هل ما نعيشه اليوم بسبب إنتشار فيروس «كرونا « المستجد يعد في شكل من أشكال تجلياته على أرض المهجر بمثابة نقطة تحول في علاقة المغرب مع مواطنيه المقيمين بالخارج ؟؟
إن ما يفرض السؤال اليوم، واقع مسبباته موضوعية بدأت ترمي بظلالها على هذه العلاقة إلى درجة أنها تسير نحو تحويلها إلى علاقة ضبابية بسب عدد من السلوكات الجانبية غير المحسوبة العواقب التي سوف يسبب عدم الإسراع لكبحها القضاء على شعرة معاوية بين مغاربة العالم ووطنهم.
إن شكل تدبير السلطة الحكومية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج منذ أول بلاغاتها سواء مركزيا أو لا مركزيا، لم يرق إلى مستوى تدبير الأزمة التي فاقمتها تعليقات غير مسؤولة لرواد شبكات التواصل الاجتماعي في حق مواطنيهم في بؤر إنتشار الوباء، خاصة في إيطاليا وإسبانيا، مما فتح الباب أمام جهات لإستغلال الوضع لزعزعة ثقة مغاربة العالم في وطنهم.
بكل تأكيد، قد حان الوقت للسلطة الحكومية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج أن تتدارك الوضع وتدعو إلى إلتئام لجنة مكلفة بذلك لأن الظرف إستثنائي بالنسبة للجالية المغربية المقيمة في الخارج التي تحس بعزلة وجدانية، مجالية، ثقافية وإجتماعية تتخوف من حرمانها من إستمرار وصلها بالأهل والأحباب من خلال محطات دينية (خاصة شهر رمضان) وإجتماعية أساسا مثل العودة السنوية المكثفة صيفا.
إن الأمر يتعلق بجالية مغربية يصل تعدادها عبر العالم إلى ما يقارب خمسة ملايين مغربي ومغربية مسجلين في مجموع المراكز القنصلية المغربية في الخارج في مجموع القارات الخمس، التي يوليها جلالة الملك محمد السادس إهتماما كبيرا، ويحرص جلالته على حماية حقوقها والدفاع عن مكتسباتها الإجتماعية والقانونية وحفظ كرامتها، دون الإشارة إلى القاصرين غير المصاحبين المنتشرين في ربوع فضاء «شينغن» والمغاربة في وضعية غير نظامية في بلدان متعددة من الفضاء الأوربي.
إن الاجتماع الأخير للجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج منتصف السنة الماضية سجل على نفسه أمام القطاعات الوزارية المختلفة المشكلة لمجلسه أنه و هو يستعد لعملية «مرحبا 2019» «يتعين على اللجنة أن تأخذ بعين الإعتبار في عملها متغيرات واقع الهجرة وما يطبعه من إكراهات وتحديات، سواء تعلق الأمر بمواطنينا بالخارج، أو بالمهاجرين المقيمين بالمغرب، وهو ما يقتضي تحديد الأهداف والأولويات في إطار التجاوب مع مختلف متطلبات هذا الواقع، مع الإستحضار الدائم للتعليمات والتوجيهات الملكية السامية ذات الصلة، والتي تشكل المرجع الأساس في العمل على خدمة مصالح مغاربة العالم والمهاجرين المقيمين بالمغرب».
فقد أصبح لزاما على اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج اليوم من هذا المنظور و تجاوبا مع مختلف متطلبات الواقع الجديد الذي جعل الجالية المغربية المقيمة بالخارج تعيش وضعا إستثنائيا أن تنسجم مع التعليمات الملكية التي تشكل المرجع الأساس في العمل على خدمة مصالح مغاربة العالم وتدعو إلى إجتماع إستثنائي لمجلسها لبحث سبل كفيلة بتجاوز أزمة مغاربة العالم بسبب تداعيات إنتشار فيروس «كرونا»، ذلك أن الظرف اليوم إستثنائي بالنسبة لمغاربة العالم ويحتاج إجراءات إستثنائية، من قبيل إستراتيجية متكاملة تحقق الإلتقائية وأحد أبرز مخرجاتها إجراءات ملموسة بتبني «تواصل أزمة» فعال.
