الرباط : خلق إقدام الحكومة المغربية على إحداث «مشروع قانون لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على قطاع الصحافة والنشر» زوبعة كبرى، تداخلت فيها الاعتبارات المهنية مع السياسية، من خلال حرب البيانات المتبادلة بين النقابات والهيئات الإعلامية، والتي أججتها أيضاً بعض المواقف الحزبية، لا سيما ما صدر عن الحزبين المعارضين «التقدم والاشتراكية» و»العدالة والتنمية» من عبارات ساخطة، بينما فضّلت المكونات السياسية الأخرى ـ أغلبية ومعارضة ـ التزام الصمت والاكتفاء بالتفرج على هذه المعركة الكلامية.
أساس الجدل يدور حول تجاهل الحكومة المغربية الانتخابات المطلوبة لهياكل «المجلس الوطني للصحافة» بعد انتهاء ولايته، وتعويضها بالإعلان عن تشكيل «لجنة مؤقتة» مدة عملها عامان كاملان، ما اعتُبر «تدخلاً» حكومياً في التنظيم الذاتي للإعلاميين و»خروجاً» عن المنهجية الديمقراطية.
«النقابة الوطنية للصحافة المغربية» سارعت إلى إصدار بيان عبّرت فيه عن «أسفها العميق والشديد للمواقف التي عبّرت عنها بعض الأوساط الحزبية بالخصوص» (في تلميح إلى حزبي «العدالة والتنمية» و»التقدم والاشتراكية»)، وقال البيان إن مسؤولية هذه الأخيرة «ثابتة فيما يتعلق بالعديد من الاختلالات التي أعاقت عمل المجلس الوطني للصحافة، خصوصاً ما يتعلق بتعمد الحكومة السابقة تأخير إصدار النظام الأساسي للمجلس الوطني للصحافة لمدة تجاوزت سنة ونصف دون أي مبرر، والإبقاء على حالة الغموض القانوني فيما يتعلق بتنظيم انتخابات هذا المجلس».
وسجلت النقابة «باستياء كبير طبيعة اللغة المستعملة في بيان أحد هذه الأحزاب والتي مسّت بذمة الأشخاص، بما يتنافى مع أبسط قواعد أخلاقيات التعبير عن المواقف إزاء الأحداث والتطورات والقضايا». واعتبرت أن «النقاش المسؤول والناضج يجب أن ينأى عن المزايدات والحسابات السياسية والشخصية الضيقة، والسمو بهذا النقاش إلى ما يخدم المصلحة العامة للبلاد وللمهنة بصفة خاصة»، وفق ما جاء في البيان الذي تلقت «الشروق نيوز 24» نسخة منه. وأضاف أن «النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تعبر عن مساندتها المطلقة لمبادرة تشكيل لجنة مؤقتة، فإنها تستهجن محاولات تحريف النقاش الحقيقي وإلهاء الرأي العام بقضايا مفتعلة ترتكز على استهداف الأشخاص وتبخيس النقاش العام بالتفاهات وبتصفية الحسابات السياسية من طرف جهة يشهد التاريخ الحديث أن سجلها أسود في مجال حرية الصحافة والتعبير».
في الضفة المعاكسة، انتقدت «فدرالية ناشري الصحف» ما أسمته «تزكية الجهاز التنفيذي لمشروع قانون لجنة تسيير غير دستوري وتراجعي ومسيء للمهنة ولبلادنا»، مؤكدة أن «هذا الموضوع لا يهمّ استهداف منظمات مهنية ومحاباة أخرى فقط، بل إنه استهداف للصحافة الوطنية واستقلاليتها وطموحات تأهيلها وتكريس تعدديتها».
المكتب التنفيذي للفدرالية المذكورة أبدى استغرابه من أن «الحكومة والطرف الذي تنوي تعيينه لإصلاح منظومة الصحافة والنشر يلجآن إلى آليات لا ديموقراطية وبالية وأدنى من القانون الذي ينتقدونه».
وتساءل في بيان اطلعت عليه «الشروق نيوز 24» قائلاً: «هل تعيين لجنة مكونة من طرف واحد لتفصيل قوانين على المقاس وللإشراف على الانتخابات التي ستشارك فيها كمنافس (وهذه سابقة عالمية) هو أحسن من المادة 09 من قانون المجلس الوطني للصحافة، التي تنص على أن اللجنة لا تعينها الحكومة، ولكن تستدعيها ويرأسها قاض، وهي اللجنة المستقلة التي تعين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون المجلس في انتظار إجراء انتخابات بإشراف قضائي! هل خرق الدستور بالتعيين، وتهيئ قوانين خارج الجهة الحصرية التي خولها الدستور ذلك وهي الحكومة والبرلمان أحسن من القانون الحالي أم أسوأ؟».
واستحضر أعضاء مكتب «فدرالية الناشرين» قول وزير الشباب والثقافة والتواصل خلال اللقاء الذي جمعه بهم «إن وزارته استبعدت سيناريو إجراء انتخابات المجلس الوطني للصحافة لأنها ستنتج نفس التركيبة» ليتساءلوا مندهشين: «هل يعقل أن يقول وزير في حكومة دولة مؤسسات إنه أحجم عن إجراء استحقاق ديموقراطي لأنه غير راض عما قرأ نتائجه في فنجان؟!».
