ضرب مغاربة التواصل الاجتماعي موعدا مع المحروقات وأسعارها التي تواصل الارتفاع، يوم الأحد 19 حزيران/ يونيو، من خلال “يوم بدون سيارة”، احتجاجا على غلاء ثمن البنزين والغازوال في مختلف محطات الوقود.
“الهاشتاغ” الذي اعتلى منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، تجاوب معه عدد كبير من رواد هذه المواقع واستنكروا في تدوينات عديدة الارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات التي بلغت الأربعاء 15 حزيران/ يونيو 18 درهما للتر الواحد هذا بالنسبة للبنزين بينما الغازوال بلغ 16 درهما وهو الذي كان لا يتجاوز 10 دراهم قبل 3 سنوات.
“الهاشتاغ” أو الحملة التي اتخذت شعارا لها “أوقفوا غلاء المازوت يوم بدون سيارة”، تأتي في سياق غضب المغاربة من مواصلة أسعار المحروقات لارتفاعها الذي وصف بـ “غير مسبوق” حتى بات ملء خزان السيارة ضربا من المستحيل أمام المبلغ الكبير الذي يقابله.
قد تكون هذه الحملة ناجعة وناجحة بالنسبة لأصحاب السيارات الخاصة، لكن بالنسبة للمهنيين فهي ضرب من المغامرة، لأن يوما بدون سيارة أو شاحنة يعني يوما بدون دخل مادي.
ويبدو أن الحملة تستهدف أصحاب السيارات الخاصة لصعوبة انخراط المهنيين فيها، بما تحمله من آثار سلبية على مواعيدهم وحساباتهم وميزانيتهم المتضررة أصلا بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.
السؤال الجدير بالطرح هنا، هل ستنجح هذه الحملة وفي يوم واحد من الحد من الارتفاع المتواصل للمحروقات؟ الجواب يجد صيغته في يوميات محطات الوقود، وتلك السبورة التي تعلن عن ثمن اليوم، حيث أصبحت مثل لوحة رعب حقيقية خاصة بالنسبة للمهنيين، أما أصحاب السيارات الخاصة فهم فئة قال عنها الناطق الرسمي باسم الحكومة إنها يجب أن تتحمل مسؤولية سياراتها، وهو التصريح الذي أثار الكثير من الجدل وجر على الوزير المعني سيلا من النقد.
الوزير مصطفى بايتاس الذي يتحدث باسم الحكومة، كان قد أفرد في ندوات صحافية حيزا زمنيا وافيا لتفسير أسباب ارتفاع أسعار المحروقات، وهي التفسيرات التي حضرت فيها الأزمة العالمية وارتباط أسعار الوقود محليا بأسعارها على الصعيد العالمي، لكنه كان قد أشار أيضا إلى أن الحكومة لن تتساهل مع من يتلاعب بأسعار المواد الاستهلاكية ومنها المحروقات طبعا.
في الجهة المقابلة للرد الحكومي الرسمي، نجد الانتقادات تطال أول من حرر سوق المحروقات ورفع الدعم عنها، ويتعلق الأمر برئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران الذي يوجد اليوم في المعارضة متزعما لحزب “العدالة والتنمية”.
الانتقاد يطال الحكومة ومطالبتها بالتدخل لإيجاد حل لمعضلة الارتفاع المستمر لثمن الوقود بالمغرب، حتى بات تقريبا كل يوم بثمن مغاير لثمن أمس، وأصبحت لوحة الأسعار في محطات الوقود بمثابة لوحة رعب تخيف جيوب وميزانيات السائقين من مهنيين وخواص أيضا.
حملة “يوم بدون سيارة” تعيد إلى الأذهان حملة المقاطعة الشهيرة التي أصابت عدة شركات في مقتل، واستهدفت عددا من المنتجات الاستهلاكية، لكن مع فارق جوهري هو حيوية مادة المحروقات بالنسبة لمهنيي النقل الطرقي وأصحاب سيارات الأجرة وارتباطها بالدخل اليومي وتغطية مصاريف التكلفة وقوت الأبناء أيضا.
