الشروق نيوز 24 / متابعة..
أطلق المغرب رسمياً مشاورات لـ”تجويد” المدرسة العمومية، عبر كامل مناطق البلاد، تحت شعار “تعليم ذو جودة للجميع”، وذلك قصد إرساء “خريطة طريق” تتضمن إجراءات محددة وملموسة من أجل بلوغ مدرسة الجودة والانفتاح وتكافؤ الفرص، حيث يطرح مشروع الأرضية لنقاشات ومداولات تمكّن من إغنائه بمقترحات يساهم فيها الجميع.
وفتحت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، العديد من فضاءات التفكير والنقاش أمام جميع الأطراف الفاعلة في هذا القطاع، سواء على صعيد أقاليم البلاد أو بمشاركة الجاليات المغربية المقيمة في الخارج؛ مع اقتراح سلسلة من التدابير للنقاش العام والتي شكلت ثمار العمليات السابقة الهادفة إلى تحسين النظام التعليمي الوطني، وذلك بهدف خلق بيئة تعليمية ملائمة، سواء بالنسبة للطلاب أو بالنسبة لكوادر هيئة التدريس الذين يطورون أداءهم في مؤسسات حديثة.
ووضعت مشروع خريطة طريق رامية إلى تنفيذ الأوراش ذات الأولوية خلال خمس سنوات مقبلة، تترجم خلاصة العديد من مسارات التشاور العمومي حول “تجويد” النظام التعليمي في المغرب، وتضم ثلاث رافعات كبرى متمثلة في تمكين الطالب من التعلمات الأساسية وضمان شروط استكمال المسار التعليمي الإلزامي، وتحفيز المدرّس والحرص على تدريبه وضمان مساهمته في تحقيق النجاح الدراسي للتلميذ، وتوفير مؤسسات تعليمية حديثة ومنفتحة وتعزيزها بفريق بيداغوجي يتحلى بروح المبادرة.
تعليم في الحضيض
تقارير محلية ومؤشرات دولية تضع التعليم في المغرب في المراتب الأخيرة، إذ كشف “مؤشر جودة التعليم العالمي” الصادر عن المنتدى العالمي في دافوس منتصف عام 2021، أن المغرب رتب في التصنيف الواحد بعد المائة (101) عالمياً، والتاسع عربياً من بين 13 دولة عربية.
واعتبر تقرير محلي لـ “الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم”، أن تدريس العلوم والرياضيات في المغرب يشهد أزمة عميقة؛ مع وجود فجوة كبيرة بين متطلبات المناهج على المستوى الدولي وبين ما يتم تدريسه بالفعل للطلاب المغاربة والذي لا يتوافق مع ما هو مقرر في المناهج الرسمية.
واعتبر “المجلس الأعلى للحسابات” أن المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية لم يُحقّق جميع أهدافه، كما لم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية. وكتب المجلس في تقريره حول “تقييم المخطط الاستعجالي” لوزارة التربية الوطنية: “يعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية لم يحقق جميع أهدافه. كما أنه لم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية، باعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كاف على بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة”.
وتابع المصدر نفسه: “لوحظ غياب القيام بتشخيص دقيق للوضعية الراهنة واتخاذ التدابير اللازمة قبل الشروع في تنفيذ أي برنامج، ثم تقييم المخاطر والتفكير في حلول بديلة”، مضيفاً أنه لم تؤخذ كذلك “في الحسبان القدرات التدبيرية لمختلف المتدخلين والشركاء في تنفيذه”. وعلاوة على ذلك، لاحظ المجلس الأعلى للحسابات غياب نظام معلوماتي مندمج للقيادة مع توفير الأدوات والآليات التي من شأنها توضيح الرؤية حول تطور المنجزات مصحوبة بنظام ملائم للتقييم.
وتحرص المشاورات الموسعة لتجويد المدرسة العمومية التي انطلقت مرحلتها التجريبية من جهة مراكش- آسفي لتستمر إلى غاية متم حزيران/ يونيو الجاري، على مشاركة موسعة تتوخى مساهمة الشركاء الأساسيين للوزارة ومكونات المجتمع المدني والخبراء المهتمين بالشأن التربوي، إلى جانب الجالية المغربية المقيمة في الخارج، وذلك في إطار “دينامية وطنية جماعية” تعتمد على “المقاربة التشاركية الموسعة”، وتروم هذه المشاورات “رصد الممارسات الفضلى والتجارب المبتكرة والأفكار المبدعة ذات الصلة بالشأن التربوي”.