وأضافت الفدرالية في بيانها أنها تجد نفسها مضطرة لإدانة هذا الانحراف غير المسبوق في مقاربة الشأن الإعلامي الوطني، معتبرة إحداث لجنة مؤقتة «إساءة بليغة للمجتمع وحقه في إعلام متعدد ومستقل ونزيه، يراقب الحكومة ويسائلها، بدل أن يصبح مديناً لها بالتعيين والمنافع، وهي تسلمه سلطة التحكم في الولوج إلى المهنة والخروج منها والتأديب والعقاب، بحيث لن نصبح أمام «قضاء الزملاء» ولكن سنصبح في تنظيمنا الذاتي أمام «قضاء الوزراء».
في الاتجاه نفسه، أصدر نادي الصحافة بالمغرب بياناً ندد فيه بما أسماه «التدخل غير الدستوري في تسيير وتدبير المجلس الوطني للصحافة»، كما اعتبر أن مشروع القانون المتعلق بتشكيل «لجنة مؤقتة» لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر «قانون غريب وخارج السياق العام للمنظومة القانونية الوطنية، وغير مطابق لموضوعه في الشكل والجوهر وهو مسيئ لصورة البلاد الحقوقية داخلياً وخارجياً»، مفسراً ذلك بأنه «يسمح للحكومة بالتدخل بشكل مباشر في تسيير مؤسسة مستقلة للتنظيم الذاتي، وبأنه «خارج سياق الفصل 28 من الدستور الذي يتحدث عن تشجيع السلطات العمومية للتنظيم الذاتي».
وقال «نادي الصحافة» إن الحكومة تحاول تمرير «مشروع قانون هجين لملمت فيه أشلاء قانون التعيين مع مطالب التمديد مع تعيين نفس الوجوه المرفوضة من أغلبية الصحافيين، وكأن المغرب عاجز عن تجديد نخبه في هذا المجال».
وأعلن النادي مساندته ومشاركته للمنظمات النقابية والجمعيات المهنية التي تتشبث بالتدبير الديموقراطي للمجلس الوطني للصحافة، والدعوة إلى الإسراع في تنظيم الانتخابات في أقرب الآجال.
على مستوى المواقف الحزبية، قال نبيل بن عبد الله، أمين عام حزب «التقدم والاشتراكية» إن الحكومة «تقفز على ضرورة تنظيم انتخابات المجلس، وتُعلن حالة الاستثناء طويل المدى، في اتجاهٍ من الصعب أن يُفهم خارج إطار السعي نحو استمالة بعض الأوساط الإعلامية». ولاحظ أنها «خطوةٌ خطيرةٌ تنطوي على محاباةٍ فاضحة، من خلال بلورتها لمشروع قانونٍ، بمثابة عملية جراحية محسوبة المقاسات».
وأوضح في بيان عممه على وسائل الإعلام، دعا القيادي الحزبي الحكومة إلى التراجع عن «هذه الخطوة المشؤومة التي تُسيء للمسار المتقدم الذي قطعه المغرب في المجال الإعلامي تحديداً، وفي البناء الديموقراطي عموماً»، وذلك من خلال «التقيد بالمقومات القانونية التأسيسية للمجلس»، كما دعا إلى الإسراع في توفير شروط تنظيم المهنة لانتخاباتٍ حرة للصحافيين وفق المعايير الديمقراطية.
واعتبر عبد الإله بن كيران، أمين عام حزب «العدالة والتنمية»، مشروع «اللجنة المؤقتة» أنه «يعكس فشل الحكومة في تطبيق القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة وعجزها عن تنظيم الانتخابات في وقتها في قطاع منظم وناخبوه معروفون، وذلك رغم توفرها على أجل ستة أشهر إضافية للقيام بذلك، بعد التمديد الذي تم لهذه الغاية والذي كان موضوع مرسوم بقانون». كما جاء في بيان الأمانة العامة للحزب الإسلامي المعارض أن تعيين لجنة مؤقتة يعد إعلاناً لحالة استثناء في هذا القطاع الحيوي للبناء الديموقراطي، ومساً بصورة البلاد ومسارها في مجال حرية الصحافة والتعبير».
ولاحظ أن تركيبة اللجنة المؤقتة في هذا المشروع وضعت في جزء منها على المقاس، إذ تضم في عضويتها رئيس وأعضاء من المجلس الوطني المنتهية ولايته بداية هذا الشهر، بهدف الحفاظ على مكاسب مادية ذاتية ومنافع شخصية والتضحية بالمكتسبات في مجال حرية الصحافة والتعبير وتنظيم المهنة على أسس ديمقراطية.
وخلص البيان إلى أن «هذا المشروع يكرس تحايل الحكومة وأغلبيتها على الأحكام الدستورية والقانونية الصريحة التي تنص على وجوب تنظيم انتخابات ديموقراطية وشفافية»، داعياً إلى التراجع الفوري عنه، ومعتبراً أن الحل القانوني السليم هو تكليف اللجنة التي ينص عليها القانون الحالي للمجلس والتي يرأسها قاض بالإشراف على تنظيم الانتخابات دون أي تأخير.
Advertisement
Advertisement
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك