عبد الصمد وسايح ……
يبدو أن تلك الصورة التي تحاول مجموعة من الدول الأروبية تسويقها عن واقعها الإجتماعي قد تبخرت، و أن شعارات الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان ليست سوى بطاقات صفراء و حمراء ترفعها في حق الدول التي تسعى إلى إستنزاف خيراتها و ثرواتها الطبيعية و الإستهلاكية، و ما القمع و الإعتقالات التي مورست في حق المحتجين من أصحاب السترات الصفراء إلا دليل قاطع على ذلك.
أصحاب السترات الصفراء اليوم الذين إنطلقوا من فرنسا و إستطاعوا نشر فلسفتهم بدول أخرى بالإتحاد الأروبي كبلجيكا مثلا أبانوا عن حقيقة الواقع الذي تعيشه الطبقة الكادحة و العمال في تلك البلدان التي أسرت عقول شبابنا بوهم إسمه الحرية و العدالة الإجتماعية و المساواة و هو في الحقيقة لم يتجاوز تغير في أنواع و جودة مساحيق التجميل التي تستعملها حكوماتهم و آليات التسويق التي تعتمدها، و عند قراءة بيانات السترات الصفراء و ملفهم المطلبي لا تجد فرقا بينه و بين نفس المطالب التي ترفع في بلداننا، الفرق فقط في الطريقة المبتكرة و التي لم تترك للنقابات أو الأحزاب لعب دور القيادة للمتاجرة فيها و اللجوء للعنف المضاد للدفاع عن الملف المطلبي لأنهم واعون بأن الحق ينتزع و لا يمنح.
و من المرجح حدوث المزيد من الإحتجاجات بدول الإتحاد الأوروبي لأن ما يحدث اليوم ليس سوى مظهر من مظاهر التغيير العميق الذي سيجري بالقارة الأروبية وسيستمر إذا لم يتم تغيير السياسات المالية و الإقتصادية الراهنة و التي تؤثر مباشرة على تنفيذ التعاقد الإجتماعي و من تم المس بالإستقرار الذي كانت تنعم به تلك الدول ، رغم أنه في كل الحالات لم يكن إستقرارا مبنيا على تنمية و تطوير الثروة الداخلية قدر ما كان إستقرار مبني على إستغلال ونهب ثروات بلدان (ثرية فقيرة) كانت تقبع تحت رحمة الإحتلال أو الإستعمار في زمن معين إن صح القول و بقي بها عقد حماية ملغم مع بعض القادة داخل تلك الدول يمهدون لهم طريق الإسترزاق و نهب ثروات شعوبهم.
و يبدوا أن النظام المالي الجديد الذي يسعى أصحاب المصالح المعزولين عن واقع الشعوب و المتحكمين في صناعة القرار السياسي الذي أصبح موجها حسب رغباتهم المالية سيتسبب لا محالة في وضعية تسيب عالمية يحكمها قانون الغاب و ليس قانون الإنسانية و هو بالطبع ما تلجأ إليه أمريكا في أزماتها الاقتصادية (قانون الإنتعاش على حساب الحروب و الصراعات الداخلية للبلدان).
فأغلب ما يسمى إصلاحات اقتصادية في أغلب بلدان العالم حتى الأروبية منها يساهم في زيادة ثراء الفاعلين الإقتصاديين و يساهم في توسع مشاريعهم و يمتعهم بإعفاءات ضريبية و إجتماعية عكس ما هو منشود من طرف الشعوب، خاصة عندما تربط تلك الإصلاحات و ما تحدثه من ثراء فاحش في صفوف مهندسيها، في الوقت الذي تزداد المؤسسات الإجتماعية تدهورا و يزيد تضييق الخناق على عموم المواطنين و تضعف قدرتهم الشرائية و في الأخير يتم إرغامهم على القبول بالأمر الواقع كمى تم التخطيط له من طرف اقلية معزولة تطلق على نفسها “نخبة” لا تؤمن بالبشر و تنفذ في حقه جرائم أكثر من جرائم الحرب و هي الحرمان من الكرامة و المساواة و العدالة.
الربيع الأروبي الذي حل في خريف بارد ليس بجديد على شعوب إنتزعت حقوقها بالقوة من أنظمتها عبر التاريخ و الزيادة في الضرائب كانت من بين الأسباب التي أسقطت الملكية في فرنسا و حولتها إلى جمهورية ، الدرس الذي لم يعيه الجيل الجديد من وحوش الإقتصاد الذين يتصارعون و يتسابقون للحلول في المراتب الأولى لترتيب المجلات المتخصصة في المال و الأعمال و لو على حساب استقرار شعوب بلدانهم لأنهم في الأخير سيستثمرون اينما حلت مصالحهم و ليس مصالح شعوبهم.
درس جديد يلقنه الفرنسيون لشعوب العالم في النضال من أجل الكرامة الإنسانية و يتحدون به وحشية البناؤون الجدد اللذين داسوا على مبادئ حقوق الإنسان و تاجروا فيها من أجل رغباتهم و نزواتهم المالية و أحلامهم الشوفينية التي يحاولون بناءها من تلك الحصص الصغيرة التي تساهم بها شعوبهم في صناديق اسست بإسم المجتمع لتسيير اموره لكنها في الأخير تضخ في جيوبهم.
فهل ستستفيد الدول التي هلت عليها رياح الربيع العربي في 2011 من الدرس الأروبي؟ أم أنها ستنتظر هبوب رياح أعتى من الربيع لتكرر سيناريوهات نحن في غنى عنها رغم أن حكومات تلك الدول بمقدورها تجاوزها عبر إبتكار صفقة إجتماعية جديدة مع المواطنين عامة و ليس فئة الموظفين فقط ، و الرضوخ إلى مطالب الشعوب بدل لعب لعبة القبضة الحديدية التي يسهل تدويبها إذا إشتدت الحرارة.