تعديلات القانون الجنائي المغربي ومدونة الأسرة تثير نقاشاً قد يؤثر على المشهد السياسي

Advertisement

الرباط  : على الرغم من عدم الكشف بعد عن القانون الجنائي الجديد في المغرب فضلاً عن تعديلات مدونة الأسرة بالمغرب، فإن النقاش حولهما يثير الكثير من الجدل في البلاد. كما أن تصريحات وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي بهذا الخصوص أسالت الكثير من المداد بين من يدعو إلى احترام «الحريات الفردية» ومن يطالب بأن تتم التعديلات وفقاً لـ «الشريعة الإسلامية». ويبدو أن الوزير المغربي كثَّف أنشطته خلال الآونة الأخيرة عبر المشاركة في لقاءات وندوات لطرح رؤيته للتعديلات المرتقبة والدفاع عن «الحريات الفردية» بالمغرب. وأبرز المسؤول الحكومي خلال لقاء فكري الأسبوع المنصرم، في الرباط، أن «موضوع الحريات الفردية لم يعد ترفاً فكرياً كما يحاول البعض اختزاله، بل هو مصلحة وطنية وحاجة مجتمعية لا تتعارض مطلقاً مع الدين»، وفق قوله. وأوضح وهبي، خلال اللقاء المخصص لموضوع «الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية»، أن غايته هي البرهان على أن الحريات الفردية «مصلحة وطنية تستجيب لمقتضيات الحداثة ولا تتعارض مع روح الدين الإِسلامي»، مشيراً إلى أن «الإسلام والحداثة يشتركان في القيم العليا نفسها: الحرية والكرامة والمساواة والعدل والعفو والمحبة والرحمة والحكمة، وغيرها».
وأشار وهبي خلال حوار مع جريدة 360 المحلية، فبراير/ شباط المنصرم، بشأن تعديل القانون الجنائي، إلى أن النّص جاهز ويمكن عرضه على مجلس النواب. وأوضح قائلاً: «فيما يتعلق ببعض النقاط الحساسة في هذا القانون، مثل إمكانية منح المزيد من الحريات الفردية والعلاقات الجنسية الرضائية خارج مؤسسة الزواج والوصاية المشتركة على الأطفال، من بين أمور أخرى، من الضروري أن تحصل جميع الإجابات عن هذه الأسئلة على مصادقة من السلطة التنفيذية، الدينية والبرلمانية».
وأضاف: «تعاملنا مع موضوع العلاقات الجنسية الرضائية بكثير من الجرأة دون نسيان أننا في دولة إسلامية، وتابع: «أنا مع الحريات الفردية وسأدافع عنها في هذا المشروع».
على النقيض من ذلك، سبق لحزب «العدالة والتنمية» المعارض، أن شدد على أن مراجعة القانون الجنائي «ينبغي أن تتم في إطار المرجعية الإسلامية والتوافق الوطني»، لافتاً إلى أن «أي تراجع عن تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج والسعي في المقابل إلى تجريم بعض الإشكاليات التي تعترض العلاقات الأسرية داخل مؤسسة الزواج أو الخروج على التوافق الذي تم سنة 2015 بخصوص الإجهاض، هو أمر مرفوض». تعليقاً على الموضوع، وإن كان القانون الجنائي المرتقب والتعديلات على مستوى مدونة الأسرة المنتظرة ستؤثر على المشهد السياسي المغربي، أبرز رشيد لزرق رئيس مركز شمال افريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أن طرح مشروع القانون الجنائي، ومدونة الأسرة، سيقسم المعارضة. كما سيطرح سؤالاً عن الانسجام الأيديولوجي بين الثالوث الحكومي، إذ تضم الحكومة حزب الاستقلال المحافظ، الذي يتقارب مع طرح العدالة والتنمية في الخصوصية الثقافية ومرجعيته المؤسسة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، متحدثاً لـ «الشروق نيوز 24»، أن المعارضة ستشهد بدورها صراعاً داخل ما يسمى الصف الاشتراكي؛ بين حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، وحزب الاشتراكي الموحد وحزب «التقدم والاشتراكية»، وباقي الحساسيات اليسارية التي تدافع بشكل مبدئي عن الحقوق والحريات الفردية. متابعاً: «وهنا وجب تأويل النص الجامد بنَفس حداثي تقدمي، يتلاءم والظروف الجديدة التي تحاصر الأمة المغربية اليوم».
وأفاد المحلل السياسي المغربي أن الظرفية دقيقة، والمرحلة تقتضي الجد السياسي. ولعل مكمن الخلل الكبير يتجسد في ترهل النخب الحزبية التي تدعي الحداثة والتقدمية، التي لا تملك المؤهلات المعرفية ولا المصداقية المجتمعية؛ إذ لم تعد لها القدرة ولا الجرأة، على مساءلة التراث العقلاني المغربي مساءلة علمية عملية، تقوم على إعادة تأويل النصوص وقراءتها في سياقاتها التاريخية والاجتماعية الحقيقية باستحضار روح التشريع التنموي، بغاية التجاوب مع التحولات السوسيولوجية العميقة التي عرفها المجتمع المغربي، سواء بعد ارتفاع مستوى التعليم أو عند تأخر سن الزواج، وكذا تمظهرت الرغبة الشبابية في تحقيق الاستقلالية المادية مع الانفتاح على الثقافات الأخرى عبر اعتماد الآليات التكنولوجية المتطورة. وأبرز الأستاذ الجامعي أن السؤال المطروح على النخب التي تدَّعي الحداثة والتقدمية هو: «ما موقف أحزابها من حرية التصرف في الجسد؟» حتى تعكس التشريعاتُ القانونية ما يقع داخل المجتمع المغربي من متغيرات عميقة كشفت عن الهوة السحيقة بين الواقع والقانون، فلا يمكن للوطن تجاوز الإكراهات العالقة إلا بمنظومة حزبية ديمقراطية واعية ومسؤولة.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.