي تضر بمستقبلها أولا، و مستقبل الوطن ، و عندما تعمد في تلميع صورتها إلى شراء الولاءات و تمويل أبواق منافقة في رأيها و بصحها و لا تقول إلا ما يرضي أصحاب المناصب و المكاسب فهي تحكم على نفسها بالفناء ، لأن دوام الحال من المحال و الوضع وصل درجة يصعب الاستمرار معها ، بل ويصعب علاجها حتى و ان توافرت الرغبة في العلاج و الاصلاح ..
لذلك ، أميل لتأييد القول المأثور ” عدو عاقل خير من صديق جاهل” ، لأن العدو العاقل يسهل التفاهم معه ، فهو يمنحك عقلا للتوصل إلى اتفاق ، في حال الاختلاف يشير إلى الحق بما يمليه عليه عقله وحكمته وتجربته ، يجبره العقل على قول الحق والوصول إلى الحقيقة ، عادلٌ في تصرفاته وإن تصاعد الخلاف ، منصفا في حكمه وإن كان ظالما ، العاقل لا يصنع العداوة ولا يتعمدها ..لكن بالمقابل الصديق الجاهل يضرك حين يريد نفعك ، يشير عليك بما تمليه عاطفته وليس علمه ، يوقعك في المصيبة بقصد أو بدون قصد ، الجاهل أحمق والأحمق كاسد العقل والرأي، أعمى البصيرة…و الجاهل ليس غير المتعلم ، فكم من متعلم جاهل و كم من أمي عاقل و حكيم….
و في الختام، من الواجب التأكيد أننا شركاء في الوطن و لسنا أعداء، أخوة في العقيدة و الوطن و مصيرنا واحد و مستقبلنا مشترك، لذلك ينبغي ان تتوحد جهودنا لإنقاذ سفينة الوطن التي نرى أنها تغرق بالتدريج و فرص النجاة أصبحت تتضاءل مع مرور الأيام و الأسابيع… والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسيوي. أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة…
Advertisement
Advertisement