مرت ستة أشهر على سحب الجزائر لسفيرها من العاصمة مدريد بسبب تغيير الأخيرة لموقفها من نزاع الصحراء الغربية، وتشير كل التطورات إلى استمرار الأزمة رغم مساعي إسبانيا للمصالحة. ويبدو أن عودة الحوار ستكون مع حكومة مقبلة مختلفة عن الحالية بزعامة بيدرو سانشيز. وكانت المفوضية الأوروبية قد أخبرت مدريد بصعوبة الوساطة.
وتبرز وكالة الأنباء “أوروبا برس” في تقرير لها منذ يومين كيف تدهورت العلاقات بين البلدين منذ قرار الجزائر سحب سفيرها من إسبانيا منتصف مارس/آذار الماضي عندما كشفت الرباط عن مضمون الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي محمد السادس، يؤكد فيها على أهمية الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء. وتفاقمت أكثر خلال يونيو الماضي عندما كرر سانشيز في البرلمان دعمه المطلق للمقترح المغربي، وكان الرد الجزائري هو تعليق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين وتجميد التبادل التجاري باستثناء صادرات الغاز.
تقرير وكالة أوروبا برس يبرز كيف لم ينجح الاتحاد الأوروبي في الضغط على الجزائر لاستئناف التبادل التجاري مع إسبانيا، بل قامت دول أوروبية بتعزيز علاقاتها مع الجزائر مثل حالتي إيطاليا وفرنسا، الأمر الذي ترك مرارة دبلوماسية لدى مدريد.
بعد قيام باريس وروما بتعزيز العلاقات مع الجزائر لا سيما الحصول على كميات إضافية من الغاز، وهي الكميات الإضافية التي كانت تحصل عليها إسبانيا، ثم ضغط الشركات الإسبانية التي فقدت السوق الجزائرية، بدأت مدريد بمغازلة الجزائر. وصدرت تصريحات كثيرة عن مسؤولين على رأسهم رئيس الحكومة ثم وزير الخارجية مانويل ألباريس تبعث برسائل التهدئة والمصالحة الى الجزائر ومنها أن موقف إسبانيا من الصحراء لا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، لكنها لم تحدث أي تأثير.
وبدأت كل معطيات واقع العلاقات بين البلدين، تظهر كيف وضعت الجزائر إسبانيا في موقف صعب للغاية، فمن جهة، دفعتها الى البحث عن مصادر بديلة للغاز للحصول على كميات إضافية، وأساسا من السوق الروسية ومن السوق الأمريكية بأسعار مرتفعة، ومن جهة أخرى، تريد رفع تسعيرة الغاز الذي تستورده إسبانيا لا سيما في ظل استعداد فرنسا وإيطاليا لتقديم أسعار أكثر من إسبانيا. وقبلت شركة نوترجي الإسبانية التي تقوم باستيراد الغاز بشروط الجزائر رفع السعر في تجديد الاتفاقية المقبلة مخافة أن تبقى بدون غاز مستقبلا.
وبقي السؤال في الأوساط الدبلوماسية والاقتصادية الإسبانية هو: ما هي الاستراتيجية التي يجب أن تنهجها إسبانيا لاستعادة العلاقات مع الجزائر؟ وذلك لضمان استمرار تدفق الغاز واستئناف المبادلات التجارية. وتجد حكومة مدريد الحالية نفسها في موقف حرج، فقد جرت مباحثات سرية مع الجزائر خلال منتصف أغسطس/آب الماضي. ولم تنجح هذه المفاوضات لأن الجزائر وضعت شرطا أساسيا وهو إصدار مدريد بيانا تؤكد فيه أنها تعترف بالحدود الدولية للمغرب، غير أن إسبانيا رفضت، ولا تستطيع تطبيق مثل هذا الطلب لأنه يعني التراجع عن دعم الحكم الذاتي، وبالتالي التسبب في أزمة عويصة مع المغرب.
في الوقت ذاته، علمت جريدة “القدس العربي” من أوساط أوروبية أن المفوضية الأوروبية أبلغت مدريد صعوبة الوساطة مع الجزائر لحل الأزمة الحالية بسبب رفض هذا البلد المغاربي قبول أي وساطة ومصالحة إذا لم تضم إعادة النظر في ملف الصحراء. وكان المفوض الأوروبي المكلف بالعلاقات الخارجية والدفاع جوزيب بوريل قد حاول ترطيب الأجواء بين إسبانيا والجزائر، وذلك عندما صرح لوكالة الأنباء “إيفي” نهاية أغسطس/آب بأن موقف إسبانيا من الصحراء هو نفس موقف الاتحاد الأوروبي، أي دعم الأمم المتحدة وتقرير المصير. وقام لاحقا بتعديل تصريحاته بالاقتصار على قرارات الأمم المتحدة بعد احتجاج من مدريد.
وتفيد كل المعلومات والتحاليل بأن استئناف العلاقات مع الجزائر سيكون بعد الانتخابات الإسبانية وفرضية قدوم حكومة جديدة باستثناء إذا تبنت إسبانيا سياسة غير مستقرة مثل كينيا والبيرو بدعم مقترح الحكم الذاتي ثم التراجع عنه.