المعارضة تصر على تحويل عطلة الحكومة إلى قلق… وفريق برلماني يطالب بتدخل المحكمة الدستورية

Advertisement

الرباط  : أصرّت المعارضة البرلمانية في المغرب على تحويل عطلة الحكومة إلى انزعاج، وصوّبت نحوها أسئلة جديدة/ قديمة لجدل لا ينتهي، ويتمثل في عدم تفاعلها مع مقترحات قوانين تتقدم فرقها النيابية، ناهيك عن الحديث المتواصل عن غياب الوزراء عن الجلسات العامة، وعدم “احترام” القبة التشريعية.
وفي الوقت الذي تشتكي فيه المعارضة من ضعف تفاعل الحكومة، مسجلة كونها “لم تتجاوب مع جميع المبادرات الرقابية ولم تستجب إلا لطلبات ضئيلة من طلبات الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمقاولات العمومية بحضور الوزراء المعنيين، والتي تهم القضايا الحيوية للمواطنات والمواطنين”، وصف الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، حصيلة الحكومة في الدورة الربيعية بـ”الإيجابية”. الوزير المغربي أعرب، خلال ندوة صحافية أعقبت الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، أن مستوى تفاعل الحكومة مع البرلمان “كان كبيراً جداً، وفقاً للأرقام المتوفرة لحد الآن”، وأن الحكومة “تفاعلت إيجاباً مع مختلف مُلتمسات وطلبات المثول في البرلمان لمناقشة بعض القضايا التي طبعت النقاش العمومي في الأشهر الأخيرة، وفي طليعتها التضخم وارتفاع الأسعار، مضيفاً أنها مطمئنة لعملها داخل البرلمان”، وفق تقديره.
وأكد المسؤول الحكومي أن “نِسَب حضور الوزراء للبرلمان والتجاوز مع الأسئلة الكتابية سجلت أرقاماً مهمة جداً، مقارنة بالسنوات السابقة، مضيفاً أن نسب التفاعل مع المبادرات البرلمانية مرتفعة أيضاً”.
وبمناسبة اختتام الدورة الربيعية للسنة التشريعية الثانية (2022/2023) من الولاية التشريعية الحادية عشرة (2021-2026)، عقدَ رؤساء فرق الأغلبية بمجلس النواب، اجتماعاً بمقر مجلس النواب، بداية هذا الأسبوع خُصّصَ لتقييم حصيلة العمل النيابي.
وحسب بيان فرق الأغلبية في مجلس النواب، فقد توقف رؤساء فرق الأغلبية في مجلس النواب عند أهمية النصوص القانونية التي تمت المصادقة عليها خلال هذه الدورة، خصوصاً الـمتصل منها بالمجال القضائي والصحي والمالي والإنتاجي، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. كما نوَّه رؤساء فرق الأغلبية بأهمية الـمواضيع التي شملتها المراقبة البرلمانية، سواء تعلّق الأمر بالأسئلة الكتابية والشفهية، أو القضايا المطروحة على جدول أعمال جلسة الأسئلة الشفهية الشهرية.
تثمينٌ ردّ عليه عبد الرحيم شهيد، رئيس “الفريق الاشتراكي” المعارض، بانتقاد عدم قدرة الحكومة على الرفع من إيقاع العمل الحكومي لمواكبة التحولات التي تشهدها المملكة، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي من أجل الاستجابة لمتطلبات الدولة الاجتماعية، حيث ظلت سجينة اختياراتها الليبرالية وانحيازها للسياسات القائمة على مبدأ الموازنات المالية بدل انتصارها لسياسات تمكن من تحقيق التوازن والتماسك الاجتماعيين.
وأبرز شهيد متحدثاً لـ “الشروق نيوز 24”، ما اعتبره “عجز الحكومة” عن الحد من ارتفاع نسب التضخم رغم التحسن الملحوظ في الأوضاع الاقتصادية على الصعيد الدولي، وفشلها الذريع في حماية القدرة الشرائية للمواطن من خلال مواجهة الارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تفاقمت نتيجة ارتفاع نسبة البطالة وفقدان مناصب الشغل وتعثر العديد من البرامج والمشاريع الاجتماعية.
وأعرب رئيس “الفريق الاشتراكي” في البرلمان المغربي عن قلقه الشديد مما سماه “امتداد منطق الهيمنة السياسية ليشمل الحياة البرلمانية في تعارض تام مع المقتضيات الدستورية المتعلقة بتعزيز أدوار البرلمان في المشهد السياسي وضمان التعددية السياسية وحماية التوازن المؤسساتي وتقوية دور المعارضة البرلمانية”. وتابع: ” نحن أمام خرق جليّ لمنطوق وروح الدستور، ينضاف إليه تعطيل واضح لقواعد النظام الداخلي لمجلس النواب، بما يضرب في الصميم العمل البرلماني والمهام والوظائف الموكلة حصراً للمعارضة البرلمانية”.

