الرباط : على خلفية الأزمة الموجودة بين الحكومتين المغربية والجزائرية، وبين هذه الأخيرة والحكومة الإسبانية، اتهم حزب مشارك في حكومة عزيز أخنوش، الجزائر بما سمّاه التورط في أحداث «الجمعة الدامية» التي راح ضحيتها 23 مهاجراً سرياً عند محاولة أكثر من 2000 فرد اجتياز السياج الحديدي الفاصل بين الناظور ومليلية المحتلة بالقوة.
واستدل على ذلك بكون سلطات البلد الجار تساهلت مع أفواج المهاجرين عند الحدود، بالإضافة إلى وجود مهاجرين قادمين لأول مرة من السودان.
وأوردت صحيفة «العَلم» الناطقة باسم حزب «الاستقلال» المغربي أمس الأربعاء، نقلاً عن صحيفة «إلموندو» أن هناك أمنيين إسبانيين يعتقدون أن الجزائر خففت رقابتها على الحدود، وسمحت للمهاجرين بالعبور نحو المغرب، قبل أن يتجمعوا قرب مليلية بأسلحتهم، ويقوموا بهجوم انتهي بكارثة إنسانية.
وأضافت أن مهاجرين منحدرين من دون جنوب الصحراء غيروا وجهتهم من مصر وتونس وليبيا إلى الحدود الجزائرية المغربية، وذلك بعد تلقيهم معلومات تفيد بوجود «طريق سالك»، وأن هناك «تساهلًا» جزائرياً غير مسبوق يسمح للمهاجرين بالعبور نحو المغرب باعتباره أقرب نقطة للضفة الأخرى.
واعتبرت الصحيفة المغربية أن ما يزكي هذا الطرح كون الطريقة التي تمت بها محاولة تسلق السياج الحديدي يوم الجمعة الماضي، تختلف تماماً عن المحاولات السابقة التي كانت تنطلق دوماً من غابة «غروغورو» شمال البلاد، في حين انطلق المهاجرون هذه المرة من مناطق أخرى تحيط بالسياج، وهم في حالة هيجان غير طبيعي وعنف كبير، حيث كانوا يحملون في أيديهم السكاكين والعصي والمطارق والحجارة.
وأضافت أن حوالي 7 أفراد كانوا يتقدمون الحشود الكبيرة للمهاجرين الذين تجاوز عددهم 2000 فرد، وعملوا على تنظيمهم وتوجيههم نحو الطريق التي ستصل بهم إلى السياج الحديدية الفاصل بين الناظور ومليلية المحتلة.
ولاحظ المصدر أن جل المهاجرين السريين الذين يختبئون بغابة «غروغورو» أغلبهم من جنسيات كاميرونية ومالية ونيجيرية، وتبقى أعدادهم وحتى تحركاتهم شبه مراقبة من قبل الأجهزة المعنية، وعندما يتحينون الفرصة لتسلق السياج تكون بطرق مختلفة تماماً، ودون أن تبدر منهم سلوكات عدوانية كتلك التي قام بها الجمعة الماضي بعض المهاجرين الذين ينتمون إلى جنسيات أخرى، كالسودان مثلاً، كان من الصعب عليها في السابق بلوغ الأراضي المغربية، وإنما يغامرون بأنفسهم عبر قوارب الموت انطلاقاً من بشواطئ تونس وليبيا نحو الدول الأوروبية المتوسطية.
وكتب عبد الله البقالي، مدير صحيفة «العَلم» وعضو اللجنة التنفيذية لحزب «الاستقلال»، افتتاحية في السياق نفسه، مما جاء فيها: «لم نعد وحدنا نتهم السلطات الجزائرية بالتورط في يوم الجمعة الأسود الذي عاشته مدينة مليلية المغربية المحتلة، لأنني شخصياً منذ الوهلة الأولى لم أجد تفسيراً مقنعاً لما حدث وبالطريقة التي حدث بها، غير تورط جهة خارجية لا يمكن أن تكون غير الجزائر، التي لها مصلحة سياسية مباشرة فيما حدث، ولأنها تقبل بالمتاجرة بأرواح المدنيين مقابل مكسب سياسي رخيص جداً».
