لكل مطبخ ميزاته، وبهارات المائدة المغربية المتجذرة في التاريخ هي التي تجعل نكهة رمضان خاصة جدا، حتى باتت رائحة الشهر الفضيل تتجسد في مشتهيات تقليدية لدى كل البيوت وفي كل مدن المملكة.
المطبخ في شهر الصيام أساسي وليس مجرد غرفة إضافية، وما يصنع فيه يكون له الأثر النفسي والبطني على صائم يتأمل أكثر مما يأكل، مع العلم أن هناك من يفعلهما معا التأمل والالتهام حتى آخر قطعة.
المطبخ غرفة العمليات التي تهندس فيها النساء وتخطط لأكثر العمليات ضراوة، وتنهج سبيل السلف، من أجل هزم جيش الجوع والعطش، مع إضافات حداثية يحبها أبناء الألفية الثالثة الذين يعشقون الوجبات السريعة. بين القديم الذي لا تفريط فيه، والحديث الذي يرضي بعض الأذواق العابرة للمحيطات، نجد المائدة المغربية وقد ضاقت بما رحبت به، وصار صحن «سلو» يزاحم زميله الذي يضم «الشباكية» أو «المخرقة»، وبينهما كؤوس العصير وإبريق الشاي الأساسي، وصحن ثالث لـ «البريوات» الحلوة والمالحة. ودائما في إطار الأصالة، لا يمكن للمخبوزات إلا أن تكون متربعة فوق الطاولة وعبر أشكال مختلفة ومتنوعة، أشهرها «المسمن» و»المخمر» و»البغرير»، وهي مشتقات تتم صناعتها من عجين مختلف.
ومن بين الأطباق الأصيلة جدا، التي لا فكاك للمغاربة معها، نجد «الحريرة» التي تتربع على عرش المائدة الرمضانية بكل زينتها وحمرتها الشهية، وبكل ثقلها المكون من الحمص و»الشعرية» وقليل من العدس وكل ذلك مع شتلة يسيرة من «الكرفس»، والعمود الفقري لكل ذلك (الآنسة) صاحبة الغنج والدلال الطماطم الشهيرة، يضاف إليها الطحين القليل فقط من أجل الحصول على الطعم والوزن والتميز المغربي أيضا.
بين الأصالة التي تملك المكان الأول فوق مائدة الإفطار المغربية، نجد الأصناف المحدثة التي هي «بدعة» لكنها ليست «ضلالة» بل هي تلبية لنداء الحداثة، والمتمثلة في «بيتزا» أو «سندويتش» أو غيرها من ضروب «الوجبات الجاهزة والخفيفة» التي ترضي الأطفال ويفرحون بها، بينما الكبار ينهمكون في الأصناف الأخرى المهمة، وبعدها يكون أمر.
كي تملأ مائدة رمضانية مغربية، يلزم المرأة جهدا خرافيا يوميا، قد تفيض «الحريرة» من أمس وتبقى صالحة لليوم الموالي، لكن البقية تعيد الكرة من جديد، وهكذا دواليك طيلة الشهر الفضيل، ولن ننسى محنة الاواني وغسلها، والتي تبقى وحدها عربون شقاء يكفي وحده لهد الجبال.
ببساطة، المائدة المغربية الرمضانية تحتل فيها الاصالة موقع الصدارة وما تبقى من حواشٍ لمشتهيات حديثة، وكل ذلك يجعلها تفيض. والحقيقة أنه إذا كان من محارب كبير في رمضان، فالنساء في الصفوف الأمامية، عليهن تقع مسؤولية إعطاء رمضان رائحته ومذاقه، داخل مطبخ يصير مثل مزار قبل الآذان لكي يطمئن الرجل ويقول «الله يعاون»، ويمضي ليستريح في انتظار سماع «الله أكبر».
Advertisement
Advertisement