جدل يرافق عطلة وزيرة السياحة المغربية في تنزانيا… حرية شخصية أم مسؤولية سياسية؟

Advertisement

ما إن نشرت وزيرة السياحة المغربية فاطمة الزهراء عمور، صوراً لها وهي تقضي عطلتها الصيفية في أرخبيل زنجبار في دولة تنزانيا، الواقعة في المحيط الهندي شرق أفريقيا، حتى ثارت ثائرة نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من هاجم الوزيرة ووجَّه لها سهام الانتقاد بسبب ما اعتبروه “تناقضاً” وترويجاً لدولة أخرى، وبين من عدَّ الخطوة حرية شخصية.
وأخذ منتقدون على الوزيرة المغربية أن تسافر لوجهة خارج البلاد وبالدعاية لبلد آخر ومؤهلاته السياحية، في وقت قادت وزارتها حملة كبيرة لتشجيع السياحة الداخلية وحث المواطنين المغاربة والمغاربة المقيمين بالخارج على قضاء عطلتهم داخل المغرب، تزامناً مع الغلاء وأزمة اقتصادية خانقة ومحاولة الدولة الانبعاث من جديد على المستوى السياحي بعد سنتين صعبتين بسبب جائحة “كورونا”.
وبتفحُّص بسيط للصفحة الرسمية لوزيرة السياحة المغربية على “فيسبوك”، يظهر جلياً أن أغلب المنشورات والتدوينات تحثّ على زيارة المغرب وعلى اختيار مدن المغرب كوجهة لقضاء العطلة والاستمتاع بالتنوع الثقافي والطبيعي للمغرب وبأطباقه وموسيقاه.
ويقود المكتب الوطني المغربي للسياحة، وهو مؤسسة عمومية تابعة لوزارة السياحة في المغرب، حملات لتوسيع دائرة سياح المغرب ومستكشفيه واسترداد عشاقه بعد سنتين صعبتين من التوقف؛ ومن أجل الترويج للعرض المغربي، كوجهة أصيلة وآمنة وتتيح تغيير الأجواء، وتقوية جاذبيتها.
وعملت الوزارة على توسيع العمل الترويجي والتجاري المغربي من أجل تلبية تطلعات المسافرين ما بين الثقافة والطبيعة والبحر والجبل والصحراء والرياضة والترفيه، ورفع المغرب نحو مرتبة الوجهات الأكثر جاذبية وتعزيز سمعتها لدى الجمهور الدولي، لاسيما الأجيال الجديدة من المسافرين.
هذا الكم الكبير من الانتقادات تجِده المحللة السياسية شريفة لموير، عادياً خاصة وأنه يتزامن مع الغليان الحاصل بسبب ارتفاع الأسعار، وتبعات أزمة كورونا التي تضررت بسببها قطاعات مهمة على رأسها قطاع السياحة.
وترى المتحدثة ضمن تصريحها لـ”الشروق نيوز 24” أنه “من المفروض في حكومة تتغنَّى بالكفاءة أن تبني مقاربات أكثر جدية من مجرد التشجيع على السياحة الداخلية، في ظل مجموعة من التجاوزات التي تشهدها في هذه الفترة بسبب غياب رقابة فعلية على القطاع”، لافتة إلى أن ما طال وزيرة السياحة المغربية من انتقادات يأتي بناءً على مسؤوليتها السياسية، إذ كان من الأَولى أن نرى الوزيرة تُروِّج لوجهة سياحية محلية عوض التناقض الذي سقطت فيه، والذي زاد من سخط المواطن المغربي.
في نظر الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، فإن من حق أي شخص توجيه انتقادات للوزراء والشخصيات العمومية وتقويم اعوجاجهم، لكن كل هؤلاء المسؤولين هم بشر لهم حياتهم الخاصة وأذواقهم الذاتية وحاجاتهم العائلية، لذلك من حق هؤلاء أن يقضوا عطلتهم العائلية في أي مكان من العالم ما لم يكن ذلك على حساب المال العام.
واعتبر المحلل السياسي المغربي أن قضاء وزير عطلته خارج المغرب ليس فضيحة أخلاقية أو جريمة تستوجب العقاب، بل يدخل ضمن خانة الاختيار العائلي الذي تتدخل فيه طلبات الأبناء والزوجة والزوج والميزانية المرصودة. وتابع: “ليس مهماً أن تقضي وزيرة السياحة عطلتها في تنزانيا، بل ما يهمني هو ماذا قدمت الوزيرة من إنجازات للسياحة؟ وهل عرفت في عهدها تقدماً ملموساً؟ وهل وضعت مبادرات لخدمة السياحة الداخلية؟” وفق تعبيره.
