الزلزال المدمر بمدن ودواوير والجماعات القروية والجبلية بإقليم الحوز ، القراءة والآثار المترتبة !!، وكيف إكتشف العالم بأسره حقيقية المغرب المنسي العميق وليس مغرب الوهم الطامح لتنظيم كأس العالم ؟؟
بتاريخ 08 / 09/ 2023 حوالي الساعة 23 و11 دقيقة ليلا عرف المغرب هزة أرضية بلغت قوتها 7,2 درجة تحت سلم ريختر حسب ما أعلن عنه المعهد المغربي للجيوفيزياء ، وقد حددت هذه الهزة على مستوى منطقة الحوز بالقرب من مدينة مراكش ، وشعر بها العديد من المناطق المغربية، وتضررت بها مناطق عدة كمدينة تارودانت ونواحيها ومدينة شيشاوة ونواحيها وورزازات ونواحيها، وأزيلال وهذه المناطق المتضررة من الزلزال هي مناطق جبلية وتقع في سلسلة الأطلسين الكبير والمتوسط من المغرب ، كما شعر بهذه الهزة المناطق الجزائرية القريبة من الحدود المغربية، وإسبانيا والبرتغال، ووفق مقاييس قوة الزلازل فإن هذه الهزة الأرضية بقوة 7,2 درجات تعد من الزلازل القوية حسب خبراء في مجال الجيوفيزياء، وقد تضرر بشكل كبير من هذه الهزة الأرضية مدينة الحوز والتي تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد الوفيات، وتليها على التوالي مدينة تارودانت وشيشاوة وورزازات ومراكش وأزيلال الى غير ذلك من المدن الاخرى ، وقد بلغ عدد الوفيات الى حدود يوم 11/ 09/2023 حوالي 2862 وفاة وحوالي 2562 جريحا، وان المناطق المتضررة اغلبها مناطق قروية وبناياتها هشة ومبنية بالطين، وحسب السلطات المغربية فان هناك العديد من القرى دمرت بالكامل بسبب الزلزال المدمر .
ولايزال العديد من الأشخاص تحت الأنقاض إما جثثا هامدة أو أحياء ينتظرون دورهم في الإنتشال و الإغاثة وذلك بسبب تأخر أو عدم وصول قوى الإغاثة الى الأماكن التي يتواجدون بها، بسبب وعورة التضاريس كون المناطق هي مناطق جبلية أو بسبب إنهيار الأتربة والصخور على مستوى الطرق ، أو عدم وجود طرقا على الإطلاق حيث أن بعض الدواوير لا تزال تستعمل البغال والحمير في التنقل وهذا بالفعل ما تمت رؤيته على موقع اليوتوب على مستوى إحدى الدواوير الذين حملوا جثت موتاهم على الحمير لنقلها الى متواها الأخير، كما تم نقل المصابين متنها لإيصالها الى المسالك الطرقية ومن تم نقلها على سيارات الإسعاف إلى المستشفيات .
وكثيرا ما سمعنا على وسائل الإعلام الحكومية عن برامج للتنمية خاصة بالعالم القروي، وإقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتنمية المجال القروي ومحاربة الفقر والهشاشة ، فضلا عن لجوء المنتخبين في حملاتهم الإنتخابية الى هذه المناطق بوعود حول التنمية في حال تم الترشح عليهم، لكن على مايبدو وما عرى عنه الزلزال فان القروض البنكية من المؤسستين المذكورتين ذهبت لتنمية جيوب السياسين الفاسدين وان وعودهم تذهب سدى بعد نجاحهم في الانتخابات الاستهزائية .
إن الزلزال الحالي عرى بشكل كبير عن الفارق بين مناطق إستفادت من التنمية فعلا ومناطق لا تزال تحلم بالتنمية أو أنها لا تسمع عن التنمية إلا في وسائل الإعلام وأثناء الحملات الإنتخابية وبالأحرى مناطق المغرب النافع والمغرب الغير النافع والتهميش .
فكيف يعقل نحن في القرن الواحد والعشرون وسكان في أعالي الجبال لا يزالون يبنون بيوتهم بالطين ؟؟ ، ويستعملون الدواب في تنقلاتهم واللجوء إلى الطرق البدائية في مداواة مرضاهم، ليس اختيارا منهم بل اجبروا على ذلك بسبب التهميش والإقصاء والفقر.
