المغرب ومؤامرة الاتحاد الأوروبي

Advertisement

على ضوء إدانة البرلمان الأوروبي للمغرب في ملف حقوق الإنسان، وأساسا الصحافيين الثلاثة توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي يوم 19 يناير/كانون الثاني 2023، ارتفعت أصوات في المغرب تنسب هذا «العقاب» أو «التضييق» إلى ما تعتبره رد فعل على قيام المغرب بتنويع شركائه في الساحة الدولية، خاصة الاعتماد على الصين والولايات المتحدة وإسرائيل، والتمدد في افريقيا. ويبقى التساؤل، هل بالفعل أن المغرب قادر على إيجاد بديل للاتحاد الأوروبي الآن، وخلال السنوات المقبلة؟ وهل ستصبح هذه الدول الشريك الاستراتيجي للمغرب مستقبلا؟
وتبقى المفارقة هو أنه مقابل الانتقادات العنيفة للبرلمان المغربي ضد نظيره الأوروبي، تلتزم الحكومة الصمت، ولم يصدر عنها أي موقف حتى الآن. وعموما، لا تعد هذه الأزمة الأولى بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فقد وقعت أزمات أسوأ منها إبان التسعينيات، عندما ربط البرلمان الأوروبي توقيع أي اتفاقية مع الرباط بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، خاصة ما كان قد تبقى من معتقلي اليسار الراديكالي أو ما كان يعرف «باليسار الجديد». وتقول الرواية شبه الرسمية المغربية بأن السبب الرئيسي لقرار البرلمان الأوروبي هو قلق الأوروبيين من توجه المغرب إلى تنويع شركائه، بنسج علاقات قوية مع إسرائيل والولايات المتحدة والصين والتمدد في افريقيا. وعلاقة برواية التبرير، فهل الأرقام الاقتصادية والعلاقات السياسية تدعم أطروحة الرواية المغربية؟ في هذا الصدد، نستعرض الشركاء الذين يتحدث عنهم جزء من النخبة في المغرب، وليس النخبة برمتها خاصة في ظل الصمت الحكومي.

