« المستوزِرون الجدد» يربكون رهانات حزب « الاستقلال» الحكومي وهو على أبواب مؤتمره الاستثنائي..

Advertisement

إذا كان الزعيم المغربي الراحل علال الفاسي، أحد المنظّرين البارزين لمرجعيات حزب « الاستقلال» قد اشتهر بكتابه « النقد الذاتي» ، فإن قادة هذا الحزب نفسه يجدون أنفسهم اليوم مدعوين إلى القيام بهذه العملية النقدية الداخلية، وهم على أبواب تنظيم مؤتمر استثنائي لم يحدد زمانه ومكانه بعد.
فحزب « الاستقلال» المشارك في الحكومة المغربية الحالية منذ أكثر من ستة شهور، يوجد في موقف حرج مع أعضائه قبل أن يكون مع المتعاطفين الذين منحوه أصواتهم خلال انتخابات أيلول/ سبتمبر 2022. ولذلك، سارعت قيادته الأسبوع الماضي إلى عقد ما أسمته « خلوة دراسية» في بلدة الهرهورة ضواحي العاصمة الرباط، خصصت للتحضير للمؤتمر الاستثنائي الذي سيعقده الحزب من أجل مراجعة وتطوير نظامه الأساسي.
وأفاد بيان تلقت « القدس العربي» نسخة منه، أنه بعد الاستماع إلى التقرير المفصل الذي أعدته اللجنة المنبثقة عن اللجنة التنفيذية المكلفة بصياغة مشروع تعديل بعض مقتضيات النظام الأساسي للحزب، وما تلاه من مناقشة مستفيضة وعميقة وإغناءات، صادقت اللجنة التنفيذية على مشروع هذه التعديلات. وأوضح البيان أنه سيُعلن عن تاريخ ومكان المؤتمر الاستثنائي في الأيام القليلة المقبلة.
ويلاحظ مراقبون أن الشعارات الانتخابية التي رفعها حزب « الاستقلال» خلال الحملة لا تجد صداها على أرض الواقع، أمام تزايد حدة الأزمة الاجتماعية بسبب الارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات وتفشي البطالة وضعف الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. ولم يعد المواطنون يقبلون أن يجري تعليق مبررات الأزمة على مشجب تداعيات أزمة « كورونا» أو « الحرب الأوكرانية الروسية» أو تقلبات السوق الدولية، مثلما يردد أعضاء الحكومة. يضاف إلى ذلك، أن الموقع الذي يحتله حزب « الاستقلال» في التحالف الأغلبي الثلاثي، بجانب « التجمع الوطني للأحرار» و» الأصالة والمعاصرة» ، لا يرقى إلى حجمه التاريخي ورصيده السياسي سواء في حكومات سابقة، أو في إطار معارضات كانت توصف بأنها وازنة وشرسة؛ خاصة وأن الحزب المذكور وجد نفسه أشبه ما يكون بـ» عجلة احتياط» في سيارة يقودها حزب « التجمع» المعروف أولاً بقربه من مربع السلطة، وثانياً بخضوعه لتأثير اللوبي الاقتصادي الذي يعطي الأسبقية لمصالحه، قبل الاهتمام بأوضاع المواطنين.
ولعل المنتمين لحزب « الاستقلال» صاحب شعار « الميزان» ، والمتعاطفين معه لم يستسيغوا بعد أن يتم استوزار وزراء من خارج دائرة مناضليه ومناضلاته، ويتعلق الأمر بالوزراء رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، ومحمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجيستيك، وعواطف حيار، وزيرة التضامن والأسرة والإدماج الاجتماعي، وجرى استبعاد أسماء « استقلالية» راكمت رصيداً نضالياً وسياسياً وخبرات ميدانية تشفع لهم بأن يحملوا حقائب وزارية.
» الاستوزار» من خارج الحزب يلقي بظلاله على الاستعدادات للمؤتمر المقبل للحزب، حيث وجّه أعضاء هذا الأخير انتقادات قوية للأمين العام الذي يجد نفسه في موقف ضعيف إزاء النتائج التي يعتبرها « الاستقلاليون» كارثية لمخرجات تدبيره الانفرادي للمشاورات السياسية لتشكيل الحكومة، ووضع الحزب أمام الأمر الواقع. نزار بركة الذي يحاول إقحام « المستوزرين الجدد» باسم الحزب ضمن القيادة المقبلة لهذه الهيئة السياسية، يجد معارضة قوية من لدن جل أعضاء اللجنة التنفيذية.
عوامل بجانب أخرى، جعلت حزب « الاستقلال» منذ تشكيل حكومة بقيادة عزيز أخنوش، يعيش تجاذباً بين تيارين، أحدهما يدعو إلى مساندة الحكومة وإلى موقع الحزب فيها، خاصة بعدما احتل المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية، وتيار آخر يمارس نوعاً من « المساندة النقدية» لا سيما في مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان، حيث جاهر رئيس الفريق، القيادي نور الدين مضيان، خلال الأسابيع الأولى للولاية التشريعية الجديدة، بانتقاده الصريح للحكومة ووقوفه بجانب معاناة المواطنين. ما جعل عزيز أخنوش، رئيس الجهاز التنفيذي، يقول إنه حين يكون في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) يجد نفسه أمام أعضاء من حزب « الاستقلال» يساندونه، أما حين يذهب إلى مجلس النواب، فيكون أمام برلمانيين من الحزب نفسه يوجهون له سهام النقد. مع العلم أن رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، ينتمي إلى الحزب نفسه. وهذا الرجل منتمٍ إلى أقاليم الصحراء المغربية، حيث تعد شخصيات « استقلالية» منها عناصر مؤثرة في كفة « الميزان» داخل حزب الزعيم التاريخي علال الفاسي.
ورغم أن حدة خطاب نور الدين مضيان خفتت خلال الأسابيع الموالية، ولم يعد يتردد في بناية الجهاز التشريعي أي صدى لعبارات انتقادية موجهة إلى الجهاز التنفيذي، فإن القيادي ذاته فوجئ منذ أيام بكونه صار خارج البرلمان، بعدما وُجِّه له ولبرلمانيين آخرين الطعن في انتخابهم، بناء على قانون الانتخابات، حيث جرت مؤاخذتهم على عدم احترام « حالة الطوارئ الصحية» خلال التجمعات الانتخابية.
الحكم صدر عن « المحكمة الدستورية» ، وهو بالتالي غير قابل للطعن، مع أن ملاحظين سجّلوا أن المبرر المذكور الذي أُسقطتْ بموجبه مقاعد برلمانية فائزة، ينطبق على حالات نواب آخرين من مناطق مختلفة من البلاد فازوا خلال الانتخابات، بعدما خرقوا قانون الطوارئ خلال الاستحقاقات التشريعية. الجواب القانوني لذلك أن لا أحد من المتنافسين تقدم بالطعن في انتخابهم، مثلما حصل في دائرة الحسيمة (شمال البلاد).
مضيان، يتمسك بمقعده، وهو عازم على الترشح للانتخابات البرلمانية من جديد، على أمل العودة إلى مجلس النواب، حيث ما زال رفاقه أوفياء له بالحرص على عدم اختيار رئيس جديد للفريق خلفاً له.
إنه رهان جديد لاختبار قوة حزب « الاستقلال» واستمرار تماسكه أمام حدة الضربات التي تلقاها من داخل أجهزته وخارجها.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.