الرباط : أرقام قياسية بلغتها أسعار المحروقات في المغرب، مسجلة في بعض المدن المغربية 14.40 درهماً للتر الواحد (حوالي دولار ونصف دولار أمريكي)، فيما تجاوز الغازوال سعر البنزين لأول مرة في تاريخ تجارة المواد البترولية بالمغرب.
ويعيش المواطنون المغاربة على وقع حالة من التذمُّر جراء هذه الأسعار غير المسبوقة، وانتشرت تدوينات غاضبة ورافضة لما وصلت إليه الأسعار مرفقة بصور جرى التقاطها في عدد من محطات التزود بالوقود معلنة عن الأثمنة الجديدة التي يبدو أنها لن تتوقف عن الارتفاع، فيما يتوقع مواطنون أنها ستتجاوز عتبة 15 درهماً للتر الواحد أو تزيد.
ويرى بعض النشطاء المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، من باب الانتقاد والسخرية اللاذعة، أن الوقت والظرف حانا لاستبدال سياراتهم بدراجات هوائية، مُعدِّدين مزاياها بالقول إنها بديل مؤقت إلى حين انخفاض أسعار المحروقات. كما أنها تحافظ على البيئة من الانبعاث الدخاني وتساعد على ممارسة الرياضة والحفاظ على اللياقة البدينة. وتساءل آخرون إن كان ارتفاع الأسعار سيستقر عند رقم معين أم إنه سيواصل الارتفاع دون توقف.
خالد البرحلي، مدير نشر جريدة “الصحيفة”، علّق على ارتفاع أسعار المحروقات بالقول، إن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، “اختار القرار السهل”، فعِوض أن تتحمل الدولة الضغط المالي لارتفاع أسعار برميل النفط في السوق الدولية، من خلال خفض سلّة الضرائب التي تفرضها على المحروقات مثل التقليص أو حذف ضريبة استهلاك المحروقات التي تصل إلى 10 في المئة، أو تقليص هامش الحصة الضريبة التي تصل إلى 37 في المئة على الغازوال و47 على البنزين، اختارت الحل الذي يقلل من “إزعاجها” بالأصوات المرتفعة المتمثلة في نقابات مهنيي النقل الطرقي و”الصداع” الذي يمكن أن يخلفه إضرابهم عن نقل البضائع أو المواطنين عبر طرق الدولة، وفق تعبير البرحلي.
وكتب الصحافي المغربي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ما يلي: “تخلَّص” أخنوش من “المزعجين”، وترك ملايين المغاربة الذين يملكون 4 ملايين عربة تحت رحمة أسعار الوقود التي وصلت إلى 14 درهماً للتر الواحد، في محطات التوزيع التي يملك رئيس الحكومة أزيد من 70 في المئة منها، وهو مرتاح البال قرير العين بأن المغاربة سيصبرون على هذا البلاء وسيملئون خزانات وقود سيارتهم وهم يلعنون الأسعار في قرارة أنفسهم أو في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ليس في الشوارع أو في الطرقات كما فعل أرباب مهنيي النقل!”.
وكان رئيس الحكومة المغربي، أعلن يوم 23 آذار/ مارس، عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”، أن الحكومة أطلقت رسمياً عملية تقديم الدعم الاستثنائي المخصص لمهنيي قطاع النقل الطرقي الذي تم الإعلان عنه في المجلس الحكومي المنعقد في العاشر من الشهر الجاري، حيث ستستفيد منه فئات مهنية مختلفة وسيُخصص لنحو 180 ألف عربة”، مضيفاً أن الحكومة تهدف عبر تقديم هذا الدعم إلى مساندة مهنيي القطاع عبر التخفيف من آثار ارتفاع أسعار المحروقات بالسوق الداخلي، بفعل التصاعد المستمر للأسعار دولياً، وفق تعبيره.
الحسين اليماني، الأمين العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، ربط هذا الارتفاع في أسعار المحروقات بجملة من الأسباب، وفق ما أدلى به للقناة المغربية الثانية، لافتاً إلى أن أوَّلها يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة على مستوى السوق الدولية والراجع في الأساس إلى الانتعاش الاقتصادي الذي يعرفه العالم بعد الإغلاق الشامل نتيجة انتشار فيروس “كورونا”، فيما يتعلق ثانيها ببعض الصراعات الجيوسياسية خاصة ما يقع بين روسيا وأوروبا وأمريكا حول أوكرانيا، والتي ساهمت في ارتفاع أسعار الطاقة على المستوى الدولي، وبالتالي انعكاسها على الأسعار على المستوى المحلي.
وأبرز اليماني أن ثالث الأسباب متعلق بالنقاش الدائر حالياً حول الانتقال الطاقي على المستوى العالمي ومستقبل الطاقات الأحفورية في مواجهة صعود الطاقات المتجددة، فيما يتعلق السببان الرابع والخامس بالشأن المحلي، وبالتحديد القرارات التي اتخذتها حكومة عبد الإله بن كيران سنة 2015 والمتعلقة أساساً بحذف الدعم عن الغازوال والبنزين وتحرير أسعار المحروقات. وأضاف أن هذا الارتفاع سيكون له انعكاس على تكلفة نقل المواد الأساسية الأكثر استهلاكاً من طرف المغاربة، حيث ستعرف بدورها زيادات في أسعارها، مؤكداً أن قطاع النقل سيكون الأكثر تضرراً من هذه الزيادة.
وسبق للمكتب التنفيذي للجامعة الوطنية لتجار وأرباب ومسيري محطات الوقود في المغرب، أن دعا الحكومة إلى التدخل العاجل، قصد إيجاد حلول لمشاكل ارتفاع أسعار المحروقات، مشددة على وجوب تدخل الحكومة لاتخاذ إجراءات عاجلة حماية للقدرة الشرائية للمستهلك، وذلك بالحفاظ على استقرار الأسعار، مشيرة إلى أن “هامش ربحنا نحن كمهنيين أرباب محطات الوقود ثابت، ولا علاقة تجمعه بارتفاع ثمن البيع، اللهم إلا الضرر الذي يتسبب فيه بفعل ارتفاع رقم المعاملات والذي ترتفع معه ضريبة الحد الأدنى المفروضة علينا إجحافاً، رغم أن العديد من المحطات سجلت خسائر ووجدت نفسها مجبرة على أدائه لهذه الأسباب المجتمعة”.
وأكدت الجامعة أن ارتفاع الأسعار يضر بالمهنيين وليس فقط المواطنين، موردة أن “هذا الارتفاع يرهقنا ويضرنا بالقدر الذي يضر المستهلك”، واقترحت مراجعة الضرائب ولو مؤقتاً، لأنها تشكل حوالي 50 في المئة من بنية الأسعار، وأن يكون هناك “رسم متغير يساهم في الحفاظ على القدرة الشرائية وعلى استقرار الأسعار، وأن يتم اعتماد آلية يتم فيها تخفيض الضرائب، في حال ارتفاع الثمن، وأن يتم في المقابل تطبيق الضريبة في حال انخفاض ثمن المحروقات لتبقى الأسعار متحكماً فيها وفي حدود معقول”.
Advertisement
Advertisement