حكومة بلا تنصيب برلماني…!!

Advertisement

حسن طارق …

«دستورياً، فإن احترام الفكرة البرلمانية، التي جعلتها وثيقة يوليوز 2011، قاعدة للعلاقة بين البرلمان والحكومة، والإنطلاق من الحرص على ربط عمل الحكومة بالحصول على الأغلبية النيابية، يجعل من المنطقي أن تعمل الأغلبية الجديدة على صياغة أرضية برنامجية جديدة، وأن تذهب بعد ذلك، بهذه الأرضية نحو البحث عن تعاقد جديد مع مجلس النواب.
 الترجمة المسطرية لهذا التصور، تقتضي نظرياً – بعد إنهاء التفاوض مع الشريك الجديد- تقديم رئيس الحكومة لاستقالته التي يترتب عنها آلياً إعفاء ملكي لكل الحكومة، ثم بعد ذلك، إعادة تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، تتقدم لمجلس النواب ببرنامجها – الجديد – قصد طلب الثقة لإكمال شروط التنصيب البرلماني، على أن تتحول في انتظار ذلك، الحكومة الحالية -المنتهية مهامها – كحكومة لتصريف الأمور الجارية».
الذي وقع بعد ذلك، هو تماماً ما يمكن توقعه، في سياق انتصار منطق التأويل الرئاسي، الذي تصبح بموجبه الحكومة قائمة بمجرد التعيين الملكي، وبلا حاجة إلى تنصيب مجلس النواب.
الذي وقع هو أن الحكومة الجديدة المستندة إلى أغلبية نيابية جديدة، رأت أن تمر رأساً إلى مباشرة صلاحياتها دونما حاجة إلى التصويت البرلماني بالثقة.
المُدافعون عن هذا الطرح، اعتبروا أن الأمر لا يتعلق بحكومة جديدة وإنما بمجرد تعديل حكومي، وبأن لا شيء مما يتصوره الفصل 88 قد حدث مادام رئيس الحكومة ظل هو نفسه بلا تغيير.
العيب الكبير لهذا الطرح، خاصة عندما يدفع بمنطوق الفصل 47، هو أنه يربط مسطرة التنصيب ـ بشكل متعسف – بحالة وحيدة هي تعيين الحكومة بعد انتخابات مجلس النواب.
التأويل الرئاسي الذي قوض العلاقة البرلمانية، كما تصورها الدستور بين مجلس النواب والحكومة، لايوازيه سياسياً، إلا احتقارٌ واضح لمؤسسة البرلمان، فرئيس الحكومة الذي أخذ أكثر من ثلاثة شهور مستقطعة من الزمن السياسي للبلاد لإعادة بناء الأغلبية الجديدة، لم يعتبر أنه مطالب سياسياً وأخلاقياً على الأقل، بنصف يوم يعرض خلاله مضامين هذا التعاقد الجديد على أنظار مجلس النواب، ولم يعتبر أن تعاقد الأغلبية الجديدة يستلزم تعاقداً جديداً بين الحكومة والبرلمان.
لقد ظلت قيادات الأغلبية الجديدة تبرر طول مدة المفاوضات، بمراجعة أولويات البرنامج الحكومي، وظلت هذه المراجعة شرطاً واقفاً لدى التجمع الوطني للأحرار، وحملت الهيكلة الحكومية الجديدة مؤشرات واضحة على تحول في هذا البرنامج. ومع ذلك، فالحكومة اعتبرت أن تغيير البرنامج وإعادة ترتيب أولوياته، لا يستلزم بالضرورة طرح البرنامج الجديد على أنظار مجلس النواب للحصول على الثقة.
 يُقرّ المدافعون عن عدم تقديم الحكومة لبرنامجها الجديد أمام مجلس النواب، بأن الأمر يتعلق بأغلبية جديدة، لكنهم لا يعتبرون ذلك دليلاً كافياً للقول بأننا أمام حكومة جديدة!، ويقرون كذلك بأننا عملياً سنكون أمام برنامج حكومي جديد، لكنهم لا يعتبرون ذلك دليلاً كافياً لحيازة البرنامج الجديد على التصويت بالثقة!
والآن ما العمل؟
نعم، لقد انطلقت الحكومة بخرق واضح للدستور، وهي تضع جانباً روح المنطق البرلماني الذي يربط الحكومة مع البرلمان، القائم على فكرة المسؤولية مجسدة في آلية التنصيب، لكن من الناحية السياسية يملك رئيس الحكومة إمكانية لاتسمح بتصحيح ما وقع، لكنها قد تصلح كتدارك نسبي لخطإ الإنطلاق، وهي اللجوء إلى الفصل 103، الذي يعطيه الحق في أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت  منح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة.
إمكانية تسمح في الآن نفسه برفع الحرج عن البرلمان الذي فرض عليه مساءلة حكومة لم يمنحها الثقة!، وعن الفريق النيابي الذي سيطلب منه الدفاع عن برنامج صوت ضده،! وعن الفريق النيابي الذي سيطلب منه معارضة برنامج صوت لفائدته! وعن السُدج الذين لازالوا يعتبرون أن ثمة دستور جديد في البلد ! 

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.