الحكومة التي تعي جيدا معضلة الارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات، خصصت دعما للمهنيين، وهو ما كان موضوع تصريح أدلى به الناطق الرسمي باسمها مصطفى بايتاس، الذي أكد الخميس أنه تم إلى غاية الآن صرف حوالي 1.4 مليار درهم لفائدة مهنيي قطاع النقل الطرقي، في إطار الدعم الاستثنائي الذي خصصته الحكومة لهم جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات.
تصريحات بايتاس جاءت ردا على أسئلة الصحافيين التي طرحت في الندوة التي أعقبت اجتماع مجلس الحكومة، الخميس، وتطرقت إلى مشكل ارتفاع الأسعار وتداعياتها، وكشف فيها عن دفعتين أولى وثانية من الدعم الاستثنائي لمهنيي قطاع النقل الطرقي، إضافة إلى دفعة ثالثة لا تزال في بدايتها.
ووفق الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، فقد استفادت ما يقارب 180 ألف مركبة من هذا الدعم الذي بلغ إلى حدود الآن 1.4 مليار درهم.
وفي ما يشبه بشارة للمهنيين، قال بايتاس إن “الحكومة منكبة بجدية على دراسة الهوامش والإمكانيات المتاحة للانتقال إلى مستوى أعلى من الدعم المخصص لهذه الفئة من المهنيين على خلفية الارتفاع المطرد لأسعار المحروقات”، على اعتبار أن “الأسعار التي تم على أساسها تحديد قيمة الدعم الأولية شهدت زيادة مهمة”.
وبلغت أسعار المحروقات الأربعاء الماضي في مختلف محطات الوقود في العاصمة الرباط، 15.64 درهما للتر الواحد بالنسبة للغازوال، أما البنزين فقد بلغ 17.79 درهما دائما للتر الواحد.
الخبير المالي والاقتصادي التهامي بنجدو، طرح في تصريحه لجريدة “القدس العربي” مقارنة بين الطماطم والمحروقات، وأشار إلى النظريات الاقتصادية العالمية التي تتحدث عن قانون العرض والطلب ومدى تأثيره على أثمان السلع في الأسواق.
وأكد أن السوق سيد نفسه، وعاد في تصريحه إلى ما شهدته قبل فترة أسعار الطماطم بالمغرب من ارتفاع وصفه بـ “المهول” حيث بلغ الكيلو الواحد 20 درهما أثر سلبا وبشكل مباشر على “القفة” اليومية للمواطن.
وبالنسبة للتهامي بنجدو، فإن تدخل قانون العرض والطلب أعاد أثمان الطماطم إلى سابق عهدها، وتراجعت لتصبح اليوم درهمين للكيلو الواحد.
وتساءل المتحدث “لماذا يعطل قانون العرض والطلب عندما يتعلق الأمر بالمحروقات؟”، وجوابا على ذلك يؤكد الخبير المالي، بأن “هناك أيادي خفية تتدخل لإبطال مفعول هذا القانون”.
وعلى سبيل المثال فقط، أورد الخبير المالي في تصريحه لـ”القدس العربي” أن من بين أوجه تدخل هذه الأيادي الخفية لتعطيل مفعول قانون العرض والطلب، الاحتكار وهو الذي يؤدي إلى نقص المنتج في السوق، إضافة إلى سياسة التخزين.
ولم يفت المتحدث الإشارة إلى دور الشركات في ذلك، لأنها تدخل في منافسة غير شريفة، ناهيك عن الاتفاق فيما بينها، والذي تكون من تداعياته الارتفاع في الأسعار وبالتالي التحكم في السوق وفق المنظور الربحي الخالص لها دون مراعاة المستهلك.
وتبقى حملة “يوم بدون سيارة” مجرد ملمح من استياء المغاربة من الغلاء الذي يتواصل في قطاع المحروقات، كما يبقى موعد الأحد 19 حزيران/ يونيو مرتقبا بالنسبة لمن أطلقوا هذا “الهاشتاغ” وأيضا بالنسبة لشركات المحروقات وأرباب محطات الوقود.
كما تبقى أعين أصحاب السيارات خائفة من النظر إلى لوحة أسعار محطات البنزين، فهي دائما تحمل الجديد الذي يقفز مثل كابوس نهاري يصيب الناس في وقت اليقظة.