الرباط : تجد النقابات العمالية في المغرب نفسها مجبرة على تصعيد خطابها ضد حكومة عزيز أخنوش، بمناسبة الاحتفال بعيد العمال العالمي، حيث تتردد مطالب تتعلق بالزيادة في الأجور، والتراجع عن الزيادات المهولة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.
وهكذا يكتسي الاحتفال طعم المرارة بسبب ارتفاع التضخم الذي يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين ويؤدي إلى عجز خطير في استهلاكهم الغذائي للأسر.
فاتح أيار/مايو فرصة للضغط على الحكومة التي تتجنب المناقشات وتقديم الحلول العملية، وتكتفي بتقديم الوعود والتوقعات والمشروعات الفضفاضة، بتقدير العديد من النقابيين والنشطاء الاجتماعيين.
ثمة قضايا أخرى ساخنة، بجانب ضرب جيوب المواطنين، من بينها قضية النفط الروسي المسوّق في المغرب، حيث يلاحظ أن بعض أحزاب الأغلبية، وفي مقدمتها «التجمع الوطني للأحرار»، وجهت نوابها بعدم التوقيع على طلب فتح تحقيق برلماني في الموضوع للكشف عن مدى صحة المزاعم بتزوير البيانات المتعلقة باستيراد النفط الروسي واقتنائه بأثمان منخفضة، وبيعه بأسعار عالية للمغاربة.
والملاحظ أن الانتقادات الموجهة إلى الحكومة لم تعد تقتصر فقط على أحزاب المعارضة والنقابات العمالية، بل صارت تشمل أيضاً بعض المؤسسات العمومية، كالمجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب (المصرف المركزي) والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فضلاً عما يصدر عن بعض مراكز الدراسات من تقارير تعري نقط الضعف في الأداء الحكومي.
في مقابل ذلك، تستقوي الحكومة بأغلبيتها العددية وبمسؤوليها المنتخبين، وكثير منهم وصلوا الى المناصب والكراسي نتيجة أساليب غير ديمقراطية، ولكنهم يجرؤون على الدفاع عن مسؤول تنفيذي محدود الكفاءة وضعيف سياسياً، مما يعرض البلاد لخطر الاضطرابات السياسية، من خلال تجويع الناس، بما في ذلك الطبقة المتوسطة التي بدأت تعاني من نوع من عدم الاستقرار، مثلما كتبت صحيفة «البيان» الناطقة بالفرنسية عن حزب «التقدم والاشتراكية» المعارض.
مشهد سياسي واجتماعي بالغ العتمة من سماته: فقر متزايد وندرة في التوظيف، وفقدان غير مسبوق للوظائف. ومع ذلك، ترفض الحكومة وأغلبيتها مناقشة الاقتراحات التي تطرحها الأحزاب والنقابات العمالية الجادة التي تقترح تخفيض الضرائب على مستوى الأجور (ضريبة الدخل) وفرض ضرائب على الثروات كبيرة من أجل إعادة التوازن إلى الوعاء الضريبي.
كما ترفض حكومة عزيز أخنوش رفع الأجور، وتجميد الأسعار التي تُترك لرحمة كبار المضاربين والوسطاء. والأسوأ من ذلك، تخشى النقابات من أن تشن الحكومة هجمات جديدة على نظام التقاعد وزيادة خصخصة الخدمات العامة، بما في ذلك قطاع الصحة على وجه الخصوص، بعد قطاع التعليم الذي يعيش أزمة متواصلة.
وبمناسبة عيد العمال العالمي، وجهت نقابة مغربية سهام نقدها للحكومة بسبب الغلاء و»تدهور القدرة الشرائية للأسر»، ودعتها إلى «التحلي بروح المسؤولية والحوار الديمقراطي».
«النقابة الشعبية للأجراء»، عممت بياناً تلقت «الشروق نيوز 24» نسخة منه، مؤكداً أن الطبقة العاملة تخلد عيدها الأممي «ليس لجرد المكتسبات والتعبير عن المطالب، بل للتنديد بالتراجعات والمساومات وعقد الصفقات على حساب الأجراء الذين يتحملون جزءاً من المسؤولية بتزكية من لا يستحق».
وأضافت النقابة المذكورة إلى ذلك، ما وصفته بـ «الصمت المتواطئ عن الفساد السياسي والنقابي والتطبيع معهما»، مبرزة أن محطة عيد العمال العالمي، هي أيضاً من أجل «استنكار الارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية وكل جوانب الحياة الأساسية، واتساع دائرة الفقر وتعميق الفوارق الطبقية، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستوى النشاط الاقتصادي، وتفاقم العجز والحرمان الاجتماعي».
وأعلنت النقابة في بيانها مجموعة من المواقف «إعلاء لمصلحة الوطن، وللمصير المشترك»، وفي ذلك دعت «الحكومة إلى التحلي بروح المسؤولية والحوار الديمقراطي، لخلق ظروف إيجابية لتجاوز مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية». ومن بين المواقف التي أعلنتها النقابة الشعبية للأجراء «استنكارها ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وتدهور القدرة الشرائية للأسر بسبب غلاء المعيشة، والتماطل الحكومي بالتدخل لاحتواء أزمة الغلاء وتردي الأوضاع الاجتماعية».
كما طالبت «بتخفيض أسعار المواد الأساسية والخضر والفواكه واللحوم والأسماك إلى سابق عهدها، والعمل على استقرارها»، وأيضاً «بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتوزيع العادل للموارد والدخل»، وبـ «ضرورة إقرار عدالة ضريبية والحد من استمرار مظاهر الفساد واقتصاد الريع وغياب الحكامة في المؤسسات، وربط المسؤولية بالمحاسبة».
ومن بين المطالب الأخرى التي سطرتها النقابة في بيانها «المطالبة بتنفيذ الحكومة للالتزامات بالزيادة العامة في الأجور وإحداث الدرجة الجديدة، مع الزيادة في الحد الأدنى للأجر بكل القطاعات المهنية، وتوحيد الحد الأدنى للأجور في الصناعة والفلاحة».
كما شددت على ضرورة تنفيذ الفصل الثامن من الدستور، بإصدار قانون النقابات لضبط العمل النقابي، قبل الهرولة إلى إصدار القانون التنظيمي للإضراب، مع تحديد كيفية توزيع الدعم بشفافية لتجاوز واقع الريع النقابي وضرب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص».
ولم يفت النقابة الدعوة «إلى احترام الحقوق والحريات النقابية كما هو منصوص عليها في الدستور والقوانين الوطنية والدولية، مع وضع حد للمتابعات القضائية والتعسفات التي تطال العمال وممثليهم».
وعبرت الهيئة العمالية عن رفضها «أي مخطط تحت مسمى (إصلاح صناديق التقاعد) يكون على حساب الموظفين والعمال النشطين»، مطالبة بـ «الاستجابة إلى المطالب القطاعية والفئوية في الوظيفة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية (المجالس المحلية المنتخبة)، والقطاع الخاص والمنشآت المنجمية وفئات سائقي ومهنيي سيارات الأجرة، والنقل الطرقي، والتجار الصغار، والحرفيين والباعة المتجولين، مع الاهتمام بالقطاع غير المهيكل وإدماجه في دورة الاقتصاد، بما يضمن الكرامة والتوازن والاستقرار الاجتماعي».
Advertisement
Advertisement