لا يمكن تفسير ما وقع في الفنيدق ومليلية نهاية هذا الأسبوع إلى بجملة يثيمة تدمي القلب وتنبه لما هو أسوء. إنه إنهيار تام للدولة الاجتماعية وإنطلاق شرارة حراك شعبي جديد لا أحد يستطيع التنبؤ بمٱلاته.
بدأ كل شيء بتدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي. تدوينة منتظرة من شباب قتلهم اليأس والانتظار وأنهكتهم الحقيقة المرة التي تغطيها أبواق النظام الفاسد الذي نهب خيرات البلاد وقزم مشروع “تنزيل الدستور” في الجملة المعلومة “باك صاحبي.. وعاش سيدنا”.
بداية النهاية..
الإعلام الرسمي يواصل الضحك على الذقون بتمرير خطابات “العام زين” بينما تصدح أبواقه بالتفائل وضرب سمعة الأصوات الحرة متهمة تارة المناضلين بأبشع التهم وتارة أخرى بتبخيس نداءاتهم الوطنية.
وها نحن اليوم نعيش مع النظام الفاسد وأتباعه أبشع اللحظات بعد قرار الشعب ترك الوطن واللجوء إلى الأمان والديمقراطية الحقة.
فالأرض واحدة لكن الحكومات والملوك ليسوا سيان. سبتة المحتلة مغربية لكن يحكمها ملك عادل يحترم شعبه ولا يفضل من يدفء فراشه ليلا على باقي رعيته كما هو الحال عندنا. فلا مكان لأبو زعيتر وإخوانه في قصر ملك اسبانيا ولا وجود لأمثال فؤاد عالي الحمة وياسين المنصوري وعبد اللطيف الحموشي… ولا مثيل لديهم لعزيز أخنوش ووزراءه ولا حتى برلمانيي “جلالته” أو عماله وسفراء “سيدنا”.
فلماذا إذن يهرب الشعب اليوم من “أجمل بلد في العالم” ؟
السؤال سطحي في أعين الطبالة والغياطة الذين يلمعون صورة النظام الديكتاتوري ولا يوصلون الصورة المقيتة والبئيسة لحال الوطن والظروف الصعبة التي يتخبط فيها الشعب. أما الجواب فهو قديم وعميق. لقد فشل النظام في تسيير شؤون البلاد والعباد بعناده وأنانيته ونهبه المال العام وقهر الشعب. وبالتالي نعيش اليوم انهيار الدولة الاجتماعية بهيمنة فئة “خذام سيدنا” وذويهم وراقصاتهم ومثلييهم على الوطن وخيراته. فلا شيء يبقي الشعب في وطنه المنبهوب بعدما صبر طويلا على غطرسة “سيدنا” وجشعه.
انطلاق شرارة حراك جديد وارتباك النظام.
خرج إعلام المخزن بثلاث روايات للتمويه وتبخيس هذه الحركة الاجتماعية الخطيرة والمعبرة عن مشاعر اليأس والغضب التي يخفيها المغاربة (الهجرة الجماعية). أولها أن الجزائر و”الخونة”( المعارضون طبعا) هم من “غرر” بالشباب قصد الهروب الجماعي من قهر “سيدهم” لهم. والرواية الثانية أن “المغرب يلعب بهذه الورقة للضغط على أوربا” من أجل المزيد من الدعم لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وذلك في محاولة فاشلة لإخفاء فشل “مخابرات الحموشي” في إحتواء هذا “الفرار الجماعي” وعدم تنبئها الاستباقي بتنظيمه كما تفعل في مسرحياتها ضد “الارهاب”.
بينما تبقى الرواية الثالثة هي الأكثر إحتقارا لذكاء الشعب الذي عبر هذه المرة بالفعل وليس بالقول عن سخطه عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تتخبط فيها البلاد. فقد عبرت بعض الأبواق البوليسية المخزنية عن سخطها عن هذا “الحراك” واصفة إياه بعمل ارهابي يقود مساعي “جلالته” في النهوض بالبلاد والعباد. وتشير هذه الأبواق المأجورة طبعا إلى شخصيات وطنية تعارض الطريقة التي يسير بها الملك الأمور. هذا الملك الذي انزوى للملذات والشهوات تاركا البلاد والشعب بين أيدي “عصابة” لا تترك صغيرة ولا كبيرة للمواطنين.
حراك اليوم ليست عملية هجرة غير شرعي وإنما هو “طلاق” بين شعب صبور وملك مستهتر. الدعوة إلى الذهاب بلا عودة التي دعى إليها مغاربة ونفذها مئات الٱلاف من إخوانهم ليست سوى بداية النهاية لنظام تسلط على الرقاب وتجبر وطغى ونهب وقتل واغتصب شعبا بأكمله.
فكيف يكون ل”ملك” وجودا من دون شعب ؟ ولهذا حشد “ابليس” (الحموشي) أتباعه ونفذ أوامر “فرعون” (سيدنا) وتربص ب”الفارين” من سجن “أجمل بلد في العالم” ليحتجزهم ضاربا القوانين الكونية التي تعطي الحق لكل انسان في اختيار وطن له أو اللجوء إلى أي نقطة ٱمنة تصان فيها كرامته وحقوقه. أما كهنة المعبد (البرلمانيين والمستشارين والأحزاب والنقابات… ) فقد أنزل “فرعون” على ٱذانهن وقرا وألجم ألسنتهم بعدما جفف الدم المغربي من عروقهم بصكوك الغفران (مأذونيات النقل والفيلات الفخمة والمناصب العليل..).
فليكن هذا الشهر شهر الافراج عن شعب المغرب المعتقل. الهجرة الجماعية مطلب شعبي لا يقل أهمية عن زوال الطغاة والطغيان.
عاش الوطن، عاش الشعب.
إلى الأمام دائما وأبدا.
عبد الله بلعربي – طهران.