عند متم كل موسم دراسي، ينتصب الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا (الثانوية العامة) مثل شاهد على جدية غير مسبوقة للأسر المغربية التي يكون أبناؤها معنيين باستحقاق دراسي يخرجهم من مرحلة إلى أخرى ومن عالم إلى آخر.
وستجري امتحانات الشعب العلمية والتقنية والمهنية أيام 20 و21 و22 حزيران/يونيو الحالي، فيما يُخصص يوما 23 و24 حزيران للشعب الأدبية والتعليم الأصيل.
ليس الطالب وحده من يجتاز الامتحان، بل كل مكونات أسرته، والاستعدادات على قدم وساق وتوفير كل الوسائل والإمكانات اللازمة لتحقيق النبوغ المنتظر، حتى دروس المراجعة (الخصوصية) المكلفة مالياً تصبح من أساسيات هذه المرحلة.
المشهد اجتماعياً يبدو في غاية الحركة والترقب والاستعداد، أما على صعيد الإدارة التربوية، ونقصد هنا وزارة التعليم، فبدورها تعيش لحظة استثنائية، من خلال التركيز الكبير على ظروف الامتحان وشفافيته، وطبعاً توفير اللازم من المراقبة لمنع كل ما له علاقة بالغش.
ونشير إلى أن حديث وزارة التعليم بشكل مسهب عن منع الغش، والحزم في مواجهة كل غشاش بالإجراءات التربوية والقانونية أيضاً، يجعل الطالب يفكر مليون مرة قبل أن يقدم على محاولة من هذا القبيل.
وفي كل عام دراسي وعلى مشارف الامتحانات برمتها وليس فقط البكالوريا، تتوالى بعض الأخبار التي تفيد بتوقيف تجار يروجون لمستلزمات الغش، خاصة في جانبها الرقمي الإلكتروني.
لقد صار للغش مستلزمات متطورة سيراً على عادة الحداثة، لم تعد الأوراق الصغيرة المكتوبة بدقة وبخط متناهي الصغر تنفع مع جيل الإنترنت، بل أصبحت أجهزة دقيقة ومتطورة تفي بالغرض، لكن المراقبة الأمنية بالمرصاد، كما هي أعين المدرسين الذين يراقبون ميدانياً في الفصول الدراسية المحتضنة للامتحانات.
آخر المستجدات التي جاد بها بلاغ للحكومة تم تعميمه الخميس، عقب اجتماع مجلسها الأسبوعي، أفاد بأن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، قدم عرضاً أمام المجلس الحكومي يتعلق بتفاصيل الاستعدادات لامتحان البكالوريا (الثانوية العامة).
وكشف الوزير عن وجود ارتفاع في عدد المترشحات والمترشحين لاجتياز امتحان البكالوريا بنسبة 8 في المئة، مقارنة مع الموسم الدراسي المنصرم.
وأوضح أنه جرى اتخاذ كل الضمانات الكفيلة بتنظيم هذا الامتحان الوطني في جو من الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص، بدءاً من تأمين فضاءات الطبع والاستنساخ، ونقل المواضيع من مراكز التوزيع إلى مراكز الامتحان، وصولاً إلى عملية التصحيح ومسك النقط.
وعن عدد المراكز المخصصة للامتحان المذكور، أبرز الوزير أنه تم تسخير 1520 مركزاً للامتحانات وتصحيح أوراق الاختبارات الخاصة بالطلبة.
وأشار وزير التعليم إلى أنه تم تشكيل خلايا لليقظة والتتبع مركزياً ومحلياً لمواكبة وتأمين محطات هذا الاستحقاق، وقال إنه “حرصاً من الوزارة على مواكبة استعدادات المترشحات والمترشحين ومصاحبتهم في التحضير للاختبارات في ظروف جيدة، تمت موافاتهم عبر بريدهم الإلكتروني بوثائق تأطيرية، فضلاً عن تكثيف حصص الدعم التربوي وتكييف مواضيع وظروف إجراء الاختبارات لفائدة المترشحات والمترشحين في وضعيات خاصة”.
إلى جانب حمى الاستعداد التربوي واللوجستيكي للوزارة، نجد الأسر وقد أصابتها حمى من نوع آخر وخاص جداً، تبرز عند كل امتحان أساسي، وهي دروس المراجعة والتقوية والدعم، وإن هي إلا أسماء مختلفة وأكثر “تزويقاً” وتخفيفاً لاسم الدروس الخصوصية.
جيوب الأسر تجدها في حالة استنفار قصوى، تقتطع من ميزانية مخصصة للعادي من مصاريف المعيش، مبلغاً محترماً يذهب رأساً إلى خزينة مؤسسة تعليمية خاصة أو جيب أستاذ خاص يلمع اسمه مع كل استحقاق تربوي ويصبح نجماً أو نجمة ليوميات الامتحانات وما قبلها.
الحصة الشهرية، والحديث هنا عن ثلاثة أشهر قبل امتحان البكالوريا، تبلغ قيمتها المالية في المتوسط ما يناهز 600 درهم (حوالي 60 دولاراً أمريكياً)، وهي لراتب موظف عادي تعدّ ميزانية تسد أياماً طويلة من المشتريات الأساسية، لكن التضحية في سبيل النجاح هو ما يهون صرفها في دروس التقوية والمراجعة.
الملاحظة الأساسية المسجلة، أن أساتذة التعليم العمومي لا ينخرطون في هذه الدروس الداعمة للطلاب ولا يتاجرون بتقوية قدرات المتمدرسين من طلبة سلك البكالوريا أو غيرها من المستويات الدراسية، ينأون بأنفسهم عن مثل هذه الممارسات التي كانت تصنف في خانة الاستغلال وخاصة الدروس الخصوصية التي عرفت انتشاراً كبيراً قبل عقود وبشكل سري في غالب الأحيان، وارتبطت بالاستغلال وما جاوره من تسميات أطلقها المجتمع على كل مدرّس قرر أن يضيف إلى راتبه دخلاً مالياً عن طريق هذه الدروس.
لكن العجيب أن تلك الأسر التي كانت تنقد وما زالت الدروس الخصوصية، تجدها أول من يقبل عليها عند اقتراب موعد أي امتحان، وخاصة الامتحانات الإشهادية ومنها البكالوريا (الثانوية العامة) بالنظر إلى أهميتها، تجدهم يتجاوزون عتبة اللوم والتقريع الذي كان يوجه للأستاذ ويمدون نظيره في التعليم الخصوصي بالمبلغ دون تردد أو أي احتجاج ضمني على غلاء السومة.
هذا الغول الموسمي المسمى امتحان البكالوريا، لا يخيف الطلاب وأولياءهم فقط، بل يخلق الحدث أيضاً في الوزارة المعنية، التي تنزل بكل ثقلها من أجل تأمينه وتميزه وشفافيته، ويمر من مراحل عدة قبل أن يصبح بين يدي الطالب، مثل جسر يعبر منه إلى مرحلة مهمة من حياته الدراسية، ونقصد الجامعة هنا، أو ربما من الطلاب من ينجح ويختار البحث عن وظائف تلائم شهادته، وفي ذلك اختيارات متعددة أمامه يبقى عليه أن يكون في مستوى هذه الاختيارات.
Advertisement
Advertisement