الرباط- : كبرت كرة الثلج وتدحرجت من علياء امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، لتسقط في تضارب المواقف والآراء، وتتوزع بين القلق والمطالبة بإلغاء الاختبار ورفع دعوى قضائية، فضلاً عن مواقف منتقدة صادرة عن هيئات حزبية.
ورغم اللغط الذي أحدثته واقعة امتحان المحاماة، فإن ذلك لم يمنع وزارة العدل من تحديد موعد لاجتياز الناجحين في الاختبار الكتابي، للشق الشفوي الذي حدد في الرابع من آذار/ مارس المقبل.
الموضوع استأثر باهتمام الرأي العام المغربي، وكان موضوع سؤال وجه للناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال الندوة الصحافية التي عقدها عقب اجتماع مجلس الحكومة، فكان الرد بمثابة الحطب الذي زاد من نار التأويلات، عندما قال إن «الموضوع يهم وزير العدل، وتحدثت معه قبل قليل في الموضوع، وأكد لي أن له موقفاً واضحاً حول الموضوع، سيشرحه في الساعات المقبلة».
التأويل الأكثر تداولاً من خلال اجتهادات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، هو مغادرة وزير العدل عبد اللطيف وهبي لمنصبه الحكومي، لكن ذلك كان مجرد تخمين وضرب أخماس في أسداس، ولم يصدر أي موقف لا من المسؤول الحكومي ولا من الحكومة، وبقي الأمر عبارة عن كرة يتقاذفها الجميع.
وفي باب المواقف المعبر عنها نفتتح بـ «نادي قضاة المغرب» الذي عمم بياناً اطلعت «الشروق نيوز 24» عليه، عبّر فيه عن «قلقه وانشغاله بخصوص ما قد يترتب عن ذلك من مساس بالثقة في امتحان الولوج لأهلية المحاماة باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات العدالة، من منطلق دعم حق المتقاضين في الدفاع، وتوفير الشروط الملائمة لممارسة هذا الحق، لما له من دور جوهري في الرفع من النجاعة القضائية، وحسن تطبيق قواعد سير العدالة».
ولم يفت «النادي» التشبث «من منطلق اختصاصه بالدفاع عن الضمانات الأساسية لحقوق وحريات المواطنين كما نصت على ذلك المادة 4 من قانونه الأساسي، بضرورة احترام مبدأ تيسير أسباب استفادة جميع المواطنين والمواطنات على قدم المساواة وبما يضمن تكافؤ الفرص، من الحق في الولوج إلى مختلف المهن القانونية والقضائية حسب الاستحقاق، تطبيقاً للفصل 31 من الدستور.
بالنسبة لـ»جمعية هيئات المحامين بالمغرب»، فقد عبّرت عن إدانتها ورفضها «استغلال محطة امتحان الأهلية لاستئناف حملة الاستهداف الممنهج لمهنة المحاماة وكيل الاتهامات المجانية للمؤسسات المهنية والطعن في مصداقيتها».
وشجبت الجمعية في بيان اطلعت «الشروق نيوز 24» عليه، الدوافع والأهداف والجهات التي تقف وراء استغلال كل المناسبات لضرب مهنة المحاماة، ومحاولة النيل من نبل وسمو رسالتها».
ووفق البيان ذاته، فإن الولوج إلى مهنة المحاماة «منظم بمقتضى القانون، وخاضع لرقابة مؤسساتية وفقاً لشروط قانونية وواقعية تضمن توفير الشروط الضرورية أمام الوافدين لقضاء فترة التمرين في ظروف تؤهلهم للتشبع بالمبادئ والقيم الأساسية لممارسة المهنة».
وإذا كانت الجمعية المهنية قد وصفت الحملة بـ «المغرضة»، فإن «نقابة المحامين في المغرب» طالبت بإلغاء نتائج امتحان الأهلية وإعادته وفق منهجية التحليل والمناقشة، وضمان تكافؤ الفرص والمساواة والنزاهة والشفافية.
ولم تترد في التعبير عن تضامنها «المطلق والمبدئي مع كل الضحايا من أبناء الشعب الذين تم قطع الطريق أمام ولوجهـم إلى المهنة، ومصادرة حقهم الدستوري في المساواة وتكافؤ الفرص».
كما طالبت بضرورة فتح تحقيق فيما سمّته «خروقات وتجاوزات» طالت عملية تنظيم الامتحان وفرز نتائجه، مع «ترتيب المسؤولية القانونية في مواجهة كل المتورطين في هذه الممارسات التي تعتبر مجزرة حقوقية وقانونية غير مسبوقة في تاريخ مهنة المحاماة».
وبعد أن حمّلت كامل «المسؤولية الأخلاقية والقانونية» لوزير العدل واللجنة المشرفة على الامتحان، أدانت، وفق تعبير البيان، التصريحات «اللامسؤولة والمستفزة لوزير العدل والتي تنتهك واجب التحفظ، وتعبّر عـن أشكال التمييز بين المواطنين، والتي وصلت إلى حد الاستعلاء الطبقي والاستخفاف بالجامعات المغربية، والشهادات العلمية الصادرة عنها».
إلى جانب المواقف المهنية، نجد بعض الأحزاب قد أدلت بدلوها في الموضوع، ومنها حزب «الحركة الشعبية» المعارض، الذي عمم بياناً اتهم فيه الحكومة بالهروب إلى الأمام، وكون صمتها «يزكي كل ما يروج من شبهات حول المباراة ويؤكد القرائن المتداولة حول طغيان المحسوبية ونزوع القرابة والأهل على منطق الأهلية».
وبالنسبة للحزب المعارض، فإن الموضوع «أضحى يأخذ منحى خطيراً»، داعياً الحكومة إلى «مراجعة سياستها التواصلية والخروج عن صمتها والكف عن مقاربتها القطاعية الضيقة في قضايا مجتمعية استراتيجية وحساسة لا يمكن لاستقوائها العددي العابر أن يعالج عواقبها غير المحسوبة».
موقف حزبي آخر لم يكتف ببيان، بل تعداه إلى تقديم شكاية لدى النيابة العامة، «على إثر ما شهدته مباراة المحاماة من شبهات تزوير ومحاباة وتدخلات أثرت على نتائجها ونزاهتها، وأمام ما أثير من فضائح».
الهيئة السياسية المعنية برفع الدعوى القضائية هي «الحزب المغربي الحر» المعارض، الذي لم ينشر بياناً، بل عمم أمينه العام إسحاق شارية، تدوينة على صفحته في فيسبوك، أعلن فيها عن خبر تقديم الشكاية ووجه أصابع الاتهام مباشرة إلى وزير العدل.
شارية الذي يمتهن المحاماة، أكد في تدوينته أنه «أمام تأثر صورة المغرب من هذه الممارسات المشينة التي تناقلتها وسائل إعلام دولية، فقد قرر الحزب المغربي الحر التقدم بشكاية في مواجهة وزير العدل عبد اللطيف وهبي أمام الوكيل العام لدى محكمة النقض في الرباط، وضد كل المستفيدين من نتائج الامتحانات بطرق مشبوهة».
وأهاب الأمين عام لـ «الحزب المغربي الحر» في التدوينة نفسها، «بكافة ضحايا هذا الامتحان المشبوه من الراسبين التواصل مع اللجنة القانونية بالحزب لاتخاذ الإجراءات اللازمة في أقرب الآجال».
Advertisement
Advertisement