اختلالات السلطة

وسجّل السياسي المغربي ضمن تصريحه لـ “الشروق نيوز 24”، أسفه الشديد، “لاستمرار مجموعة من الاختلالات التي طبعت سلوك السلطة التنفيذية في علاقتها مع السلطة التشريعية. كما طبعت طريقة عمل المؤسسة البرلمانية”، معدّداً إياها في إصرار الحكومة على سياسة عدم التجاوب والتفاعل الإيجابي مع المبادرات التشريعية والرقابية، والغياب غير المبرر للعديد من أعضاء الحكومة عن الجلسات العمومية المخصصة للأسئلة الشفهية.
وعاب شهيد على الحكومة المغربية عدم إجابتها على عدد كبير من الأسئلة الكتابية، سواء داخل الآجال المنصوص عليها دستورياً أو خارجه، وعدم تجاوبها مع العديد من طلبات عقد اجتماعات اللجان النيابية الدائمة المخصصة للاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمقاولات العمومية بحضور الوزراء المعنيين طبقاً للفصل 102 من الدستور، وكذا استخفاف الحكومة بمقترحات القوانين، خاصة تلك المقدمة من طرف المعارضة البرلمانية، وعدم التزامها بتخصيص اجتماع كل شهر لدراسة مقترحات القوانين كما ينص على ذلك القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها. وقدَّم رشيد لزرق، متخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية في المغرب، تشريحاً لحصيلة أعمال مجلس النواب في علاقتها بين الأغلبية والمعارضة، مُنطلِقاً من كون فوز “التجمع الوطني للأحرار” بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية وتعيين أمينه العام لرئاسة الحكومة وتشكيله الحكومة رفقة “الأصالة والمعاصرة” و”حزب الاستقلال”، أسَّس لمرحلة جديدة، مرحلة التحول التي أنهت عشرية “العدالة والتنمية”، وبروز قطب ليبرالي، بإحالة “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” على المعارضة، غير أنها كشفت عن حاجة بلادنا المستعجلة لتشكيل قطب يساري قصد توفير مواجهة القطب الليبرالي.
وأوضح رئيس “مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية” لـ”الشروق نيوز 24”، قائلاً: “صحيح أن مشروع الحكومة الحالية يأتي في سياق مختلف عن سابقاتها من الناحية التنموية، فرئيس الحكومة عزيز أخنوش يتوفر على خريطة طريق لتنزيل النموذج التنموي الجديد في ظل مناخ جيواستراتيجي يفرض على المغرب تعميق الإصلاحات السياسية والدستورية (في أفق الملكية البرلمانية) والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستفيد منه مناخ التغيير ببلادنا. كما أن حصول المثلث الحكومي على أغلبية مريحة بمجلس النواب والجماعات الترابية (المجالس البلدية) يُخوّل للأغلبية الحكومية تنفيذ الوعود الانتخابية، ويمكن التأكيد على أن حكومة عزيز أخنوش تتوفر على صلاحيات كبرى لمحاربة الفساد، ومحاربة اقتصاد الريع، وكل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام ومواجهة الانتظارات الاجتماعية”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، أنه “كان يفترض وفقاً لما أفرزته نتائج الانتخابات أن يقوم “الاتحاد الاشتراكي” بدوره كزعيم للمعارضة ويؤسس لقطب يساري معارض يُؤمِّن التوازن السياسي داخل النسق الدستوري، وبذلك يدخل المغرب عهد القطبية الثنائية، والتي أكد عليها الملك محمد السادس في أكثر من محطة”، وتابع: “غير أن نوازع شخصية واعتبار الحكومة غاية وليست وسيلة جعلت خروجه للمعارضة ينظر له كإقصاء وأفرزت ظاهرة “معارضة التسول” في صورة واضحة تُظهر أن النخبة السياسية لم يستوعبوا قواعد المرحلة الجديدة التي تقتضي ضرورة العمل والتعبئة والانخراط الجماعي الفعّال في التوجه الإصلاحي الهادف لاستكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والاستقرار والازدهار الاجتماعي، من أجل تحصين مكتسبات التجربة الديمقراطية المغربية وتنقيحها من الشوائب”، وفق تعبيره.
واعتبر المحلل السياسي المغربي ضمن تصريح لـ “الشروق نيوز 24”، أن “وجود مشروعين، واحد ليبرالي في الحكومة وآخر يساري في المعارضة، كان من شأنه أن يمنحنا تراكماً تشريعياً يُمكِّن المعارضة من القيام بأدوارها الدستورية والرقابية من خلال التنسيق فيما بينها ما يفرض على الحكومة الاحترام والحضور للبرلمان، وأن تسير في اتجاه الارتقاء بالعمل السياسي نحو ديمقراطية سليمة، عبر خلق وتوفير فضاءات حرة ومسؤولة للتبادل والتأطير والالتزام، والسعي لتجميع المواطنين والمواطنات وتدبير الاختلافات والتناقضات وإفراز التصورات والمشاريع السياسية ذات الارتباط القوي بالانتظارات الوطنية الكبرى، بعيداً عن جعل العمل السياسي وسيلة لخدمة أجندة عائلية أو شخصية”.
وأبرز المتحدث أن عدم التنسيق بين المعارضة والاكتفاء بانتهاز كل فرصة بغاية الدخول للحكومة يظل ردة فعل غير واعية وغير مسؤولة تحمل في طياتها عُقد الماضي، ما دام أن العودة للمعارضة فرضتها الإرادة الشعبية في ظل انتخابات لم يشكك أو يطعن فيها أحد؛ والحال أن ما تبقى من العهد البرلمانية تفترض إيجاد فواصل بين الأغلبية والمعارضة، لترسيخ وضوح سياسي يمكّن من إعمال معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي وجب أن تؤسس لرجّة سياسية نتجاوز بها الواقع الحالي عبر تنسيق بين المعارضة يعمل على تطوير استراتيجية النضال الديمقراطي الدستوري من داخل المؤسسات، ما يقتضي تفعيل الاختصاصات الكبرى التي منحها الدستور الجديد للمعارضة حيث ضمن الفصل 10 من الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقاً، من شأنها التمكين من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. وتوحّد الفريق النيابي لحزب “الحركة الشعبية” والمجموعة البرلمانية لحزب “العدالة والتنمية” في اتهام الحكومة بعدم التفاعل مع مقترحات القوانين المقدمة من طرف المعارضة، وهو ما أشارت إليه البرلمانية نعيمة الفتحاوي عن حزب عبد الإله بن كيران، حين قالت إن الحكومة خلال الدورة الربيعية المنقضية، استمرت في الغياب عن اجتماعات عرض مقترحات القوانين، أو أنها حين تحضر تعلن رفضها لها دون مبررات مقبولة أو موضوعية.
تصريحات البرلمانية عن “الحزب الإسلامي”، أدلت بها لموقع “العدالة والتنمية”، وتحدثت فيه أيضاً عن الأرق الذي تسببه الأسعار وهي تواصل ارتفاعها، منتقدة “لا مبالاة” الحكومة “في مواجهة الوضعية”، وأن “ما ختمت به الدورة السابقة وما افتتحت به هذه الدورة هو نفسه”، أي ارتفاع أسعار المواد الأساسية، إضافة إلى اللحوم والخضر ومنتجات أخرى، ناهيك عن الغلاء الذي وصفته بـ “غير المقبول” في أسعار المحروقات. وبالنسبة للبرلمانية المذكورة، فإن الحكومة لم تتخذ أي إجراء يوضح أنها تريد تخفيف عبء الأسعار عن المواطنين، وعادت في حديثها إلى سوء تدبير ملف أضاحي العيد التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارها مقارنة مع السنوات المنصرمة.
ولم يفت البرلمانية نعيمة الفتحاوي، الغمز حين قالت إن على الحكومة التوقف عن “ترديد أسطوانة الحكومات السابقة”، وأن تتحمل مسؤولياتها لحل الإشكالات القائمة، وأن تشمر عن سواعد العمل والاشتغال، وأن تنظر للأمام.