وتابع قائلاً: «لم نعد وحدنا، بل انتشرت بقعة الشك في بركة التطورات المتلاحقة، ودخلت مؤسسات إعلامية إسبانية على الخط، لأنها توصلت بمعطيات وحقائق أقنعتها بتوجيه أصابع الاتهام إلى السلطات الجزائرية».
وبلغة اليقين، قال كاتب الافتتاحية: «العديد من المعطيات تؤكد تورط الأجهزة الجزائرية التي تعمدت غض الطرف عن نزوح الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من ترابها نحو المغرب، إذا لم تكن قامت بالإشراف على ذلك بصفة مباشرة. وحينما نجد أن مجموعة كبيرة جداً من المهاجرين المشاركين في عملية الاقتحام من دول شرق أفريقيا يتضح وينكشف دور هذه الأجهزة، لأن جميع المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول شرق أفريقيا يمرون بالضرورة عبر التراب الجزائري».
ولاحظ في هذا الصدد أن «المهاجرين غير النظاميين الذين اعتدنا دخولهم إلى التراب المغربي هم بصفة عامة ينتمون إلى دول غرب أفريقيا وربما لأول مرة نسمع بوجود مهاجرين غير نظاميين قادمين من منطقة دارفور في السودان، والذين تسللوا إلى التراب المغربي من التراب الجزائري».
واعتبر أن «مصلحة السلطات الجزائرية واضحة فيما جرى وحدث»، فهي برأيه «تقايض بورقة المهاجرين غير النظاميين للضغط على إسبانيا لكي تتراجع عن موقفها الداعم لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وهي بذلك توجه رسائل غير مشفرة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي تتعلق بقضية الأمن والجوار. ومصلحتها واضحة أيضاً وتتجلى في استعدادها الدائم للإساءة إلى المغرب، مهما كلفها ذلك من ثمن باهظ»، وفق تعبير الكاتب.
وسجل أن وسائل إعلام جزائرية تتحدث عن مليلية كمدينة إسبانية، وليست مدينة مغربية محتلة، وهذا ليس جديداً على الجزائر الرسمية التي كانت قد ساندت موقف إسبانيا أثناء أزمة جزيرة «ليلى»، واعتبرت المستعمرات الإسبانية في شمال المغرب منطقة إسبانية، يختم كاتب الافتتاحية.
في سياق متصل، أعرب حزب «الأصالة والمعاصرة» عن «أسفه البالغ» على ما آلت إليه أحداث محاولة اقتحام عدد من المهاجرين غير النظاميين منطقة العبور بين مدينتي الناضور ومليلية. وحيا السلطات العمومية على «يقظتها وإفشالها لمحاولات مماثلة» خلال اليومين الماضيين؛ مؤكداً «ضرورة تحمل كل الأطراف الدولية المعنية بملف الهجرة لمسؤوليتها، في تحمل أعباء استقبال وتيسير إدماج المهاجرين الوافدين على البلاد».
وفي بيان تلقت «الشروق نيوز 24» أمس نسخة منه، جدد المكتب السياسي للحزب الحكومي رفضه المطلق «لعملية الاستغلال السياسوي الدولي المقيت لهذه الأحداث، عبر التكثيف من عمليات التضليل الإعلامي والكذب والافتراء من خلال نشر صور وفيديوهات لا علاقة لها بالحادث الأخير».
وحيا المكتب السياسي عالياً خطوة تشكيل «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» للجنة استطلاعية بشأن هذه الأحداث، متيقناً أن «ما راكمته هذه المؤسسة الحقوقية الوطنية المستقلة المهمة من خبرة وتجربة وسمعة دولية، قادرة على الإسهام في رصد الحقيقة بمختلف أبعادها»، بحسب ما ورد في البيان.