وانتقدت النائبة البرلمانية السابقة، حنان رحاب، بشدة تفضيل وزيرة السياحة قضاء عطلتها السنوية بجزيرة زنجبار التانزانية، في الوقت الذي ما زال القطاع السياحي المغربي لم يتعافَ من تأثيرات جائحة “كوفيد”.
وكتبت القيادية بحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المعارض، على صفحتها الرسمية بـ “فيسبوك”: “يعلم كل محايد أن الحياة الخاصة للمسؤولين حين تتعارض مع أدائهم السليم لمهامهم، ينفي عنها طابع الخصوصية، ولذلك حين سافر وزير تشغيل سابق رفقة فتاة قال لاحقاً إنها خطيبته، وشوهدا متجولين ومتسوقين، لم يتقبل الرأي العام الأمر لأسباب، أولها أن الوزير كان في سفر رسمي لأداء مهام حكومية، ونفقات تنقله بما فيها مصروف الجيب، يصرف له لهذا الغرض، ولا يجوز له استغلال مهمة رسمية لقضاء أغراض شخصية”.
وتبعاً لذلك، تتساءل السياسية المغربية، كيف تدعو وزارة السياحة والمجلس الوطني للسياحة المواطنين لقضاء عطلهم بالوجهات السياحية الوطنية في إعلانات ممولة من المال العام، ثم الوزيرة تفعل العكس؟ وكيف نخسر أموالاً في الترويج خارج المغرب للسياحة ببلدنا، بينما وزيرة السياحة تقوم بدعاية مضادة حين تذهب لزنجبار التنزانية؟
واعتبرت رحاب أن ما قامت به الوزيرة دعاية للسياحة بتنزانيا، ما دامت وزيرة سياحة بلد معروف سياحياً تختار جزيرة زنجبار، وأنها تروج ضمنياً أن لا شيء يُغري بالسياحة في المغرب، لمن يمتلك مالاً يمكِّنه من اختيار وجهات أخرى والدليل وزيرة سياحته. لتختم كلامها: “حين كانت الأزمة الاقتصادية والسياحية تضرب إسبانيا، اعتذر الملك السابق حين شارك في رحلة صيد في ساحل العاج، حيث اعتبر الأمر سوء تصرف في تلك المرحلة”.
أما إسحق شارية، أمين عام الحزب المغربي الليبرالي (المعارض)، فصعد اللهجة كثيراً، حيث طالب بإقالة الوزيرة المذكورة، وكتب في صفحته على فيسبوك: “وزيرة السياحة في حكومة المملكة المغربية التي يرأسها عزيز أخنوش فاطمة الزهراء عمور، تشجع على السياحة في زنجبار على حساب دافعي الضرائب المغاربة”.
وأضاف: “هذه هي الكفاءات المتفرنسة التي وعدنا بها حزب التجمع الوطني للأحرار، كفاءات لا تعرف الوطن إلا في الاستوزار والأجور الضخمة، والامتيازات”. وختم المحامي والقيادي الحزبي تدوينته بالقول: “هذه الفضيحة لا تستحق إقالة الوزيرة فقط، بل طرد الحكومة ورئيسها وكافة الأحزاب المشكلة لها”.
بالنسبة للصحافي محمد واموسي، فمن حق وزيرة السياحة أن تقضي إجازتها الصيفية أينما تريد حتى في زنجبار، وكتب على صفحته في “فيسبوك” أن هذا شأنها وهذه حياتها الخاصة ولا دخل لأحد فيها، مستطرداً بالقول: “لكن، تمنيت لو أن السيدة الوزيرة تقضي إجازتها في ربوع البلاد مثل أغلب المغاربة، لعل واقع سياحتنا المؤلمة يصدمها”.
كما ورد في تدوينة الصحافي المغربي: “كنا نريدها، وهي وزيرة القطاع، أن تقضي إجازتها مع المغاربة فتطلع على المقومات السياحية للبلاد، لتندهش من بدائية الخدمات السياحية، واستغلال السياح والمضاربة في الأسعار وبيع الرداءة لهم بأسعار خيالية. كنا نريدها أن تفعل لعلها تغضب، فتُقسم ألا تَرجعَ إلى بيتها حتى تُصلح حال قطاع وزارتها”، وفق تعبيره.
وختم واموسي قائلاً: “ليس بعجب إذن أن لا تَلتَفِتَ وزيرة السياحة لتطوير هذا القطاع الذي تُشرفُ عليه، لأنها على ما يبدو تَعودت على قضاء إجازتها في الخارج، وفي وطني فقط وزيرة السياحة تقضي إجازتها في الخارج، ووزير الصحة يعالج نفسه وأقربائه في الخارج، وزير التعليم يرسل أبناءه إلى بعثة أجنبية أو إلى مدرسة في الخارج”.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.