مذكرة

وصعّد الفريق النيابي الحركي (حزب الحركة الشعبية المعارض)، من لهجة مواجهة الحكومة، وركز على مقترحات القوانين، موجهاً مذكرة لرئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، رشيد الطالبي العلمي، بشأن الاحتكام إلى المحكمة الدستورية على خلفية رفض الحكومة لمقترحات القوانين التي يتقدم بها إلى جانب باقي الفرق المعارضة.
وحسب الفريق الحركي، فإن رفض الحكومة يتم دون توضيح الأسباب، وهو ما دفعه إلى المطالبة بالاحتكام إلى المحكمة الدستورية، واصفاً تعامل الحكومة مع المبادرة البرلمانية بـ “الاستهانة والتبخيس” واعتبر هذا السلوك “غير دستوري”، لأن الدستور ـ كما يوضح ـ لا يشير تماماً لعبارة “عدم القبول”، بل لعبارة “الدفع بعدم قبول مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون”، حسب الفقرة الأولى من الفصل 79 من الدستور والرفض المشروط ببيان الأسباب، كما ينص على ذلك الفصل 77 من الدستور، الذي ينص على أن البرلمان والحكومة يسهران “على توازن مالية الدولة وللحكومة أن ترفض بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود”.
ونبهت المذكرة إلى أن مقترحات القوانين التي تقدم بها تدخل في مجال القانون ولا تخالف الدستور ولا النظام الداخلي لمجلس النواب ولا اجتهادات القضاء الدستوري، إلا أن الحكومة تعاملت مع هذه المقترحات بشكل غير دستوري، مما يستدعي الاحتكام للمحكمة الدستورية بناء على الفقرة الثانية من الفصل 79 من الدستور التي تخول لرئيس مجلس النواب طلب بت المحكمة في حالة الخلاف.
ويبدو من خلال مذكرة الفريق الحركي، أنه يريد التصعيد مع الحكومة، خاصة بعد أن مرت الدورة المنتهية للبرلمان في ظل التجاذب نفسه والنقاش الحاد الذي بلغ دروته مع بعض حالات المواجهة بين برلمانيين من المعارضة ووزراء، بل حتى رئيس الحكومة لم يسلم منها.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.