السيد نصر الله فَجّر قُنبِلةً أثارَت العَديد من علاماتِ الإستفهام , بأنّ المُقاوَمة اللُّبنانيّة أقوى مِن إسرائيل. وعَلى ماذا تَستَنِد مِن وَقائِع؟ وما هِي الرِّسالة التي تُريد إيصالها ولِمَن؟

Advertisement

تَوقَّف الكَثيرون، ونَحنُ من بَينِهم، عِند العِبارة الأهَم التي ورَدت في خِطاب السيد حسن نصر الله الذي ألقاهُ مساءَ يوم الثلاثاء بمُناسَبة الذِّكرى 12 للإنتصار في حَرب تمّوز (يوليو) عام 2006، وجَزَم فيها “أنّ “حِزب الله” باتَ اليوم أقوَى من إسرائيل”.
البعض إعتقَد أنّ السيد نصر الله بالَغَ في وَصفِه هذا، لأنّ دولة الإحتلال الإسرائيلي تَمْلُك سِلاحًا جَويًّا مُتَقَدِّمًا يَضُم أحدَث الطائرات التي أنتَجتها صِناعة الطائرات الأمريكيّة مِثل “الإفّات” الثَّلاث “إف 15″، “إف 16″، و”إف 35″، عَلاوةً على القُبب الحَديديّة المُجَّهزة بصواريخ قادِرة على التَّصدِّي لأيِّ غاراتٍ جويّةٍ أو صاروخيّة.
نَظريًّا تبدو وِجهَة النَّظر هَذهِ صَحيحةً، فلا يَستطيع أي مُراقِب أن يُنكِر أو يتجاهَل ضخامَة، وفاعِليّة، التَّرسانَة العَسكريّة الإسرائيليّة وحَداثَتها، ولكن هذه التَّرسانة، ذاتِ القُدرة التدميريّة الهائِلة، لم تَعُد قادِرةً على حَسم الحُروب مِثلَما كانَ عليه الحال في الماضي، عندما كانت هَذهِ الحُروب ضِد أنظمة، تَرفَع الرَّايات البَيضاء بعد الغارة الجَويّة الأُولى، وتُهَروِل إلى مجلس الأمن الدولي، طالِبةً، أو مُستَجديةً وقفَ إطلاقِ النَّار.
أطْوَل حُروب الأنظِمَة “السَّابِقة” التي خاضَتها ضِد إسرائيل لم تَستغرِق إلا بِضعَة أيّام، أو بالأحرَى بِضعَة ساعات، وآخَر هَذهِ الحُروب عام 1973 لم تَدُم عَمليًّا إلا عشرة أيّام، بينما دامَت حَرب تمّوز عام 2006 أكثَر من 33 يومًا، وحرب صيف 2014 في قِطاع غزّة أكثر من 45 يومًا، وفي الحَربين لم تَستطِع القُوّات الإسرائيليّة التَّقدُّم شِبرًا واحِدًا على الجَبهتين، بسَبَب شَراسَة المُقاومة وبُطولات رِجالاتِها.
***
نَعتِرف مُسبقًا بأنّنا لسنا جِنرالات سابقين، أو خُبَراء في الحُروب، ولكن مع إحترامنا لكُل الجِنرالات العَرب الذين يَظهرون على الفَضائيّات، ومُعظَمهم لم يَخُض حَربًا واحِدة، وإن خاضَها لم ينتصر جيشه “الرَّسميّ” فيها، فإنّنا بالإضافةِ إلى ما وَرَد في خِطاب السيد نصر الله، الذي نَعتَبِره من أهَم الجِنرالات العَرب الإستراتيجيين، وإن كان يَرتَدي عمامةً، بحُكم خِبرَتُه وإنتصاره في جَميع مَعارِكه، نَقتَطِف بعض ما وَرَد على ألسِنَة الخُبراء العَسكريين الإسرائيليين:
ـ أوّلاً: ما كَشفه المُحلِّل الإسرائيليّ العَسكريّ يوسي ميلمان في صَحيفة “معاريف” عن سيناريو أعدّه كِبار الجِنرالات في قيادة الجيش الإسرائيلي حول المُواجهة القادِمة في “حزب الله” وفي مُقدِّمتهم الجِنرال غادي آيزنكوط، رئيس هيئة الأركان، الذي قَدَّموه إلى المجلس الوزاري المُصَغَّر قبل أُسبوع، وأكّدوا فيه أنّ هذا الحِزب الذي يَملُك في تَرسانَتِه 120 ألف صاروخ قادِر على إطلاق 700 مِنها يَوميًّا، يَبلُغ مداها 45 كيلومترًا، باتِّجاه عُمق الدَّولة العِبريّة، وتَحمِل رُؤوسًا مُتفَجِّرة بوَزن 15 كيلوغرامًا وسَيكون من الصَّعبِ على القُبب الحَديديّة إسقاطها، هذا عَدا عن صواريخ بَعيدة المَدى يُمكِن أن تَحمِل رُؤوسًا مُتَفجِّرةً بوَزن 500 كيلوغرام.
