أعربت جل التنظيمات النقابية في المغرب عن استعدادها للاحتفال بيوم العمال العالمي الذي يتم تخليده كل سنة في أول أيار/ مايو، ولعلَّ الخيط الذي يجمع هذه النقابات هو استنكارها استنزاف جيوب المواطنين المغاربة والضغط على القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمتوسطة في المجتمع وتفاقم ديون الأسر المغربية.
ووجهت النقابات سهام انتقادها للحكومة المغربية، رافضة ما سمّته “موقفها المتفرج وتواطؤها الضمني أمام الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات وأسعار المواد الغذائية الرئيسية”، داعية إلى التوقيف الفوري للهجوم على القدرة الشرائية للمواطنين والحد من ارتفاع الأسعار عبر سن إجراءات وتدابير نظام المقاصة، ومراجعة قانون حرية الأسعار والمنافسة.
ولاحظ مصدر إعلامي أنه بالرغم من التحالف الحكومة والتأكيد باستمرار على الانسجام الحكومة، فإن النقابات التابعة لأحزاب الأغلبية استغلت مناسبة عيد العمال الأممي لتحاصر رئيس الحكومة عزيز أخنوش بمزيد من المطالب، مع دق ناقوس الخطر من أزمات أمن غذائي وطاقية ودوائية تحيط بالبلاد.
وحمّلت “المنظمة الديمقراطية للشغل” الذراع النقابية لحزب “الأصالة والمعاصرة” المغربي المشارك في الائتلاف الحكومي بالمغرب، تدهور القدرة الشرائية للمواطن المغربي لاستمرار ارتفاع الأسعار، وطالبت بالزيادة في الأجور وفي معاشات التقاعد بالقطاعَين العام والخاص، والإسراع في معالجة الملفات العالقة لتمكين عموم المواطنين من مواجهة الزيادات الفاحشة في الأسعار ووضع برامج لتوظيف الشباب العاطل وتكون بعيدة عن استنساخ التجارب السابقة الفاشلة.
وحذرت في بيان لها، الحكومة من أزمة أمن غذائي إن لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتمكين المغرب من مخزون استراتيجي غذائي وطاقي ودوائي، لافتة إلى أن الحكومة الحالية يطبعها ضعف الأداء خاصة لدى بعض الوزراء الذين يلجأون إلى الشعارات الجوفاء والشعبوية عبر تصريحات تمس مكتسبات الشعب المغربي ونضاله من أجل العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.
واعتبرت النقابة أن كل هذا يحصل في ظل “هشاشة الاقتصاد وتباطؤ النمو وارتفاع معدل التضخم وفشل البرامج الاستثمارية العمومية، فضلاً عن ضعف المخزون الأمني للمواد الذي لا يتجاوز أربعة أشهر، وضعف الاكتفاء الذاتي واستمرار التبعية للخارج في تغطية نسبة عالية من حاجيات المغرب في المواد الغذائية والمواد الأولية والمصنعة والمحروقات، مما يشكل لا محالة تهديداً للأمن الغذائي وارتفاعاً في معدلات الفقر والبطالة”.
وفي موضوع التشغيل، هاجمت النقابة برنامج “فرصة” واعتبرته نسخة من التجارب الفاشلة، مشككة في قدرته على معالجة معضلة التوظيف، خصوصاً أن المغرب لم يخرج بعد من تداعيات الأزمة الصحية والإنسانية لفيروس كورونا التي أدت إلى فقدان الآلاف من الوظائف.
أوقفوا الغلاء
ولم تفوت “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، وهي نقابة تابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، الفرصة للدعوة إلى المشاركة الواسعة في تظاهرات فاتح أيار/ مايو في جميع الأقاليم والمدن المغربية، لتأكيد الموقف الثابت من القضية الوطنية واستنكار العدوان الصهيوني على القدس وعلى الشعب الفلسطيني، ومن أجل الدفاع عن حقوق ومطالب الطبقة العاملة العادلة والمشروعة.
وقال بيان للكونفدرالية إن الطبقة العاملة بالمغرب وعموم الشعب المغربي يعيشون أوضاعاً اجتماعية صعبة نتيجة السياسة التي تنهجها الدولة، والتي تنتج المزيد من التفقير والتهميش والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وهي أوضاع تعمَّقت في ظل الجائحة وما أفرزته من تداعيات وخيمة انعكست سلباً على أوضاع الطبقة العاملة، كفقدان مناصب الشغل وتسريح العمال وارتفاع نسبة البطالة.
