قالت صحيفة “الغارديان” إن البيت الأبيض هو في مواجهة مع كل من الإمارات والسعودية لحل أزمة الطاقة العالمية في ظل الحرب المستمرة بأوكرانيا. وجاء في تقرير أعده مراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف ومراسلها في واشنطن جوليان بورغر أن الخلاف يعني محاولة كل من أبو ظبي والرياض الحصول على مقايضة كبيرة مع واشنطن.
وأضافت أن الرئيس جوي بايدن حصل على دعم من المعلقين بسبب موقفه المتشدد من روسيا، لكن أسعار النفط باتت واقعا في الولايات المتحدة فهو يحاول تخفيف الصدمة إلا أنه يواجه مقاومة من حليفين مهمين له في الشرق الأوسط. ولم يستجب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، لدعوات البيت الأبيض التحدث عبر الهاتف مع الرئيس بايدن، وهو سيناريو لم يكن متصورا في الإدارة السابقة. وتهدف إدارة بايدن للحصول على مساعدة البلدين من أجل زيادة الضغط على روسيا من خلال زيادة معدلات إنتاج النفط. وتعتبر أبو ظبي والرياض من كبار مصدري النفط وبقدرات عالية يمكن أن تخفف الأثر على المستهلكين الأمريكيين من خلال تخفيض أسعار النفط وقبل موعد الانتخابات النصفية في نهاية العام والتي تهدد بخسارة الديمقراطيين سيطرتهم على الكونغرس. ويضيف الكاتبان أن العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط في أدنى حالاتها، ولم تشهد مثلها في العصر الحديث، لذا فإن هناك تقديرات بأن هذا سيؤدي إلى إعادة النظام الإقليمي بطريقة تصب في مصلحة كل من الرياض وأبو ظبي.
وعبر البلدان عن أنهما يريدان الحصول على ثمن كبير. وفي تحرك ربما قصد منه إظهار ما يمكن للإمارات عمله، قال سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة إن بلاده تفضل زيادة معدلات الإنتاج و “ستشجع دول أوبك لإعادة النظر في مستويات عالية من الإنتاج”، مما أدى لانخفاض أسعار النفط بنسبة 13%. ولكن لم يتم اتخاذ أي قرار لرفع مستويات الإنتاج وعادت أسعاره للارتفاع بنهاية الأسبوع إلى 130 دولارا وهو سعر غير مريح لبايدن يحمله معه إلى الانتخابات النصفية. إلا أن المواجهة لا تتعلق بالنفط فقط، ففي الرياض يشعر محمد بن سلمان أن بايدن تجاهله منذ وصوله إلى البيت الأبيض. فجريمة قتل جمال خاشقجي على يد رجال استخبارات سعوديين في تركيا والحرب في اليمن واعتقاله ناشطي حقوق الإنسان ومقاطعة قطر جعلته “منبوذا” بالنسبة للإدارة.
أما الخلافات مع أبو ظبي، فهي صارخة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد فوجئت إدارة بايدن من امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن والذي نظر إليه الدبلوماسيون في نيويورك على أنه مقايضة “اخدمني أخدمك” مع روسيا ومقابل دعم موسكو لقرار تقدمت به الإمارات لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.
وعبرت السعودية والإمارات عن غضبهما من قرار إدارة بايدن إلغاء قرار اتخذته إدارة دونالد ترامب بوضع الحوثيين على قائمة الجماعات الإرهابية الأمريكية، في وقت واصلت فيه الإدارة محادثات صعبة مع إيران لإحياء الملف النووي الذي خرجت منه إدارة ترامب في عام 2018.
وهناك أمور أخرى، غير النفط واليمن وحقوق الإنسان، فالشعور القوي في الرياض وأبو ظبي هو أن نهج بايدن في المنطقة أنه ناقد للحلفاء التقليديين ومتساهل مع إيران التي تظل عدوا لهما.
وفي محاولة للتفاوض مع فنزويلا الأسبوع الماضي لتجنيدها لقضية عزل روسيا، يرى البيت الأبيض أن جهوده لإصلاح العلاقات مع أبو ظبي والرياض تستحق الثمن الذي عليها دفعه. ففي شباط/ فبراير أرسلت الإدارة بريت ماكغيرك، منسق سياسة الشرق الأوسط في البيت الأبيض وأموس هوشستين، مبعوث وزارة الخارجية الخاص لشؤون الطاقة إلى الرياض ولقاء ولي العهد. وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عشية الغزو الروسي لأوكرانيا فرض عقوبات على شبكة يعتقد أنها تابعة للحوثيين.
ويرى جون جينكينز، السفير البريطاني السابق في الرياض، والزميل البارز في معهد تبادل السياسات، أن العلاقات بين موسكو والرياض النامية بشكل مستمر، وتحديدا منذ تهميش بايدن لمحمد بن سلمان قد تحتاج إلى إعادة ضبط من جديد. وقال “أعتقد أنها معقدة” و “لا يمكنني الرهان من طرف واحد على بوتين نفسه، ولكنه يظهر نظرة الكثيرين في واشنطن للموقف السعودي. وأنه سيثير غضب المسؤولين. ويجعلهم يبحثون عن رهان على إيران بدلا من ذلك. عليك أن تتعامل مع محمد بن سلمان، ولكن إن كان يطالب باستسلام كامل من بايدن فلن يحصل عليه”.
ويضيف أنه يجب أن توجد طريقة لتسوية الأزمة الحالية “وعد أمريكي جديد للدفاع عن السعودية والإمارات، وإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية والتزام جديد بتسوية الحرب في اليمن بطريقة تناسب الإمارات والسعودية، ولكنني لا أرى طريقة أن يقول بايدن إنه سينسى خاشقجي”. وأكد جينكنز “شخصيا، لا أعتقد أن روسيا مهمة للسعودية، فالصين أهم. وتريد بيجين تجنب انهيار التجارة العالمية أو ركود طويل في الغرب. وهناك إشارات من محاولة بيجين وضع نفسها في المكان المناسب. والمخاطر هو أن موقفا متشددا من الرياض سيرتد عكسيا عليها”.
من جهته قال روبرت ميلز، مدير شركة قمر للطاقة ومقرها الإمارات إن زيادة معدلات إنتاج النفط بشكل يخفض أسعاره أمر سهل، ولكنه يحمل مخاطر اقتصادية وسياسية على منظمة أوبك ومنها الإمارات والسعودية. وقال إن البلدين يمكنهما زيادة معدلات التوريد بشهر وقدرة إنتاجية كاملة في غضون 90 يوما. وأضاف “لقد مارس الجميع الخداع دائما في اتفاقيات أوبك عندما كان ذلك مناسبا لهم. هل يمكنك أن تفعل ذلك بسرعة؟ ليس غدا بالتأكيد. ولكن ما لم يحدث خطأ خطير، يجب أن تكون السعودية قادرة على إحداث فرق لمدة ثلاثة أشهر. وهذا في حد ذاته من شأنه أن يساعد، إلى حد ما، في تهدئة أسواق النفط”.
الشروق نيوز 24 / متابعة