النيابة العامة تعتقل موظفين وأرباب شركات بتهمة التلاعب في صفقات قطاع الصحة… وجمعية حماية المال العام تصف القرار بالجريء
أميط اللثام، أمس الأربعاء في المغرب، عن ملف قضائي من العيار الثقيل، يتعلق الأمر بمتابعة مجموعة من موظفي قطاع الصحة وأرباب شركات، مشتبهين بالتلاعب في صفقات عمومية خاصة بالمؤسسات التابعة للقطاع المذكور، إضراراً بالمال العام.
وكان برلمانيون وحقوقيون مغاربة أثاروا أكثر من مرة وجود ممارسات غير قانونية في ما يخص صفقات داخل وزارة الصحة، لا سيما تلك المتعلقة بالأجهزة والمستلزمات الخاصة بمحاربة وباء “كورونا”.
وأفاد بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه أن الشرطة القضائية قدّمت أمام النيابة العامة في الدار البيضاء 31 شخصاً مشتبهاً فيهم، من بينهم 18 موظفاً عمومياً بقطاع الصحة و13 شخصاً منهم أرباب شركات ومستخدمون.
وبعد استنطاق المعنيين، أمر قاضي التحقيق بإيداع 19 منهم رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن، فيما قرر إخضاع الباقي لبعض إجراءات الوضع تحت المراقبة القضائية، تراوحت بين إغلاق الحدود وإيداع كفالات مالية بصندوق المحكمة ضماناً لحضور إجراءات التحقيق.
وأوضح البيان أن النيابة العامة ستعمل على مواكبة إجراءات التحقيق، وتقديم الملتمسات المناسبة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المال العام ومحاربة كل أشكال الفساد المالي.
وأعلن الوكيل العام للملك (المدعي العام) لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، أن نتائج الأبحاث والتحريات أسفرت عن الاشتباه في تورط مجموعة من الكوادر والموظفين والمهندسين العاملين في المصالح المركزية والجهوية لقطاع الصحة وبعض أصحاب الشركات والمقاولات والمستخدمين فيها تمارس أنشطة تجارية ذات صلة بنفس القطاع، في ارتكاب أفعال منافية للقانون، تمثلت في تذليل وتسهيل تمرير ونيل صفقات عمومية خلال السنوات الفارطة تهم عمليات توريد واقتناء أجهزة ومعدات طبية مخصصة لتجهيز مستشفيات القطاع العام، مقابل الحصول على عمولات وتلقي مبالغ مالية ومنافع عينية.
وأشار البيان إلى أنه مراعاة لضرورة البحث، أمرت النيابة العامة بصفة احترازية بحجز ممتلكات بعض المتورطين المشتبه في تحصلها من الأفعال المنسوبة إليهم، كما مكنت الأبحاث والتحريات من حجز مبالغ مالية مهمة لدى بعض المشتبه فيهم.
وأضاف المدعي العام في بيانه أنه “على إثر دراسة النيابة العامة لوقائع الأبحاث المنجزة في الموضوع، عملت على تقديم ملتمس بإجراء تحقيق إلى قاضي التحقيق المكلف بقسم الجرائم المالية، من أجل الاشتباه في ارتكاب المعنيين بالأمر لجرائم مختلفة، تراوحت بين تكوين عصابة إجرامية، واإارشاء، والارتشاء، وتبديد المال العام، وتزوير محررات رسمية، وتزوير وثائق تصدرها الإدارة العامة واستعمالها، وإتلاف وثيقة عامة من شأنها أن تسهل البحث عن الجنايات والجنح وكشف أدلتها وعقاب مرتكبيها، والتحريض على ارتكاب جنح، وإفشاء أسرار مهنية”.
ووصفت “الجمعية المغربية لحماية المال العام” القرار بالجريء والشجاع، مشيرة إلى أنه يتجاوب مع مطالبها في ما يتعلق بالمطالبة بإجراء تحقيق في مواجهة العديد من المتهمين من كوادر مركزية وجهوية وموظفين ومهندسين يعملون في قطاع الصحة، فضلاً عن أصحاب شركات.
وقال المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المذكورة، إن القرار مهم، ولا يمكن إلا أن نثمنه، ويتعلق الأمر بعقل وحجز ممتلكات بعض المتهمين في هذه القضية المشتبه في تحصلها من الجرائم موضوع المطالبة بإجراء تحقيق، وهو إجراء من شأنه أن يوفر ضمانات لاسترجاع الأموال المنهوبة والمختلسة.
وكتب في صفحته الافتراضية: “سبق لنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام أن تقدمنا بشكاية إلى رئاسة النيابة العامة حول الاختلالات التي اعترت تدبير الصفقات العمومية خلال جائحة كورونا، وهي الاختلالات التي تحدث عنها تقرير رسمي صادر في الموضوع، وأثارت حينها نقاشاً مجتمعياً واسعاً حول شفافية هذه الصفقات، خاصة وأن مبالغ مالية ضخمة قد خصصت لها وتم تمرير هذه الصفقات بإجراءات استثنائية، خروجاً على القواعد والمساطر الواردة بمرسوم الصفقات العمومية”.
وأعرب عن أمله في أن تشكل هذه المناسبة فرصة لفتح هذا الملف قضائياً وترتيب الجزاءات القانونية المناسبة.
وأضاف الغلوسي أن هذه القضية تكشف كيف يتم استغلال مواقع المسؤولية العمومية للتلاعب بالمساطر وخرق القانون، إضراراً بالمجتمع وحقوقه في التنمية والعدالة ومراكمة الثروة بطرق مشبوهة من طرف مسؤولين وموظفين مؤتمنين على حقوق الناس”.
وأردف قائلاً: “يحدث هذا في الوقت الذي يعاني فيه قطاع الصحة من أمراض مزمنة، وتفتقر بعض المؤسسات الصحية والاستشفائية للإمكانيات الضرورية المادية والبشرية للقيام بأدوارها، ويضطر المجتمع لأداء تكلفة الفساد ونهب المال العام، مقابل إرضاء جشع وهوس بعض المسؤولين، وهو ما يفرض قانوناً على النيابة العامة المختصة فتح مسطرة الاشتباه في تبييض الأموال ضد المتورطين في هذه القضية، وحينها سيكتشف الرأي العام حجم الثروات التي راكمها البعض بطرق منحرفة”.
وخلص إلى القول إن قرار القضاء بمتابعة المشتبه فيهم “مؤشر إيجابي على التصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجسيد دور السلطة القضائية في تخليق الحياة العامة”.