ومن المنتظر أن تعرف هذه المشاورات عقد ما يقرب من 6200 مجموعة تركيز على مستوى البلاد ككل، و82 لقاء محلياً على مستوى الأقاليم والعمالات (المحافظات)، وحضور أكثر من 150 ألف مشارك في مختلف ورشات العمل المنظمة، بالإضافة إلى فتح منصة إلكترونية أمام مساهمة جميع المواطنين، بمن فيهم المقيمون في بلاد المهجر.
ويهدف هذا التنظيم العام للمشاورات إلى “ضمان الجودة في القرارات التي ستتخذ، والوقوف على الممارسات المبتكرة، إلى جانب مختلف الفاعلين حول ضرورة وجدوى التغييرات التي سيتم إعمالها مستقبلاً، حيث يظل الهدف هو رسم مسار لتنفيذ إصلاح مبتكر لمدرسة الجودة”.
بخصوص جدوى اللقاءات التشاورية، يرى منير الجوري، خبير في قضايا التربية والتعليم، أن هذا الأسلوب في التعاطي مع وضع برامج للإصلاح والنهوض بالمؤسسة العمومية هو شكل مطلوب ومقبول جداً.
وأضاف في تصريح لـ”القدس العربي” أن إشراك المعنيين والمتدخلين المباشرين في المنظومة التعليمية لا يمكن إلا أن يكون مثمراً ولا يمكن إلا تثمينه، مبرزاً أن أسلوب المقاربة التشاركية وإشراك المتدخلين حتى من خارج المؤسسة التعليمية نوع من الوعي بأن المدرسة لا يمكن أن تتحمل وحدها تبعات الإخفاقات التي وقعت فيها المنظومة التعليمية.
وفسر ذلك بأن “الوضع أصبح متشابكاً وتتدخل فيه عدة معطيات وعوامل تجعل من المدرسة المغربية أضعف من أن تتحمل هذا المشروع وهذه المهمة الثقيلة المرتبطة بتأهيل العنصر البشري داخل المجتمع”.
رؤية استراتيجية
حتى يكون للمشاورات دورها الأساسي، وفق المستشار في التوجيه التربوي متحدثاً لـ “القدس العربي”، لا بد من ضمانات يمكن من خلالها الشعور بأن ما يتم التداول فيه وما يتم تجميعُه من ملاحظات ومقترحات يمكن أن يكون له أثر على مستوى ما تخطط له الوزارة وما تتخذه من تدابير بشأن العملية الإصلاحية.
واستطرد قائلاً “إن المشاورات ينبغي أن تكون سابقة على التخطيط ووضع التصورات ونحن نعلم أن هناك رؤية استراتيجية قام بها المجلس الأعلى للتعليم وتم اعتمادها من طرف الوزارة وأصبحت تدبج بها كل المقررات والمذكرات الوزارية، بالإضافة إلى قانون الإطار الذي عرض على البرلمان وتمت مناقشته باستفاضة وكان فيه نقاش كبير خرج من أسوار المؤسسة البرلمانية وتم التداول فيه على مستوى واسع إعلامياً خاصة بعض بنوده المتعلقة بلغة التدريس وغيرها”.
وجواباً عن سؤال إن كانت هذه المشاورات يمكن أن تضيف شيئاً للترسانة القانونية، قال المتحدث: “لا أعتقد أن مخرجات هذه المشاورات سيتم تبنيها من أجل إعادة بناء الرؤية الاستراتيجية ولا تدقيق وتصحيح ما يعتمل القانون الإطار من اختلال، لكنها حتى وإن اعتمدت ستظل تُقارب بعض أوجه التنفيذ لا غير ولن يكون للأمر أثر كبير، لأنها تحدد الأهداف الاستراتيجية وتحدد المرامي والأبعاد، وما يناقش بعد ذلك لا يعدو أن يتعلق بما هو تقني وتدبيري، وهذا لا يلامس عمق المناقشة المطلوبة في مثل هذه السياقات”.
وانتقد الخبير التربوي ما سمّاه “القفز على المخططات السابقة تقييما وإبداء للرأي بشأنه من طرف المتشاور معهم”، وتذهب المشاورات مباشرة إلى البحث في بعض الإجراءات التدبيرية التي يمكن أن تساهم في تنزيل المخططات التي تعتبر مغلقة ولم تخضع للتداول داخل المشاورات، مبدياً مخاوفه من أن هذه المبادرة يمكن ألا تصل للطموحات التي يُروَّج لها إعلامياً، ولا تشكل ذلك المرتكز الذي يتم الاعتماد عليه من أجل الإصلاح.