وزاد البيان قائلاً إن المغاربة أمام تحالف السلطة والمال وإصرار على فرض سياسة لا شعبية عبر ضرب القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات والارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية والمحروقات، والإجهاز على الخدمات العمومية كالصحة والتعليم في ظل عمق التفاوتات الاجتماعية والطبقية والمجالية، وإشكالية توزيع الثروات الوطنية.
وتناضل “الكونفدرالية”، وفق بيانها، من أجل إقرار ديمقراطية حقيقية وتوزيع عادل للثروات، وبناء الدولة الاجتماعية والتدخل لوضع حد لارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات واحترام الحريات العامة والنقابية، وإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والحركات الاجتماعية، وفتح حوار اجتماعي مؤسسي يستجيب لانتظارات المواطنات والمواطنين ويحقق المطالب المادية والاجتماعية والمهنية للطبقة العاملة وعلى رأسها الزيادة في الأجور.
ويستعدّ “الاتحاد المغربي للشغل” لتخليد عيد العمال العالمي تحت شعار، “أوقفوا مسلسل الهجوم على القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية”، في ظروف وصفها بـ”جد الاستثنائية والتي تتميز بضرب القدرة الشرائية لعموم الأجراء والفئات الشعبية جراء الزيادات المهولة في الأسعار وتجميد الأجور والتعويضات، وضرب الحريات النقابية وطرد الممثلين النقابيين ومتابعتهم بمقتضى الفصل 288 من القانون الجنائي، والزج بعشرات الآلاف من الأجراء إلى الإقصاء والهشاشة”. واستنكر التنظيم النقابي المستقل موجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، داعياً الحكومة إلى الإسراع في اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية القدرة الشرائية للأجراء وباقي المواطنين، وللاستجابة للمطالب المشروعة للطبقة العاملة؛ من زيادة عامة في الأجور، وزيادة في الحد الأدنى للأجر في كل القطاعات المهنية، وتحصين الحريات النقابية، ودعم آليات محاربة الهشاشة في العمل، وإسقاط كل مشاريع القوانين التراجعية التي تهمُّ عالم الشغل، وباقي المطالب.
وأعلنت النقابة رفضها استغلال الظروف الراهنة كذريعة لمزيد من الخروقات السافرة لمدونة الشغل وللمواثيق الدولية والإجهاز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة وضرب الحريات النقابية، مؤكداً مواصلة الدفاع بكل استماتة عن ضحايا الطرد التعسفي والتسريح والتوقيف عن العمل تحت ذريعة الأزمة، وكذا تضامنه مع كل ضحايا الإقصاء والقمع.
نقابة “الاتحاد العام للشغالين في المغرب” التابعة لحزب الاستقلال المشارك في الأغلبية، وجهت مذكرة إلى رئيس الحكومة في شأن جولة الحوار الاجتماعي نيسان/ أبريل 2022، تطالب فيها برفـع أجـور مـوظفي ومستخدمي القطاعات والمؤسسات العمومية والمجالس البلدية وأجراء القطاع الخاص، بما لا يقل عن 10 في المائة، انسجاماً مع مقتضيات المعايير الدولية للعمل.
“الاتحاد العام” طالب بضرورة تخفيض العبء الضريبي عن الأجراء من ذوي التحملات الاجتماعية والدخل المحدود والمتوسط، وتشجيع تنظيم الأعمال الاجتماعية وتجويدها وتفعيل السلم المتحرك للأجور طبقاً للاتفاقات الاجتماعية السابقة.
وكتب موقع “اليوم 24” أن المطالب التي حملتها المذكرة ومذيلة بتوقيع النعم ميارة، كاتبها العام ورئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) يستحيل تنفيذها أو تنزيل حتى جزء منها في الأشهر القادمة بسبب انعكاسات جائحة كورونا على المغرب وتأثيرها على جل القطاعات الحيوية، مما يرجح أن خرجات نقابات مكونات الأغلبية هدفها فرض مزيد من الضغط على رئيسها ورئيس الحزب الأغلبي.
فيما يرى مراقبون أن موقف “الاتحاد العام للشغالين” و”المنظمة الديمقراطية للشغل” واستغلالهما لمناسبة عيد العمال الأممي، هو وقود أولي لشرارة صراع ستشتعل في أي وقت بين الحلفاء الثلاثة.