الرباط : تزامن انطلاق دورة جديدة لتظاهرة «المعرض الدولي للفلاحة»، أمس الثلاثاء، في مدينة مكناس المغربية، مع تنامي النقاش حول جدوى ما سمي «مخطط المغرب الأخضر»، وهي خطة حكومية لتنمية الزراعة أطلقها رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، حينما كان وزيراً للفلاحة منذ عام 2008، قبل أن تتحول تسميتها إلى «الجيل الأخضر» لتشمل الفترة الممتدة من 2020 إلى 2023.
وتنصبّ الانتقادات الموجَّهة لخطة أخنوش الزراعية كونها أعطت أهمية خاصة لصادرات الفواكه والخضراوات نحو أوروبا وإفريقيا، واستنزاف الثروة المائية التي تستهلكها بعض المنتجات، والتحول نحو استيراد الأبقار والأغنام. وخلّفت تلك الخطة انعكاسات سلبية على المستهلك المغربي، إذ يواجه المغرب أزمة غير مسبوقة على مستوى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلاً عن مشكلة التضخم التي قال عنها أحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، إنها مشكلة حقيقية هيكلية للاقتصاد المغربي، بسبب نقص العرض، وخاصة الزراعي، كما أن نسبة التضخم المرتفعة التي تعرفها المملكة (10,1 في المئة) ليست مرتبطة بارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية، بل إنها ناتجة أساساً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي يتم إنتاجها محلياً، وهو التحليل نفسه الذي سبق أن ذهب إليه بنك المغرب.
وكان موقع «ميديا 24» نقل عن المسؤول المغربي قوله إن التضخم راجع بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي شهدت زيادة بأكثر من 20 في المئة خلال هذا العام، وهذا الوضع يحتاج إلى ثورة زراعية من أجل تغيير نظام الإنتاج، وهو تقييم جد سلبي يضرب بشكل مباشر مختلف النتائج التي تم الترويج لها حول مخطط «المغرب الأخضر»، محذراً من تفاقم الوضعية.
وبدا مثيراً للاستياء والسخرية التصريح الذي سبق لوزير الفلاحة، محمد الصديقي، أن فسّر به ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المغرب، حيث أرجع ذلك إلى «عوامل خارجية ودورية» مثل ارتفاع تكلفة المواد الأولية وموجات البرد التي أخّرت قطف الطماطم.
بالنسبة للمندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي، فإن هذه الأزمة تطرح تساؤلات حول جدوى النموذج الزراعي المغربي، خاصة وأن هذا القطاع، الذي يمثل 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و14 في المئة من الصادرات، يتعرض للجفاف المتكرر ولتبعاته نتيجة تغير المناخ.
ويرى الميلودي المخارق، أمين عام نقابة «الاتحاد المغربي للشغل»، أنه «رغم كل السياسات والاستراتيجيات والبرامج للقضاء نهائياً على الفقر، وتحسين القطاع الفلاحي، لم يستطع المغرب إلى اليوم توفير الأمن الغذائي خاصة بالنسبة لعدد من المواد الأساسية، استجابة لحاجيات المواطنين، واستقرار الأسعار حفاظاً على القدرة الشرائية للمواطن، وذلك بسبب اعتماد الزراعة الوطنية أساساً على التصدير، دون أن نضمن الأمن الغذائي للمواطنين». وتساءل النقابي المغربي في كلمة ألقاها في تجمع خطابي بمناسبة عيد العمال العالمي: «كيف يمكن أن نستوعب كون المساحة المخصصـة للحبوب تفوق 50 % من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة، لكننا لا نحصل على الاكتفاء الذاتي في خُبزنا؟ ولم نستطع الانتقال إلى أنظمة غذائية وزراعية مستدامة عبر حماية سلاسل الإنتاج والتوريد المحلي وجعلها أكثر مُرونة، وخلق مناصب الشغل الكافية والقارة لتقليص الفقر وتأمين الـتغـذية الــمناسبة للجميع».
الملاحَظ أيضاً أن المغرب، لأول مرة ومنذ سنوات عديدة، فَقَدَ حتّى اكتفاءه الذاتي في قطاعات معينة مثل اللحوم الحمراء، ومن ثم وجدت الحكومة نفسها مطالبة باللجوء إلى الواردات من البرازيل، لتلبية الطلب على لحوم البقر مع كل الجدل الذي تسببت فيه هذه العملية. وفي عيد الأضحى المقبل، تستعد حكومة أخنوش أيضاً لاستيراد مليون رأس غنم من إسبانيا. ويقدر اتحاد منتجي اللحوم والألبان والمنتجات الزراعية أن الأسواق ستشهد انخفاضاً بنسبة 30 في المئة على مستوى رؤوس الأغنام، في حين اعتاد المواطن منذ سنوات عديدة على سماع المسؤولين يطمئنونهم من كون الأعداد الكافية من الأغنام المحلية كافية لسد احتياجات الأسر المغربية من لحوم الأضاحي لأداء تلك الشعيرة الدينية.
وخلال رمضان المنصرم، شهدت العديد من المدن المغربية وقفات احتجاجية بسبب غلاء المعيشة وعدم تحرك الحكومة لمحاربة التضخم. ويلاحظ مواطنون أن الأسعار المرتفعة للخضار في الأسواق المغربية تكاد تقترب مما هو موجود في البلدان الأوروبية، رغم أن الحد الأدنى للأجور في المغرب أقل بخمس مرات مما هو موجود لدى أقطار القارة العجوز.
ومثلما يسجل أحد المحللين، فإن النموذج الزراعي القائم على الصادرات الذي تعتمده حكومة عزيز أخنوش صار موضع تساؤل، بسبب التضخم القياسي الذي أثار غضب السكان. ولم تساعد الحصة المفروضة على الصادرات إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء في تنظيم السوق المحلية.
ويدعو المحلل حفيظ الجاي، في مقال منشور في موقع «لوبرييف» الناطق بالفرنسية، إلى إعادة توجيه السياسة الزراعية لصالح استراتيجية تضمن السيادة الغذائية للبلد؛ كما يلاحظ أن الحكومة المغربية تواجه تحدياً آخر، ذلك أن إصلاح نظام التسويق يفسده الوسطاء الذين يستغلون الوضع لكسب ثلاثة إلى أربعة أضعاف القيمة الحقيقية للمنتجات». ورغم تصريحات الحكومة بشأن عدة إجراءات لمحاربة المضاربين، فإنه من المسلم به أن هذه الإجراءات لم تسفر عن النتائج المتوقعة، كما أقر بذلك الوزير المتحدث الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس.