تصريحات مثيرة للجدل لرئيس مؤسسة إسلام فرنسا: “يجب التوقف عن استيراد الصراع الجزائري المغربي على التراب الفرنسي”
أطلق غالب بن الشيخ، رئيس مؤسسة إسلام فرنسا، تصريحات مثيرة للجدل، بدعوته للانتهاء مما أسماه “الإسلام القنصلي في فرنسا”، ووقف استيراد ما وصفه بصراعات الأنظمة على التراب الفرنسي.
والمعروف أن ثلاث دول هي الجزائر والمغرب وبدرجة أقل تركيا، تتنافس على السيطرة على المؤسسات التمثيلية لمسلمي فرنسا.
في حوار مطول له مع مجلة جون أفريك الفرنسية، طالب غالب بن الشيخ (جزائري الأصول)، وهو أحد أبرز المنظرين حول قضايا الإسلام والفكر الإسلامي في فرنسا، بإعادة النظر في التعامل مع التأثير الخارجي على النشاط الديني الإسلامي في التراب الفرنسي.
وقال بن الشيخ، الذي يقود مؤسسة إسلام فرنسا منذ عدة سنوات خلفا لجون بيار شوفنمان، إنه يرى التأثير الجزائري المغربي على المسلمين في فرنسا “مفجعا ومؤلما”، مؤكدا على ضرورة وضع حد لما يسمى بالإسلام “القنصلي”. وأضاف “لا نحتاج لجلب أئمة يظل بعضهم أسرى مجتمعاتهم الأصلية ويعتقدون عند وصولهم إلى هنا أن المجتمع الفرنسي فاسد”.
وتابع قائلا “يجب علينا أيضا التوقف عن استيراد صراع الأنظمة على الأراضي الفرنسية عن طريق الإخضاع (تبعية قادة المؤسسات الإسلامية في فرنسا لأنظمة متصارعة)، والتوقف عن اعتبار بعض أماكن العبادة الفرنسية بمثابة أوكار للجواسيس. دعونا نتمنى أن تحدث نهاية لهذا الإسلام القنصلي حقيقة”.
وبخصوص واقعية مشروع “إسلام فرنسا” في ظل مناخ العولمة السائد، قال بن الشيخ إنه من المنطقي تماما ألا يعيش من يقطن في زنجبار أو كندا أو أستراليا إسلامه وإيمانه ورؤيته للتاريخ بنفس الطريقة، مشيرا إلى أنه من هذا المنطلق يمكن الحديث عن إسلام فرنسا بدءًا من التذكير بحقيقة أن المواطنين الفرنسيين ذوي العقيدة الإسلامية يخضعون أولاً وقبل كل شيء للدستور الفرنسي، الذي يكرس علمانية الدولة، وهذا ليس الحال في أي مكان آخر.
ويحيل كلام بن الشيخ إلى التنافس والصراع الجزائري المغربي على التأثير في المؤسسات الإسلامية بفرنسا، على اعتبار أن كلا البلدين يعدُّ جالية ضخمة في هذا البلد ويود الاحتفاظ بعلاقة قوية بينها وبين الوطن الأم. وتعد الجزائر من أكبر الدول تأثيرا عبر تأثيرها القوي على “مسجد باريس”، الذي تتبعه شبكة من المساجد في كل الأراضي الفرنسية. ويمارس المغرب من جهته نفوذه على مؤسسة تجمع مساجد فرنسا. وأما تركيا فتعاظم تأثيرها خاصة من خلال لجنة التنسيق بين مسلمي تركيا.
ووفق تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي رصد ظاهرة التأثير الأجنبي على المساجد الفرنسية سنة 2016، فإن 3 دول ترسل بانتظام أئمتها للعمل في فرنسا هي تركيا، التي تعد 151 إماما، والجزائر 120 إماما، والمغرب 30 إماما. لكن السلطات الفرنسية ابتداء من السنة الماضية قررت تقليص عدد الأئمة الوافدين من الخارج، ولم ترسل الجزائر سنة 2021، سوى 60 إماما، وفق ما صرح به وزير الشؤون الدينية.
ويعتبر التمويل عصب التأثير في هذه المؤسسات الدينية، التي تنشب بينها خلافات في فرنسا، عادة ما تكون انعكاسا للأزمات بين الأنظمة التي تتبعها. وتقدم الجزائر نحو 2 مليون يورو سنويا لمؤسسة مسجد باريس وهي مؤسسة عريقة في فرنسا أسسها جزائريون في بداية القرن الماضي. ويدفع المغرب من جهته نحو 6 مليون يورو سنويا، كما تمول تركيا ايضا بمبالغ معتبرة المساجد التي يسيرها أئمتها.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، برز الخلاف بوضوح بين رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي ذي الأصول المغربية، وعميد مسجد باريس شمس الدين حفيز الجزائري الأصل. وهاجم موسوي، في لقاء له مع قناة “فرانس 24″، عميد مسجد باريس، زاعما أنه يطبق ورقة طريق جزائرية. وجاء ذلك عقب زيارة لحفيز إلى الجزائر ولقائه الرئيس عبد المجيد تبون، الذي جدد دعمه لمؤسسة مسجد باريس ولعميدها، وفق ما نقلته الرئاسة الجزائرية، داعيا إياه لمواصلة جهوده والارتقاء بأداء هذه المؤسسة، وذلك بانتهاج الوسطية والاعتدال ومحاربة الغلو والتطرف وتجنب التوتر داخل المجتمع الفرنسي.
وأمام تعاظم المد اليميني في فرنسا، الذي ينظر بتوجس للوجود الإسلامي في فرنسا، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمناسبة ترويجه لمشروع قانون “الانفصالية الإسلامية” (تغير اسم القانون لاحقا)، فرض قيود على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى البلاد، واعدا “بكبح النفوذ الأجنبي والتأكد من احترام الجميع لقوانين الجمهورية”.
ومما أعيب على الأئمة الوافدين إلى فرنسا، وفق ما رصده تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي، تشكيكهم أحيانا في مسلمات فرنسية يعاقب عليها القانون مثل المحرقة اليهودية أو الجرائم ضد الأرمن أو ترويجهم لأفكار مناهضة للعلمانية الفرنسية.