الشروق نيوز 24 / متابعة
تحت عنوان: “المغرب.. معركة الإسلام الإسباني”، قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن المغرب عبر لسنوات عديدة عن رغبته في الارتباط بالسيطرة على المساجد والإسلام في إسبانيا، وهو الأمر الذي لا يخلو من العقبات.
وأضافت المجلة الفرنسية المختصة في الشؤون الإفريقية القول إنه في الوقت الذي اجتمع فيه التحالف العالمي ضد تنظيم “الدولة”، وهو حدث شارك في تنظيمه المغرب والولايات المتحدة في مراكش يومي 11 و 12 مايو، حاكم القضاء الإسباني اثنين من الجهاديين المشتبه فيهم، الذين يُزعم أنهم قاموا بغسل أدمغة العديد من الشباب وتجنيدهم لحساب العديد من المنظمات الإرهابية، بما في ذلك القاعدة و“داعش” أو تنظيم “الدولة”.
وقيل إن الوقائع حدثت في سان سيباستيان، في إقليم الباسك بإسبانيا، حيث استغل محمد س.، إمام وزعيم إحدى الجمعيات، منصبه كـ “مرجع محلي” للتقرب من عشرات المغاربة القصر، بين مهمشين أو غير موثقين، لإقناعهم بأطروحات جهادية على مدار ثماني سنوات.
هذا الأخير، كان يعتمد على الشريك أنس- ي، الذي كان يتواصل مع الشباب عبر الشبكات الاجتماعية ويضمن نشر محتوى يدعو إلى الإرهاب الإسلاموي. تشير تحقيقات الشرطة إلى أن محمد- سي سافر أيضا إلى كاتالونيا وفرنسا وبلجيكا من أجل جمع الأموال لجمعيته وقيادة مشروع بناء مسجد.
في الوقت نفسه، سلمت إسبانيا، في 5 مايو / أيار، رشيد أغليف، أحد المدانين بهجمات 11 مارس / آذار 2004 في مدريد، إلى المغرب، بعد أن قضى حكما بالسجن ثمانية عشر عاما. لأنه وبعد نحو عشرين عاما على هذا الهجوم الذي يعتبر الأكثر دموية في أوروبا، لم تضع الحكومة الإسبانية قط نموذجا لإدارة الأماكن الدينية المتعلقة بالمسلمين.
كما لم تحسم في موضوع الدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه السلطات المغربية في هذا الملف، خلافا لفرنسا، على سبيل المثال، التي لم تعد ترغب في تفويض إدارة الأماكن الدينية إلى بلدان ثالثة (المغرب، الجزائر، تركيا، إلخ) وتهدف إلى التحكم في المسألة. ومع ذلك، يوجد في إسبانيا حوالي 2 مليون مسلم (60 % منهم لا يحملون الجنسية الإسبانية). من بينهم أكثر من 800 ألف مواطن مغربي مزدوج الجنسية أو من أصل مغربي، يمثلون أول جالية مسلمة في البلاد، توضح “جون أفريك”.
لكن من جانب المملكة، شكلت الهجمات التي وقعت في مدريد، والتي شارك فيها العديد من الإرهابيين المغاربة، حافزا: فقد اتخذت السلطات منعطفا (180 درجة) في سياستها الدينية. قبل ذلك بعامين، في عام 2002، تم استبدال عبد الكبير علوي مدغري، وزير الشؤون الدينية منذ عام 1984 والذي غالبا ما أشير إلى قربه من الأيديولوجية الوهابية، بأحمد توفيق، وهو مؤرخ وكاتب متصوف. وأصبح يتم الحديث عن “استثناء مغربي” في مواجهة الهجمات الإرهابية.
وتحدثت “جون أفريك” عن “شبكات النفوذ والإعانات”، قائلة إن السلطات المغربية استخدمت، وحتى عام 2016، بشكل أساسي الاتحاد الإسباني للكيانات الإسلامية (FEEI). عُرف رئيسه آنذاك، محمد علي، المقيم في سبتة، بنشاطه المؤيد للمغرب. بعد ذلك، تمنح المملكة أموالا إلى الاتحاد، الذي يعيد توزيعها على الأعضاء أو الجمعيات “بشرط اتباع توجيهات الرباط”، بحسب تقرير إسباني.