مدينة تارودانت المدينة التاريخية والسياحية بسوس، وبسورها العظيم والذي يعد ثالث أعظم سور بالعالم ، والتي جعلت سنة 1981 عاصمة للإقليم ومن شأن ذلك إعادة الإعتبار إليها وتنميتها تنمية شاملة في جميع المجالات وايجاد فرص قادرة للدفع بالمدينة قدما الى الإمام، لكن ومنذ ذلك الحين لا تزال مدينة تارودانت تعيش التهميش والاقصاء ولم يتغير فيها شئ إذا ما قورنت بمدينة مراكش، وإن البعض من السكان يسميها مدينة مراكش الصغيرة للشبه بينهما من حيث السور والبناء وكذا المجال الجغرافي، وأن مدينة مراكش عرفت تنمية كبيرة على كل المقاييس، لكن تارودانت طالها الإهمال من كل الجوانب، إهمال من طرف الدولة وإهمال من طرف المسؤولين والمنتخبين، وما يدل على ذلك الأضرار الكبيرة التي لحقت هذه المدينة جراء الزلزال ، أضرار على مستوى المباني بسبب هشاشة البناء والقدم، وإنهيار على مستوى سورها العظيم بسبب الإهمال ، كما أنها لا تتوفر إلا على مستشفى إقليمي وحيد ولا يستطع إستيعاب العدد الهائل من الجرحى المتقاطرة عليه من المناطق الجاورة التي ضربها الزلزال .
وأن جل هذه المناطق الذي أصيبت بهذه الهزة الأرضية تعيش الإقصاء والتهميش بسبب السياسة الممنهجة من الحكومات المتعاقبة في التهميش المقصود لهذه المناطق، ورغم أن عدد كبير من المسؤولين سواء في الحكومات السابقة أو الحكومة الحالية ينحدرون من سوس والمناطق المجاورة إلا أنهم لم يبذلوا أي جهد لاستفادة هذه المدن من التنمية ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ( السيد سعد الدين العثماني الذي كان رئيسا للحكومة السابقة، والسيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة الحالية، والسيد عبد اللطيف وهبي وزير العدل ورئيس الجماعة الترابية لمدينة تارودانت ومصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة واللائحة طويلة ….) ، لكن تبقى هذه المناطق ترزخ تحت الفقر.
إن المغرب دأب منذ زمن بعيد على تنظيم عدة مهراجانات عبر مختلف المدن والبلدات، وكان آخرها مهرجان تميتار بمدينة اكادير الذي توقف في اليوم الثاني من نشاطه بسبب الزلزال، وتخصص لهذه المهراجانات الملايير من الدراهم منها دعم مالي من طرف الحكومة عن طريق وزارة الثقافة وتبرعات أخرى من مختلف الجمعيات والمنظمات الناشطة في هذا المجال.
فماذا لو خصصت هذه الأموال وهذه التبرعات ، وتم توجيهها الى تنمية المناطق النائية في المغرب المنسي أوالمغرب الغير النافع حسب تعبير السياسيين، وفي بناء المستشفيات وتجهيز الطرقات ومساعدة السكان على بناء منازل لائقة للسكن عوض البنايات التقليدية المبنية بالطين، ربما تكون نتائج هذه الكارثة اقل مما هي عليه الآن وما سقط هذا العدد الهائل من الضحايا خاصة وأن هذه الهزة الارضية ضربت في مناطق جبلية، وحسب مختصين فان الجبال والصخور الصلبة إمتصت الطاقة الكبيرة للزلزال وأنها لو وقعت في وسط المدن الهائلة بالسكان لكانت الكارثة أعظم واشد، لكن الألطاف الإلهية حالت دون ذلك .
إن المتصفح لمواقع التواصل الإجتماعي، يرى المعاناة الكبيرة التي يعيشها سكان المناطق المتضررة من الزلزال، عائلات تكلفت بنفسها بإنتشال ضحاياها من تحت الركام بسبب تأخر وصول المنقذين ، بسبب وعورة المسالك وإنهيار الصخور على مستوى الطرق المؤدية إليها، إضافة أن عائلات باتت في العراء لعدة أيام تتدور جوعا وعطشا لعدم وصول المساعدات ، وأخرى تحت الأنقاض تنتظر دورها في الانتشال وهذا بسبب التهميش المقصود لهذه المناطق من طرف الدولة .
وإني أستغرب عن حقوق الإنسان التي مافتأ المغرب يتحدث عنها في المحافل الدولية، فأين الحق في العيش الكريم ، وحق السكن اللائق، وحق التطبيب، وووو، وأين أمينة بوعياش ومجلسها من كل هذا، ام ان الحقوق التي يدافع عنها مجلسها هي العلاقات الرضائية، والشذوذ الجنسي، والفساد والانحلال الأخلاقي جهرا في الشوارع، وحرية الجهر بالإفطار في رمضان، وحرية الجهر بسب الذات الالاهية، والمساواة في الإرث بين الجنسين واعتراض الأحكام الشرعية ، ولم نراها يوما ذهبت إلى المناطق النائية في الجبال والصحاري واطلعت على أحوال سكانها ومآسيهم في العيش وسط الجبال والثلوج وبرودة الطقس شتاء، وشدة الحر صيفا، كما أنها لم تتحدث عن حق هؤلاء في توفير لهم المستوصفات الصحية والمستشفيات، وتوفير أمصال لمواجهة لسعات العقارب ولذغات الأفاعين وكم شوهد على وسائل التواصل الإجتماعي من حالات وفاة بالمناطق النائية والمهمشة بسبب الحشرات السامة، والنساء اللواتي قضين نحبهن أثناء المخاض بسبب عدم وجود مستشفيات .
