بوتين يأمر بوقف إطلاق النار في أوكرانيا وتركيا تتحرك لتفعيل الوساطة وموسكو تتهم واشنطن بإطالة عمر الحرب.. والقتال يشتد
موسكو- (أ ف ب)-( د ب ا)- أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيشه الخميس بوقف إطلاق النار في أوكرانيا من ظهر يوم الجمعة وحتى فجر الأحد بمناسبة عيد الميلاد الأرثوذكسي، في هدنة هي الأولى من نوعها منذ بدء الحرب قبل حوالى عام لكنّ كييف اعتبرتها ضرباً من “النفاق” ومحاولة لكسب الوقت.
وغداة إعلان فرنسا عن نيّتها إرسال دبابات خفيفة إلى أوكرانيا، تعهّدت الولايات المتحدة وألمانيا تسليم كييف مركبات مشاة قتالية من طراز “برادلي” من الجانب الأميركي و”ماردر” من الجانب الألماني.
كما التزمت برلين بتوفير منظومة دفاع جوي من طراز “باتريوت”، لتحذو بذلك حذو واشنطن.
وبادر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الإشادة بـ “قرار جدّ مهمّ”، شاكراً الزعيمين الأميركي والألماني.
وندّد الرئيس الأوكراني بقرار بوتين وقف إطلاق النار بمناسبة عيد الميلاد الأرثوذكسي، إذ رأى فيه “حجّة هدفها وقف تقدّم جنودنا في دونباس وتوفير العتاد والذخائر وتقريب رجال من مواقعنا، على أقلّ تقدير”، مضيفاً “ما الحصيلة؟ مزيد من القتلى”.
وأتى تصريح زيلينسكي بعيد إعلان بوتين أنّه أمر بوقف إطلاق النار في أوكرانيا تلبية لنداء بهذا المعنى وجهّه البطريرك الأرثوذكسي الروسي كيريل، وإثر اقتراح من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أجرى مكالمة هاتفية صباح اليوم نفسه مع نظيره الروسي.
وقال بوتين بحسب بيان للكرملين إنّه “استجابة لدعوة قداسته البطريرك كيريل، أوجّه إلى وزير الدفاع الروسي ببدء تطبيق وقف لإطلاق النار على كل خط التماس بين الطرفين في أوكرانيا اعتباراً من الساعة 12,00 في السادس من كانون الثاني هذه السنة حتى الساعة 24,00 في السابع من كانون الثاني/يناير”.
– “متنفّس” –
ودعا بوتين القوات الأوكرانية إلى التقيّد بهذه الهدنة كي تتيح لأتباع الطائفة الأرثوذكسية، كبرى الديانات في كل من أوكرانيا وروسيا على السواء، “حضور قداديس ليلة الميلاد ويوم ولادة المسيح”.
وسيكون وقف إطلاق النار هذا أول هدنة ذات طابع عام منذ بدء الحرب، إذ لم تبرم في السابق سوى اتفاقات محلية مثلا لإجلاء المدنيين من مصنع أزوفستال في ماريوبول (جنوب شرق أوكرانيا) في نيسان/أبريل.
وصرّح مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخائيلو بودولياك من جهته في تغريدة على تويتر “ينبغي لروسيا أن تغادر الأراضي المحتلة، فعند ذلك فقط تقام +هدنة مؤقتة+. نفاقُكم لا يسري علينا”.
وفي واشنطن قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنّ بوتين يسعى من خلال هذه الهدنة إلى “متنفّس”.
واستهزأ بايدن بنظيره الروسي قائلاً إنّ بوتين “كان مستعدّا لقصف مستشفيات وروضات وكنائس… في الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر وليلة رأس السنة”.
واعتبرت الخارجية الألمانية من جهتها أن وقف إطلاق النار الروسي “المزعوم” في أوكرانيا بمناسبة عيد الميلاد الأرثوذكسي لن يجلب “لا الحرية ولا الأمان للأشخاص الذين يعيشون في خوف كلّ يوم تحت الاحتلال الروسي”.
وقالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في تغريدة “إذا كان بوتين يريد السلام، كان ليعيد جنوده إلى الديار وكانت الحرب لتنتهي. لكنه يريد على ما يبدو مواصلة الحرب، بعد توقّف وجيز”.
أما الخارجية البريطانية، فرأت أن وقف إطلاق النار هذا “لن يفعل شيئاً لتعزيز آفاق السلام”.
وقال الوزير جيمس كليفرلي في تغريدة عبر تويتر إنّ “وقف الهجمات الروسية لمدّة 36 ساعة لن يفعل شيئاً لتعزيز آفاق السلام. يجب على روسيا أن تسحب قواتها بشكل دائم، وأن تتخلّى عن سيطرتها غير الشرعية على أراض أوكرانية، وأن تضع حدّاً لهجماتها الوحشية ضدّ مدنيين أبرياء”.
– وساطة تركية –
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان دعا بوتين إلى “وقف إطلاق نار أحادي الجانب” في أوكرانيا.