كما يعتمد المغرب على شبكة من رجال الأعمال المقربين من الدولة، وكذلك على سفارته وقنصلياته. دون أن ننسى مؤسسة الحسن الثاني، التي تمول دورات اختيارية في اللغة والثقافة المغربية، وفي كثير من الأحيان، في الواقع، في الدين، تقدم في أكثر من مائة مدرسة حكومية إسبانية، من قبل المعلمين والطلاب المغاربة فقط.
وتابعت “جون أفريك” القول إن الحكومة الإسبانية تعمل منذ عام 2004 – تحت رعاية الاشتراكيين – من أجل التقارب بين الجمعيات المغربية ورئيس اللجنة الإسلامية لإسبانيا (CIE). هذه المؤسسة، التي أُنشئت عام 1992، هي المحاور الرسمي للدولة والمسؤولة عن تنظيم عبادة المسلمين في إسبانيا. لكن مركزيتها تتعارض مع استقلالية الأقاليم وتنوع الجاليات المسلمة التي لها الحق في تنظيم نفسها في جمعيات أو فيدراليات على المستوى المحلي والوطني.
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أنه في أغسطس 2017، كانت كتالونيا هدفا لهجمات إرهابية كان مرتكبوها مغاربة أو من أصل مغربي. العقل المدبر لهذه الهجمات هو نفسه إمام مغربي، عبد الكبير الساتي. وتكشف هذه الأحداث الدرامية عن عيوب نموذج إدارة الأماكن الدينية المعمول به في إسبانيا وغياب مؤسسة مخصصة للإشراف على الأئمة وتدريبهم. على الجانب المغربي، نافذة التسديد واسعة جدا بحيث لا يمكن تفويتها، تقول “جون أفريك”.
وبسرعة كبيرة، أرسل المغرب خبراء لمساعدة الأجهزة الإسبانية. فمنذ هجمات 2015 في فرنسا، أتيحت لأجهزة المخابرات المغربية الفرصة لإظهار مدى معرفتها في مناسبات عديدة، تذكّر “جون أفريك”، موضحة أن في هذه العملية، قام أحمد توفيق، وزير الشؤون الدينية المغربي، بتوزيع بيان مكتوب إلى وكالة الأنباء الإسبانية، أعرب فيه عن الرغبة المغربية في ارتباط الرباط بالسيطرة على المساجد الموجودة في إسبانيا. حيث تعتبر السلطات المغربية أن “النموذج المؤسسي” ضروري لإدارة ممارسة الإسلام في إسبانيا، وأن الأمر متروك للمجتمع نفسه “لضمان جودة إدارته” – يتألف هذا المجتمع بشكل أساسي من المغاربة.
بعد أيام قليلة، ذهب عبد الله بوسف، مدير مجلس الجاليات المغربية بالخارج، إلى أبعد من ذلك: حسب قوله، فإن الإسبان مهتمون باتباع “النموذج المغربي”، لأنه “الأبعد عن السلفية المتطرفة”، مع اعترافه أن هناك “إحجاما سياسيا” في إسبانيا عن إشراك الرباط في هذه الإدارة، لا سيما أعضاء الجالية المسلمة، وخاصة أولئك الذين يحملون الجنسية الإسبانية والأجيال الجديدة، هم من يرفضون أي تأثير أجنبي. تماما مثل المخابرات الإسبانية التي، على الرغم من التعاون الحقيقي مع نظيرتها المغربية، لديها وجهات نظر ومصالح متباينة.
العقبة الأخرى أمام توسع النفوذ المغربي هي وجود الحركات الإسلامية داخل الشتات: الإخوان المسلمون، ولكن قبل كل شيء، العدل والإحسان، الحركة التي تتسامح معها السلطات المغربية ولكنها لا تعترف بها، وهي حركة قوية في إسبانيا وخاصة في الأندلس، توضح “جون أفريك”.