المغرب أمام أخطار كبيرة.. فيضانات تُهدد مئات الآلاف وموجات جفاف الأكثر تواترا وشدة.. وتوصيات عاجلة من البنك الدولي
الرباط-: أفاد تقرير جديد للبنك الدولي صدر الخميس، أن المغرب أحد أكثر بلدان العالم التي تعاني من شح المياه، إذ يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد سنويا.
وأشار تقرير “المناخ والتنمية”، إلى أن موجات الجفاف الأكثر تواترا وشدة، تعد مصدرا رئيسيا لتقلبات الاقتصاد الكلي وتهدد الأمن الغذائي، ويتجه نمو الاقتصاد المغربي هذا العام نحو التراجع مقارنة مع ما كان متوقعا، بسبب انخفاض أداء القطاع الزراعي بعد موسم جفاف هو الأسوأ منذ عقود، بالإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا.
الجفاف وفرص الاستثمار
ويوضح التقرير أن انخفاض إمدادات المياه بنسبة 25% وتأثيراته التي تطال جميع قطاعات الاقتصاد، إلى جانب نقص غلة المحاصيل، يؤديان إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.5%، ويلفت إلى أن من الضروري استكمال إصلاحات الاستثمارات في قطاع المياه وإحداث تغييرات في سلوكيات المستهلكين.
ويلفت تقرير البنك الدولي إلى أن الاستثمار في العمل المناخي الآن “سيحقق منافع مهمة للمغرب، ويحدث فرص شغل جديدة، فضلا عن إنعاش المناطق الريفية، ووضع المملكة كمركز صناعي أخضر، وفي الوقت نفسه المساعدة في تحقيق أهدافها الإنمائية الأوسع نطاقا”، وفق “الحرة”.
ويكشف المصدر ذاته أن إجمالي الاستثمارات اللازمة لوضع المغرب على مسار منخفض الكربون وقادر على الصمود بحلول خمسينيات القرن الحالي، سيبلغ نحو 78 مليار دولار بالقيمة الحالية للدولار. ويمكن أن تكون هذه الاستثمارات تدريجية على مراحل، لكن “العائد سيكون كبيرا، مما يجعل المغرب أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة والصادرات، بالإضافة إلى تعزيز نموه الاقتصادي” وفقا للتقرير.
في هذا السياق، قال المدير المنتدب لشؤون للعمليات بالبنك الدولي، أكسل فان تروتسنبيرغ إنه بالنظر إللتأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، فإن المغرب” يحرز تقدما مثيرا للإعجاب في سعيه لتحقيق مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية”، مضيفا أن التقرير الجديد يحدد المجالات ذات الأولوية لإدارة المياه والموارد الأخرى والحد من الانبعاثات الكربونية بطريقة تحقق الأهداف المناخية والإنمائية في البلاد”.
ويحدد التقرير 3 مجالات ذات أولوية للعمل المناخي العاجل – وهي التصدي لشحة المياه والجفاف؛ وتعزيز القدرة على الصمود في وجه الفيضانات؛ والحد من الانبعاثات الكربونية في النشاط الاقتصادي، كما يتناول أيضا القضايا المشتركة على مستوى القطاعات بين التمويل والحكامة والإنصاف.
مخاطر الفيضانات
وتعد الفيضانات من بين المخاطر الأخرى التي تواجه المغرب، حيث تم تسجيل 20 فيضانا كبيرا على مدى العقدين الماضيين، مما تسبب في خسائر مباشرة بلغت في المتوسط نحو 450 مليون دولار سنويا، حسب تقديرات البنك الدولي.
ويؤدي ارتفاع منسوب سطح البحر إلى تفاقم أخطار الفيضانات في المناطق الساحلية التي يقطنها أكثر من 65% من السكان وبها أكثر من 90% من النشاط الصناعي، بحسب المصدر ذاته.
ويشدد التقرير على ضرورة تفعيل البرنامج الذي وضعه المغرب لإدارة مخاطر الكوارث وتمويلها. وتشير الأرقام التي وردت في التقرير، إلى أن المستوى الأمثل للاستثمارات في إدارة مخاطر الكوارث سيغطي ما يعادل 15-20% من متوسط الخسائر السنوية، وهذا يتطلب استثمارات سنوية في المتوسط بين 67 مليون دولار و90 مليون دولار.
ويحدد التقرير المسارات الرئيسية للحد من الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد بحلول خمسينيات هذا القرن لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعميم استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع.
ويتوقع التقرير أن يتم توليد أكثر من 85% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 مقارنة بـ20% التي أنتجتها مشاريع الطاقة الجديدة بالمغرب سنة 2021.
وستتحقق مكاسب صافية لا تقل عن 28 ألف فرصة شغل سنويا ( 140 ألف فرصة في خمس سنوات) في قطاع الطاقة المتجددة وأنشطة كفاءة استخدام الطاقة فقط، ناهيك عن فرص الشغل في مجال الهيدروجين الأخضر أو النقل الكهربائي أو الاستثمارات الصناعية الخضراء الأخرى، مما يعني زيادة فرص التشغيل وتعزيزها، بحسب المصدر ذاته.
ويشير التقرير إلى أن الحد من الانبعاثات الكربونية سيكلف نحو 53 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة القادمة، لكن هذا الأمر سيتحمله القطاع الخاص إلى حد كبير إذا تم تنفيذ سياسات قطاعية مناسبة. وسيكون صافي الأثر الاقتصادي إيجابيا: انخفاض الحاجة إلى الوقود الأحفوري وواردات الأمونيا، وزيادة أمن الطاقة؛ والحد من تلوث الهواء، بالإضافة إلى تقليل التعرض لصدمات الأسعار الدولية للهيدروكربونات.
وسيفتح الحد من الكربون الباب أمام المغرب ليصبح دولة مصدرة للطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر بالصافي، ومركزا للاستثمارات والصادرات الصناعية الخضراء، لا سيما إلى الاتحاد الأوروبي.
وأطلق المغرب عدة إستراتيجيات وخطط للتصدي للتحديات المناخية، منها مخطط المغرب الأخضر للتنمية الفلاحية لمساندة أنشطة الفلاحة المراعية للمناخ، والإستراتيجية الوطنية للطاقة لتعميم استخدام الطاقة المتجددة، والإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030، والمخطط الوطني للمناخ لعام 2030.
ورصدت الحكومة المغربية في مشروعها لقانون المالية 2023، ما مجموعه 10,6 مليارات درهم لمعالجة ندرة المياه، بزيادة حوالي 5 مليارات درهم مقارنة بالسنة الماضية.
في تعليقه على نتائج التقرير، يقول المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي جيسكو هنتشل، “المملكة ينبغي أن تعتمد على الجهود السابقة والانتقال إلى المستوى التالي والشروع في تحول طموح إلى مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية وقادر على الصمود في مواجهة الصدمات على نحو يشمل الجميع ولا يستبعد أحدا، وفي إطار نموذج النمو المستدام”.
ويرجح هنتشل في حديثه للموقع الرسمي للبنك الدولي، ارتفاع فرص التشغيل بتبني هذا النموذج الذي سيرفع كذلك من الحاجيات الاستثمارية”، غير أنه يؤكد بالمقابل على ضرورة “تهيئة بيئة مواتية وداعمة للقطاع الخاص”.