إسرائيل: تعد الشريك الجديد للمغرب بعد اتفاقيات إبراهام، غير أن هذا الشريك لم يفد المغرب في أي شي. علاقة بنزاع الصحراء، ترفض إسرائيل الاعتراف بشكل قاطع بمغربية الصحراء، واعترفت الدولة المغربية بشكل محتشم بأنه لا يوجد اعتراف إسرائيلي. في الوقت ذاته، لا يمكن لإسرائيل أن تصبح شريكا اقتصاديا ضمن العشرين الأوائل للمغرب. وعلاقة بالتعاون العسكري، فهو يعود إلى عقود، وعلى الرغم من أنه علني الآن، لم تقدم إسرائيل أي سلاح حيوي للمغرب عكس دول أخرى مثل تركيا والصين. وبدأ يتضح أن التعاون مع إسرائيل وما رافقه من تضخيم يشبه حادثة «تالسنيت»، عندما اعتقد المغرب بالعثور على النفط سنة 2000، وتبين أنه كان فقط سرابا.
الصين: ارتفعت المبادلات بين المغرب والصين، ودائما لصالح الأخيرة. وتعتبر الصين شريكا رئيسيا لدول العالم برمته وليس فقط للمغرب. وتبقى استثمارات الصين في المغرب من دون معنى، مقارنة مع دول أخرى، فهي لم تراكم وطيلة سنوات طويلة مليار دولار. في ملف الصحراء، الصين لا تعترف بمغربية الصحراء، ولا تقلق المغرب كثيرا. وعسكريا، ساهمت بكين في تعزيز الترسانة العسكرية المغربية لتحقيق نوع من ميزان القوى مع الجزائر ومع إسبانيا، بفضل أسلحة هجومية ومنظومة طيران متطورة. الملف الذي أقلق الغرب وأساسا باريس وواشنطن هو قرار منح المغرب القطار السريع بين مراكش وأكادير إلى الصين. عارضت فرنسا، لكن باقي دول أوروبا لم تهتم، بينما الفيتو جاء من واشنطن لأنه لا يرغب في رؤية تكنولوجيا متقدمة صينية في بلد شريك.
الولايات المتحدة: لا يمكن للولايات المتحدة أن تشكل قلقا للاتحاد الأوروبي بحكم وجود الاثنين في التكتل نفسه. ولا يثير المغرب اهتمام المستثمرين الأمريكيين، فرغم وجود اتفاقية التبادل التجاري الحر بين المغرب والولايات المتحدة، لم تتطور التجارة الثنائية بشكل ملحوظ، وحققت أعلى معدل سنة 2019 بخمسة مليارات دولار، ودائما لصالح الجانب الأمريكي بفضل صادرات الأسلحة، بينما لا تتجاوز عادة ثلاثة مليارات دولار مثل سنة 2021. ولم يتجاوز تراكم الاستثمارات الأمريكية منذ سنوات طويلة في المجموع ملياري دولار، واستثمرت سنة 2021 قرابة 70 مليون دولار، وهو رقم لا يعني شيئا.
افريقيا: لا توجد أي دولة افريقية ضمن الشركاء الـ15 الأوائل بالنسبة للمغرب سواء في الصادرات أو الواردات، ولا تتجاوز القارة السمراء في ميزان التبادل التجاري المغربي 6%، وفق معطيات سنة 2021. تحولت افريقيا الغربية إلى وجهة رئيسية للاستثمارات المغربية الخارجية وهي متذبذبة من سنة إلى أخرى، لكن تبقى فرنسا هي وجهة الاستثمارات المغربية الأولى.
في المقابل، يبقى الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي والسياسي الرئيسي للمغرب، سواء في التبادل التجاري أو الاستثمارات التي تتصدرها فرنسا من دون منازع وبمسافة عن القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة، بل مقارنة مع إسبانيا التي هي الشريك التجاري الأول للمغرب، ولكن ليس الشريك الاقتصادي، لأن استثمارات إسبانيا في المغرب تراجعت بشكل مهول. إذ إن 55% من صادرات وواردات المغرب تجري مع الاتحاد الأوروبي و65 مع القارة الأوروبية، وفق معطيات 2021. ويعد الاتحاد الأوروبي أول مصدر للسياحة للمغرب بما يفوق 70%، وتشكل تحويلات المهاجرين المغاربة قرابة 9 مليارات يورو سنويا (8% من الناتج القومي الخام)، ويعيش في الاتحاد الأوروبي أكثر من خمسة ملايين مغربي. وتردد الرواية شبه المغربية بعداء الاتحاد الأوروبي للمغرب، ولنتساءل، هل قام الاتحاد الأوروبي بمنع صادرات المغرب إلى السوق الأوروبية؟ هل قام الاتحاد الأوروبي بمنع المساعدات عن المغرب؟ هل اشترط الاتحاد الأوروبي على المغرب عدم التعامل مع الولايات المتحدة أو الصين؟ لم يطالب الاتحاد الأوروبي المغرب بأي شيء من هذا، ويستمر في تقديم المساعدات المالية للرباط. هل موقف البرلمان الأوروبي في ملفات حقوق الإنسان هي نفسها من طرف شركاء آخرين؟ الجواب هو: نعم، لأن واشنطن طالبت بالإفراج عن المعتقلين الصحافيين وحراك الريف وباقي المعتقلين، وآخر طلب حدث الأسبوع الماضي عندما زارت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ميشيل شيسون الرباط. وبدورها، الأمم المتحدة طالبت المغرب بإنصاف المعتقلين السياسيين وبالخصوص الملفات الثلاثة المذكورة، حيث أصدرت مذكرات تطالب بتعويضهم. المؤامرة الأوروبية الحقيقية ضد المغرب لا تتجلى في ملف حقوق الأنسان، فهناك خروقات لا يمكن نفيها، بل يقبل المغرب بمساعدات مالية أوروبية لإصلاح قضائه وعليه تقبل النقد؛ المؤامرة الحقيقية هي توجه الغرب بأن لا يتوفر المغرب، شأنه شأن باقي الدول العربية، على الطاقة النووية. وكانت فرنسا قد وعدت المغرب سنة 2007 بمحطة نووية وأخلفت الوعد، ولم يبحث المغرب عن بديل رغم حاجته القصوى لمحطة نووية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه. المؤامرة الحقيقية هي عرقلة توفر المغرب على صناعة عسكرية، حيث لا يريد الأوروبيون تكرار سيناريو إيران وتركيا وباكستان مع التصنيع العسكري في دولة من الجنوب، علما أن المغرب لم يسطر برامج في هذا القطاع. المؤامرة هي أن يستقبل المغرب استثمارات خفيفة مثل تركيب السيارات، وغير جوهرية، مثل صنع المحرك، أي لا لتفويت تكنولوجيا التصنيع.
كاتب مغربي

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.