ـ ثانِيًا: ما ذكره بالأمس إيال سيزر المُؤرِّخ الإسرائيليّ ونائب رئيس جامعة تل أبيب، في مقال نشره في صحيفة “يسرائيل هايوم” المُقرَّبة من نِتنياهو، من أنّ “حزب الله” إستغلَّ حالة الهُدوء المُستَمرَّة مُنذ 12 عامًا وطوَّر تَرَسانةً عَسكريّةً مُتقَدِّمةً جِدًّا، بَينَما لم يَقُم الجيش الإسرائيليّ طِوال هَذهِ الفَترة بأيِّ عَملٍ مُشتَرك، وأنّ “حماس” تُريد تِكرار تَجرِبَة الحِزب في قِطاع غزّة.
ـ ثالثًا: تأكيد الجِنرال يعقوب عميدرور، رئيس الأمن القَوميّ الإسرائيليّ الأسبَق، أن تَعاظُم قُوّة إيران في سورية هي المُشكِلة الحقيقيّة لدَولة إسرائيل، وأنّ حركة “حماس” نَجَحت في تَحويل إهتمام الجِنرالات الإسرائيليين من هذا التَّهديد الحَقيقيّ إلى قِطاع غزّة.
ما يُؤكِّد هَذهِ الحَقائِق في نَظَرِنا أن القِيادة الإسرائيليّة تُهدِّد مُنذ 12 عامًا بإجتياح قِطاع غزّة، وإعادَة إحتلالِه، والإنتقام من هَزيمَتها في تمّوز عام 2006، وتَدمير الوُجود الإيرانيّ في سورية، ولم تُنَفِّذ أيًّا من هَذهِ التَّهديدات، ولن تَستطيع تنفيذها في المُستقبل المَنظور بسبب قُوّة الرَّدع التي فَرَضها الطَّرف المُقابِل بقُوّةِ السِّلاح، وضَخامَة الخَسائِر البشريّة والماديّة التي يُمكِن أن تترتَّب على هَذهِ الحَماقَة.
الغَرب قَدَّم خِدمَةً لا تُقدَّر بثَمن لإيران عِندما حَظَرَ بيع أي طائِراتٍ حربيّةً لها مُنذ إسقاط حُكم الشَّاه، وإنتصار الثَّورةِ الإسلاميّة فيها بقِيادَة الإمام الخميني عام 1979، وأحدَث الطائرات في سِلاح الجَو الإيرانيّ هِي من طِراز “إف 5” الأمريكيّة، على ما أعتقد، الأمر الذي دَفَعها إلى تطوير صِناعةٍ صاروخيّةٍ مُتقَدِّمَةٍ ألغَت فاعِليّة سِلاح الطَّيران عَمليًّا، وقُدرَتِه على حَسم الحُروب، وجاءَ حُصول إيران مُؤخَّرًا على صواريخ “إس 300” الروسيّة المُتقَدِّمة المُضادّة للطَّيران والصَّواريخ، وبَعدَ تَلَكُّؤٍ لافِت ليُكمِل هَذهِ المُعادَلة.
“حزب الله” وحركة “حماس″، باتا يَملِكان القُدرَة على الرَّدع، وبَث الرُّعب في نُفوس الإسرائيليين، شَعْبًا وقادَة، لأنّهما نَجَحا في تحقيق الإكتفاء الذَّاتيّ في مَجالِ الصَّواريخ، بتَطوير خُطوط إنتاجيّة مُتطَوِّرةٍ ومُحَصَّنةٍ تحت الأرض وهُنا يَكْمُن الإعجاز.
***
نُقطَةٌ أخيرةٌ نَختِم بِها تتلخّص في القَول بأنّ السِّلاح الاستراتيجيّ الأقوى والأكثَر فاعِليّةً الذي يَمتَلِكه مِحوَر المُقاومة، ولا يَمتلِك رُبْعه العَدو الإسرائيلي في المُقابِل، هو الإرادة القَويّة، والإيمان بالنَّصر، والقِتال حتّى الشَّهادة، ومن وازِعٍ دينيٍّ وَطنيٍّ صِرف، ولهذا لم تَكْسَب إسرائيل أيًّا مِن حُروبِها مُنذ عام 1973 وحتّى هَذهِ اللَّحظة، لأنّ التَّعبِأة وأساليبها، ومُرتكزاتِها، إختلَفت جَذريًّا، ولأنّ إستراتيجيّة خَوض الحُروب تَغيّرت، ونظريّة “الصَّدمة والرُّعب” الإسرائيليّة والأمريكيّة التي كانت تُعطِي مَفعولَها في الماضِي سَقَطت ولم تَعُد كذلك، وحَلَّ مَحلّها إستراتيجيّة “القَصف مُقابِل القَصف” و”النَّار مُقابِل النَّار”.
من المُستَحيل على إفيغدور ليبرمان، وزير الدِّفاع الإسرائيليّ، أن يَجرُؤ على تنفيذ تَهديداتِه بإحتلال قِطاع غزّة، أو جنوب لبنان، والقَضاء على الوجود الإيرانيّ في سورية، لأنّ مِحوَر المُقاوَمة باتَ أكثَر قُوّةً وصَلابةً وعَزيمةً من جيشه، والإنتصار في سورية، وقَبلها في قِطاع غزّة، وقبل قبلها في جَنوب لُبنان عام 2006 هو دليلنا، ومن لَديه دَليل مُضاد فليَتَفَضَّل.. والأيّام بَيْنَنَا.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.