اليهود كانوا أبرز ضحايا الفاشيّة الأوروبيّة الأُولى في الحرب العالميّة الثانية.. فهل يحل المُسلمون مكانهم في الحرب العالميّة الثالثة؟ ولماذا نعتبر موجة اكتِساح اليمين المُتطرّف المشهد السّياسي في إيطاليا والسويد وبريطانيا وفرنسا أبرز المُؤشّرات؟ وهل ستكون أزَمات الحرب الأوكرانيّة الاقتصاديّة هي “المُفَجِّر”؟

Advertisement

الأزمة الاقتصاديّة الطّاحنة التي ضربت أوروبا بعد الحرب العالميّة الأولى، وبالتّحديد في أعوام 1927 و1928 و1929، أدّت إلى صُعود اليمين الفاشي النازي لسُدّة الحُكم في كُل من ألمانيا وإيطاليا ودول أوروبيّة أُخرى، ويبدو أن الحرب الأوكرانيّة التي حرّضت، وتُحرّض عليها الولايات المتحدة لتغيير النّظام في روسيا وتفتيتها ستُؤدّي إلى نتائجٍ مُماثلة، إن لم تكن أكثر نازيّةً وفاشيّةً، في ظِل الانهِيار الاقتصادي الأوروبي المُتصاعِد.
اليمين المُتطرّف انتصر في بريطانيا وأخرجها من الاتّحاد الأوروبي، وها هو ينتصر في السويد، ويتقدّم في فرنسا، ودول أوروبيّة أُخرى، لكن يظل فوز جورجيا ميلوني رئيسة حزب “فراتيلي ديالتا” (أخوة إيطاليا) برُبع المقاعد في البرلمان الإيطالي، وبات من المُرجّح أن تُصبح أوّل إمرأة تتزعّم الحُكم في إيطاليا هو المُؤشّر الأبرز على اكتِساح اليمين الفاشي القارة الأوروبيّة، وتغيير مسارها التّاريخي، وقتل الحريّات، وقيم العدالة والمُساواة، والقضاء المُستقل لمُواطنيها، وهي القيم التي قادت إلى ازدِهارها واستِقرارها بعد الحرب العالميّة الثانية، أيّ لحواليّ 80 عامًا.
الفاشيّة الأوروبيّة الأُولى التي قادت إلى الحرب العالميّة الثانية، مُسْتَغِلَّةً الأزمة الاقتصاديّة كانت تُعادي اليهود وتُحمّلهم المسؤوليّة، لكنّ الفاشيّة الجديدة تضع المُسلمين على قمّة أعدائها، وتُؤكّد تحالفها مع اليهود، وعبّرت السيّدة ميلوني عن هذا التحوّل في جميع حملاتها الانتخابيّة، ومُقابلاتها التلفزيونيّة، وأكّدت أنها لا تُعادي اليهود.
أوّل تصريح أدلّت به السيّدة ميلوني المعروفة بإعجابها الشّديد بالفاشي موسيليني وبطبيعة الحال بحليفه هتلر، وإن مُواربةً، أكّدت فيه على أنها ستعمل على إغلاق الحُدود الإيطاليّة في وجْه “الأسلمة” ومُراجعة المُعاهدات مع الاتّحاد الأوروبي، تمهيدًا لإحياء الهُويّة القوميّة الإيطاليّة.
أزمة الطّاقة التي تضرب أوروبا هذه الأيّام، وغلاء المعيشة المُتصاعد، وتراجع أسعار اليورو والإسترليني، مُقابل ارتفاع أسعار الدولار والروبل، وانسِداد كُل الأبواب في وجْهِ حلٍّ سياسيٍّ يُوقِف أخطار الحرب الأوكرانيّة، كلّها عوامل ستَصُبّ في خدمة الفاشيّة الأوروبيّة وأحزابها العُنصريّة المُتطرّفة، وتُوَفِّر لها أسباب الصُّعود إلى الحُكم.
ومثلما جرى تحميل اليهود مسؤوليّة الأزمات الاقتصاديّة التي ضربت القارة قبيل الحرب العالميّة الثانية، فإنّنا لا نستبعد أن تتزايد حملات الكراهيّة والشّيطنة ضدّ الجاليات المُسلمة، وتحويلها إلى كَبْشِ فِداء، وتحميلها مسؤوليّة كُل الأزمات الاقتصاديّة الأوروبيّة، ووضْع برامج لترحيلها تبدأ بالاعتِداءات العُنصريّة ضدّها، وهُناك مُؤشّرات واضحة في هذا الصَّدد، مِن ضِمنها قوانين بسحب الجنسيّة من المُهاجرين القُدامى، وحجْبها كُلِّيًّا عن المُهاجرين الجُدُد.
الفاشيّة العُنصريّة مُنِيَت بهَزيمةٍ كُبرى في الحرب العالميّة الثانية لأنّ “أمريكا الليبراليّة” في حينها وضعت كُل ثُقلها ضدّها، والمُؤلم أن هذه الليبراليّة الأمريكيّة تتآكل بشَكلٍ مُتسارع وتتحوّل إلى ليبراليّة استعماريّة، وباتَ اليمين الأمريكي العُنصري المُتطرّف هو الأقوى، ويُمكن أن يعود إلى السُّلطة برئاسة دونالد ترامب أو أمثاله في غُضون عامين، ومن غير المُستَبعد أن يتحالف اليمين العُنصري الأمريكي الأبيض مع الأحزاب الفاشيّة الأوروبيّة ويُعزّزها، إذا لم يتم التصدّي لهذه الفاشيّة الأوروبيّة بأسْرعِ وَقتٍ مُمكن.
موسيليني وهتلر عائدان ولكن بفاشيّةٍ جديدةٍ أكثر تطوّرًا، وعبر صناديق الاقتراع، واستِغلالًا لأزمات أوروبا الحاليّة المُتفاقمة، وقد يكون العرب والمُسلمين هُم الضّحايا الجُدُد، مُهاجرين كانوا أو مُقيمين في بُلدانهم.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.