وقال إردوغان لبوتين خلال اتصال هاتفي، بحسب بيان نشرته الرئاسة التركية، إنّ “الدعوات إلى السلام والمفاوضات بين موسكو وكييف يجب أن تكون مدعومة بوقف إطلاق نار أحادي الجانب”.
وردّ بوتين بأنّ روسيا منفتحة على “حوار جاد” مع أوكرانيا شرط أن تقبل السلطات الأوكرانية “الوقائع الجديدة على الأرض” عقب الهجوم الروسي.
وأعلنت روسيا في أيلول/سبتمبر ضمّ أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها جزئيا أو بالكامل، على غرار ما فعلت مع شبه جزيرة القرم التي ضمتها في العام 2014.
ويرفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التفاوض مع بوتين، مشددا على استعادة كييف كل الأراضي المحتلة بالوسائل العسكرية.
وندّد بوتين مرة أخرى خلال محادثاته مع إردوغان بـ”الدور المدمّر للدول الغربية” في النزاع، من خلال مدّ كييف بالأسلحة التي تشكل عنصرا أساسيا في حربها ضد موسكو.
واتهم الرئيس الروسي الدول الغربية “بتقديم أسلحة ومعدات عسكرية لنظام كييف وتزويده بمعلومات وأهداف عملياتية”.
ولم تشارك تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بالعقوبات المفروضة على روسيا، وتحاول الحفاظ على موقع الوسيط بين كييف وموسكو. ولعبت دورا رئيسيا في اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.
وتواصل الرئيس التركي صباح الخميس أيضا مع نظيره الأوكراني لكن من دون التطرّق إلى “وقف لإطلاق النار أحادي الجانب”.
– مزيد من القتلى –
وتأتي الدعوات إلى الهدنة بعد ضربة نفّذها الجيش الأوكراني ليلة رأس السنة أدت إلى مقتل 89 عسكريا روسيا على الأقل في ماكيفكا في شرق أوكرانيا.
وفي خطوة نادرة، اعترف الجيش الروسي بحدوث القصف الدامي الذي أثار انتقادات في روسيا للقيادة العسكرية.
وذكرت وسائل الإعلام الروسية أن المبنى في ماكيفكا دُمّر في هجوم نُفّذ باستخدام أنظمة صواريخ هيمارس حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة، وكان يضم مئات الجنود غير المحترفين الذين تم تجنيدهم حديثاً.
وتواصلت المعارك على الجبهة الأوكرانية الخميس، لا سيما في باخموت، المدينة التي تحاول القوات الروسية بدعم من عناصر مجموعة فاغنر الروسية المسلحة الاستيلاء عليها منذ الصيف، ما يؤدي إلى دمار كبير وخسائر فادحة لدى الجانبين.
وقتلت امرأة مع ابنها البالغ 12 عاما في قصف روسي على بيريسلاف، بالقرب من خيرسون، في الجنوب، بحسب كيريلو تيموشنكو رئيس مكتب فولوديمير زيلينسكي.
وقضى شخصان أيضاً وجرح ثلاثة في ضربة على بلدة في محيط زابوريجيا في الجنوب، على ما أفاد حاكم المنطقة ألكسندر ستاروخ.
وأفاد سكان من مدينة تشاسيف يار في الشرق مراسلي وكالة فرانس برس الخميس أنّ صاروخا روسيا استهدف مبنى قبيل ساعات الصباح الأولى، متسببا بجرح رجل وامرأة.
إلى ذلك اتهم السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف واشنطن بعدم الرغبة في إنهاء الحرب في أوكرانيا، التي بدأتها موسكو قبل أكثر من 10 أشهر، بعد إعلان أمريكا تزويد كييف بناقلات جند مدرعة.
وقال أنتونوف في واشنطن يوم الخميس، إن جميع التحركات الأمريكية الأخيرة تظهر بشكل مباشر أن واشنطن ليست لديها رغبة في حل سياسي في أوكرانيا، وفقا لما ذكرته وكالة تاس الروسية الحكومية.
وأضاف السفير الروسي: “ينبغي ألا يكون هناك أدنى شك لأي أحد بشأن من هو المسؤول عن إطالة أمد الصراع الأخير”.
وتأتي هذه التصريحات بعد إعلان الولايات المتحدة وألمانيا تزويد أوكرانيا بناقلات جند مدرعة، وهي أول مركبات قتال مشاة ذات تصميم غربي ستتسلمها كييف.
ويأتي هذا الإعلان بعد قرار فرنسي بتوريد مركبات استطلاع وصفت بـ”الدبابات الخفيفة” في وقت سابق هذا الأسبوع.
وقال أنتونوف إن الأسلحة التي تم تسليمها إلى كييف تفتقر إلى “الطبيعة الدفاعية” كما تدعي الدول الغربية.
وأضاف السفير الروسي أن قرار الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بمركبات برادلي القتالية للمشاة يعد تأكيدا على أن “الولايات المتحدة لن تستمع إلى الدعوات المتكررة من الجانب الروسي لأخذ التداعيات المحتملة لمثل هذا المسار الخطير لواشنطن في الاعتبار”.