إن الدولة بكل مؤسساتها لم تلتفت إلى هذه المناطق أبدا ، وخير دليل على ذلك مقطع الفيديو
الذي إنتشر مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر مجموعة من النسوة من ساكنة الجبال يشاركن في حمل مواد البناء على ظهورهن من أسفل الجبل ويصعدن بها إلى الأعلى لبناء المسجد، فأين برامج تنمية العالم القروي ؟؟ ، وأين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ؟؟ ، وأين مؤسسة محمد الخامس للتضامن ؟؟ ، أم أن الميزانيات المرصودة للتنمية تذهب لتنمية جيوب السياسيين والمسؤولين الفاسدين .
كما أنه ، ونظرا لهذه المحنة التي يمر منها المغرب بصفة عامة وسكان المناطق المتضررة من هذه الكارثة الطبيعة، ونظرا لحاجات الساكنة لمساعدات إنسانية عاجلة ، إلا أن السياسة تحكمت في هذه المساعدات وكم من دولة تقدمت بإرسال مساعدات عاجلة للمغرب في هذه الظرفية الحالية، ومن بينها الجارة الشرقية ودولة فرنسا، لكن تم تسييس الكارثة الطبيعية ورفضت الدولة المساعدات المقدمة من هاتين الدولتين بحجج واهية، والسبب هو ما يطبع علاقات هذين البلدين من توتر وضبابية مع المغرب .
لا يمكن الإستخفاف من مجهودات رجال الإنقاذ من عناصر الوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المسلحة، والقوات المساعدة وكذا عناصر الشرطة المشاركة في هذه العملية ، وأنهم يبذلون قصارى جهدهم لإنتشال الجثث وإسعاف الجرحى ، وهم ما يمكن أن نسميهم خدام الدولة الأوفياء الذين إستجابوا للنداء منذ الصرخة الأولى لأول ضحية قضى بسبب هذه الكارثة، وخير دليل على هذا الكلام عنصر الوقائة المدنية الذي رصدته كاميرا إحدى الجرائد يذرف دموعه من هول المشهد الكارثي ، وكذا ما رأيناه من هؤلاء في إستعمال لوسائل بدائية في عملية الحفر وإنتشال الضحايا بسبب عدم توفر معدات لوجيستية ، كالجرافات وآلات الحفر والإغاثة نظرا لعدم تمكنها من الوصول إلى بعض المناطق المنكوبة بسبب وعورة المسالك الطرقية أو بسبب إنهيار وإنجراف الأتربة والصخور .
وأن عناصر الوقاية المدنية والقوات المساعدة والدرك الملكي وعناصر الشرطة والقوات المسلحة، هم خدام الدولة الأوفياء بالفعل، أنهم واقفون شامخون ، جاهزون حاضرون في كل وقت وحين، في السراء والضراء والذين يبتون في العراء حماية للوطن والمواطن، وهم من يستحقون الأوسمة والتوشيحات ، وليس من يسمونهم الفنانون من مغنيون وممثلون ، فوقت الكوارث يحضرون،ووقت الأوسمة يغيبون .
أما الوزراء والبرلمانيون فلم نشاهدهم ، ولم يستطيعوا أن يتخذوا أية مبادرة من تلقاء أنفسهم دون الرجوع إلى ما هو فوقهم رغم أن هذه الكارثة استهدفت الإنسان قبل الشجر والحجر وأن مصير الإنسان فيها بين الحياة والموت، والطامة الكبرى من كل هذا وبعد إقرار تخصيص صندوق لدعم وإغاثة المتضررين من الزلزال، هب جميع المواطنين الى تقديم مساهماتهم ومساعداتهم في هذه المحنة، إلا المسؤولين الحكوميين الذين كان من الأولى أن تكون مساهماتهم قبل مساهمة المواطنين ، فإنه والى حدود كتابة هذه الأسطر فإنهم لم يستطيعوا اتخاذ أي قرار بعد .
إن الحديث دائما عن هذه الكارثة الطبيعية التي ألمت بوطننا الحبيب وأهالينا بسفوح الجبال، وقد شاهدنا في مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الإجتماعي استعمال الحمير والبغال في إسعاف الجرحى ونقل ودفن الموتى، موتى إنتشلوا من طرف ذويهم وبمساعدة سكان القرى لكنهم لم يدفنوا بعد، والرائحة الكريهة تفوح في كل مكان بسبب رفض السلطات منح الترخيص بالدفن حسب تعبير احد المواطنين من فقد أهله ، فماهذا الهراء والاستهتار بأرواح المواطنين في هذا الوقت العصيب من تاريخ المغرب.
الشوهة بكل المقاييس في مغرب القرن الواحد والعشرون، ما قامت الصحافة الزبلوية بالتستر عنه لفترات من الزمن عراه الزلزال اليوم ، لا مستشفيات ولا أماكن لإيواء الناجين، وفي الأخير لا يسعني إلا أن أقول : لا اعتراض على قضاء الله وقدره ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم ارحم الموتي ونفس كربة الأحياء.
مواطن غيور على وطنه / تارودانت /