إن تدارك الوضع الذي تعيشه الجالية المغربية المقيمة بالخارج في الوقت الحالي في عدد من البلدان العالم التي مسها إنتشار فيروس «كورونا» المستجد وخاصة في الفضاء الأوربي (إيطاليا وإسبانيا) عبر القيام بإجراءات ملموسة لصالحهم أصبح أمرا مستعجلا وهو دور لا يمكن أن تقوم به اليوم إلا اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج بمبادرة من السلطة الحكومية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج.
إن التوقيت ملائم اليوم لأخذ المبادرة لأجل دعوة السلطة الحكومية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج إلى عقد اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج للتداول في إستراتيجية متكاملة وواضحة ذات بعد أفقي وعمودي تحقق الالتقائية المنشودة بمساهمة كل القطاعات الوزارية من مخرجاته شكل مبتكر لإستراتيجية تواصلية في زمن الأزمة ذات مخاطب واضح، شفاف لتبديد العوامل النفسية التي بدأت تتفشى في أوساط الجالية بسبب الإشاعة وخطابات تروم إلى تركيز أفكار سلبية في ذهنيتهم بخصوص العلاقة بين المغرب ومواطنيه في الخارج.
فما تعيشه اليوم الجالية المغربية في الخارج بسبب إنتشار فيروس «كورونا» هو تحول إستراتيجي بما تحمل الكلمة من معنى من شأنه أن يحسم في طبيعة العلاقة بينها وبين بلدها بعد إنتهاء محنة الوباء، تحول يجب أن يخرج منه مغاربة العالم والمغرب بمنطق (رابح.. رابح)، وحسم النتيجة فالأكيد أنه سوف يتحدد بما سيتخذ من إجراءات إستباقية تتجاوز هفوات تدبير أزمات عاشتها الجالية في بلدان من مثل إيطاليا و إسبانيا وليبيا بسبب مخاطر طبيعية و تبعات الربيع العربي ودول جنوب شمال حوض المتوسط بسبب الهجرة غير الشرعية.
إن اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج يجب أن تكون سباقة على مستوى تدبير ملف مغاربة العالم في علاقته بتطورات إنتشار فيروس «كورونا» لإبتكار تدابير ومبادرات ملموسة تشعر مغاربة العالم أنهم جزء من النسيج الوطني ومن بلدهم الأم ، من بينها أساسا تعليق بعض الإعتمادات المخصصة للقاءات ثقافية ولدعم عدد المشاريع الفنية وتحويلها لإعتمادات لأجل تمويل مساعدات مالية تكون بمثابة دعم مباشر للعائلات المعوزة والفئات الهشة والمتضررة من ضياع العمل، بالإضافة إلى تحويل جزء من الإعتمادات المرصودة لدى السلطة الحكومية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وبعض القطاعات الوزارية لتمويل مشاريع ذات بعد انساني واجتماعي التي سبق ولقيت قبولا لديها بعدما تقدمت هذه الجمعيات المغربية في المهجر خاصة الملتزمة بالشفافية والجدية وتمت الموافقة على مشاريعها ضمن طلبات عروض وذلك عبر التسريع على الموافقة تمويلها وذلك وفق ضوابط و معايير شفافة تحت مراقبة المجلس الأعلى للحسابات.
إن الواقع الحالي للجالية المغربية المقيمة على الخصوص في كل من الديار الإيطالية والإسبانية وربوع العالم يفرض دون تهويل من السلطة الحكومية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج الدعوة لاجتماع عاجل للجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج، لأن الوضع اليوم إستثنائي ويحتاج الى إجراءات إستثنائية من خلال حضور متعدد في صفوف الجالية عبر مخاطب واحد يتمتع بخطاب تواصلي فعال وشفاف مسنود بحزمة إجراءات ملموسة فعلية.
الكاتب : يوسف هناني بتاريخ : 23/03/2020