الكاتب: رشيد البلغيتي …
في ظل النقاش الإعلامي الدائر حول المعبر الحدودي في الگرگرات صرخ منشط برنامج بإحدى الإذاعات الخاصة في الدار البيضاء “شكون اللي كا يلبس 42 فرجليه راه نسا واحد الفردة من صباطو هنا”!
هذا “الصحافي” لا يشكل إستثناء للأسف بل يمثل صوتا من الأصوات الشعبوية التي تخترق المشهد الإعلامي المغربي وصورة للإنجراف المهني والمعرفي والقيمي الذي مس صخرة الصحافة منذ سنوات.
نحتاج نحن المغاربة من إعلامنا، اليوم، دورا تثقيفيا بأبعاد تاريخية وقانونية وسياسية حول النزاع في الصحراء ومقالات وبلاتوهات تتناول (مثلا) الإتفاق الثلاثي الموقع، في 14 نونبر من سنة 1975، بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا في مدريد وتاريخ جبهة البوليساريو وظروف نشأتها وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المرتبطة بالموضوع ومواقف المؤسسات الإقليمية والقارية والدول وأسباب كل موقف على حدة سواء كان داعما أو معارضا لنا.
وبعيدا عن التاريخ فإن أغلبنا كصحافيين في حاجة الى دورات تكوينية في الجغرافيا وتمارين نشتغل فيها بالخرائط لكي نفرق بين “الطاح” و”أبطيح” مع القليل من المعرفة السوسيولوجية لفهم “الترحال” و”البدو” و”القبيلة” والقيم وأنماط العيش عند “أبناء السحاب”.
وإذا ما أردنا أن نطرح سؤالا يمتحن معرفتنا بملف الصحراء كصحافيين متخصصين دعونا نجيب على السؤال التالي دون العودة الى غوغل:
– من هي القبيلة التي تحتل المرتبة الأولى عدديا في التكوين القبلي لسكان الصحراء حسب إحصاء المستعمر الإسباني لسنة 1974: تكنة أم الرقيبات؟
أجزم أن الأغلبية الساحقة منا لا تعرف شيئا عن الموضوع وأن المجازف بالجواب (دون مساعدة) سيعتمد تعويذة “اسيدي ربي آش غادي ندي واش هادي ولا هادي والله ايتا هادي”.
تغطي العاطفة الجياشة بردائها السميك أفق النقاش الإعلامي حول ملف الصحراء في المغرب ويزيد من ضحالة هذا النقاش الخوف من السلطة، إذ يرى البعض أن القصر الملكي وحده من يحق له تحديد المفاهيم التي يمكن تداولها ومساحات هذا التداول، كما أن المستوى المعرفي المتدني لبعض مدراء النشر ورؤساء التحرير وإنتهازيتهم جعلنا نرى مأساة كالتي شهدتها الگرگرات اليوم حيث الموضوع الرئيس في الترينديغ المغربي هو “محاولة اختطاف صحافية مغربية من طرف عناصر من جبهة البوليساريو” والى جانب الخبر كل ثوابل البوز من قبيل “عاجل” و”شاهد” و”خطير جدا”.. إلخ.
لقد توارى موضوع المعبر إلى الوراء وأضحت “الصحافية” هي البطلة والموضوع من خلال خبر كاذب.
لماذا ؟
تقديري أن خواء بعض المبعوثين إلى المنطقة جعلهم يتشقلبون إعلاميا في صحراء عارية بعدما إنتهت مواضيع الإشادة بالقوات المسلحة الملكية وشهادات سائقي الشاحنات ودموع الخضار الوطني بعد فتح الحدود.
في الجهة الأخرى من الجدار العازل، وتحديدا في المخيمات، تتحدث بعض المنصات الإعلامية عن معارك سقطت فيها أرواح وقذائف وجرحى ومع قليل من البحث تجد أن الذي سقط حقيقة هو أخلاقيات الصحافة ومهنية المشغلين بها.
أما في الجزائر العاصمة فقد تركت بعض الجمعيات المهنية هَمَّ الإِخبار جانبا وتفرغت لتصريحات ذات طابع حربي ومنها شبكة الصحافيين الجزائريين التي نظمت وقفة تضامنية مع جبهة البوليساريو وفي الوقفة قال مصطفى أيت موهوب، منسق الشبكة “إن عودة الجيش الصحراوي للعمل المسلح سيفتح العديد من القضايا، التي تقف وراءها بعض القوى.. كذا”!
يرى البعض أن المواجهة الأخيرة بين المملكة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، المعروفة إختصارا بالبوليساريو، لم تسفر عن خسائر تذكر وأنا أرى عكس ذلك لإن الصحافة سقطت جريحة في المعبر دون أن يسعفها أحد.