اشتكى الأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الأغلبية الحكومية من معاناة الحكومة المغربية من “غياب النقاش الديمقراطي” بسبب المعارضة التي وصفها بـ”الضعيفة”.
تصريحات عبد اللطيف وهبي الذي يشغل منصب وزير العدل، تبدو مثل واجهة صراع جديدة يفتحها أمامه، بعد أن تداول الرأي العام أنباء عن وجود خلاف حزبي داخلي، وخروج حركة تصحيحية إلى الوجود تطالب بـ”تصحيح المسار”.
حديث الوزير المغربي عن المعارضة ووصفها بـ “الضعيفة” جاء خلال كلمته في الدورة السادسة والعشرين من المجلس الوطني لـ”الأصالة والمعاصرة” أول أمس السبت في مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط.
وكانت الفرق البرلمانية لأحزاب المعارضة (الاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية) والمجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” أصدرت بياناً حذرت فيه الحكومة من “خطورة نـزوعها المفرط نحو الهيمنة والاستقواء بالمنطق العددي الضيق على حساب الاستناد إلى المنطق الديمقراطي والتوافقي المكرّس لثابت الخيار الديمقراطي”. حديث الاستقواء لم يمر مرور الكرام، فقد نال من كرم الوفادة القليل، بعد أن خصص له الأمين العام لحزب الأغلبية “الأصالة والمعاصرة” مقطعاً من خطابه أمام أعضاء المجلس الوطني الذي هو بمثابة برلمان لحزبه. وأعاد عبد اللطيف وهبي للمعارضة بضاعتها، والمتمثلة في تهمة استغلال مواقع التواصل الاجتماعي التي يتم تقاذفها بين أحزاب الأغلبية ونظيرتها في المعارضة.
وحسب القيادي الحزبي نفسه، فإن الحكومة اليوم أمام معارضة ضعيفة، تستغل مواقع التواصل الاجتماعي لتبث مواضيع لا علاقة لها بالديمقراطية والسياسة. وإمعاناً في النقد اللاذع أضاف أن الحكومات الديمقراطية القوية تحتاج لمعارضة قوية، من أجل مناقشة أهم القضايا والتحديات.
ولم ينته أمين عام “الأصالة والمعاصرة” من حديث المعارضة، حتى قال إن الأغلبية الحكومية اليوم “ضحية معارضة باهتة في عملها السياسي”، معبراً عن أمله بأن تستفيق من نومها قصد النهوض بمستقبل البلاد ومناقشة جميع مشاريع الإصلاح وبرامج التنمية. المنتظر بعد هذا الهجوم الذي ستعتبره المعارضة قدحياً بكل تأكيد، أن يصدر بيان من المعارضة يردّ على تصريحات وهبي، في حين يؤكد الرأي العام أن ما ينتظره من الأغلبية والمعارضة معاً العمل الميداني، عوض البيانات المضادة والخطب الهجائية.
لكن الرجل الأول في “الأصالة والمعاصرة” وجد نفسه أمام معارضة أخرى داخلية خرجت من رحم حزبه، وتمثلت في “حركة تصحيح المسار” التي قفزت إلى الواجهة مؤخراً ببيانات شديدة اللهجة. هذه الحركة لم تنتظر طويلاً للرد على عبد اللطيف وهبي، ووصفت خطابه أمام الدورة 26 من المجلس الوطني، بـ “التضليلي والتدليسي”، وتأسفت لتكريس الدورة الجديدة لبرلمان الحزب للأزمة التنظيمية العميقة، التي تجلت في مقاطعة قطاع واسع من أعضاء المجلس الوطني لهذا الاستحقاق الحزبي، وفق تعبيرها.
بيان الحركة لم يشمل الشأن الداخلي للحزب فقط، بل انتقل إلى الشأن العام وما أسماه بـ “المأزق الحكومي”، منتقداً التبريرات المبالغ فيها من طرف الأمين العام وهبي حول أسبابه.
ووفق البيان، فإن خطاب وهبي بالغ في “تبرير أسباب المأزق الحكومي والتخلي عن مسؤولية الحزب الثابتة تجاه المواطنين والناخبين باعتباره شريكاً في الحكومة، واختباء الأمين العام وراء تبريرات واهية من قبيل الحرب الروسية الأوكرانية، للتغطية على العجز الحكومي في مواجهة موجة الغلاء وارتفاع الأسعار”.
وجاء في كلمة عبد اللطيف وهبي: “ما كدنا نخرج من مرحلة حالة الطوارئ التي فرضت على بلادنا جراء الحرب ضد كوفيد 19، والتي كانت لها تداعيات سلبية على اقتصادنا الوطني وإعمال العديد من الإجراءات الإدارية والمالية أتعبت ميزانية الدولة؛ فما كدنا نخرج من هذه الصعوبة الوبائية حتى انفجرت في وجهنا الحرب الروسية- الأوكرانية، مخلفة وراءها صعوبات جمة أبرزها ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأساسية”.
تصريحات ردّت عليه “حركة تصحيح المسار” في بيانها، بالقول إن خطاب الأمين العام افتقد للصدق في تشخيص واقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب البلاد، وتعكس عدم صلابة اختيارات الحكومة، وغياب برنامج عملي قابل للتنفيذ، واختباء الأمين العام وراء جائحة كورونا، والحرب الأوكرانية.
وعاد بيان معارضي وهبي من المنتمين لحزبه إلى عدم تقديم الأمين العام لحلول عملية للأزمة التنظيمية التي تعصف بالحزب، مؤكدين أنه تعمد تجاهل عمق الاحتقان الذي يعيشه الحزب في الشهور الأخيرة.
وحددت “الحركة” توقيت بداية الاحتقان داخل الحزب بما وصفته “خيانة الأمين العام لثقة المناضلين بتحويل الحزب إلى سلم للارتقاء السياسي والاجتماعي والمادي، لعدد من المحظوظات والمحظوظين الذين لم يكن أحد داخل الحزب يعرفهم أو سمع عنهم، إلى أن استقدمهم الأمين العام من خارج الحزب وعبّد لهم الطريق مباشرة إلى المكتب السياسي”.
الجدير بالذكر أن المشككين في حقيقة وجود حركة تصحيحية داخل حزب “الأصالة والمعاصرة” يبررون ذلك بغياب أي حضور لأي اسم في توقيع بياناتها، ناهيك عن كون الشخصيات الغاضبة التي دخلت في حالة خصام سياسي مع الأمين العام غادرت الحزب إلى أحزاب أخرى.
Advertisement
Advertisement