موسكو- في سعي منه لمحاصرة الأزمة التي تعيشها بلاده، أعلن الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف تشكيلة حكومية جديدة، كاشفًا في الوقت ذاته عن إصلاحات واسعة النطاق، من شأنها تضييق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين سكان البلاد، حسب تقديره.
وبموجب التشكيلة الجديدة للحكومة، استُبدل رئيس الوزراء السابق عسكر مامين بالنائب الأول السابق لرئيس الوزراء عليخان إسماعيلوف، واستُبدل الرئيس السابق للجنة الأمن القومي كريم ماسيموف بالرئيس السابق لجهاز أمن الدولة إرميك ساجمباييف.
ورغم أن توكاييف ألقى اللوم بشكل خاص على الحكومة السابقة وحمّلها المسؤولية عن اندلاع الاحتجاجات في البلد، فإنه استبدل فعليا 7 وزراء فقط من بين 21.
وأظهرت التشكيلة الحكومية الجديدة بشكل واضح أن العديد من أنصار الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف فقدوا مناصبهم في الحكومة.
لا عودة إلى الوراء
أيا يكن الأمر، فقد أصبحت كازاخستان على مسار سياسي واجتماعي جديد، وستكشف الأشهر القادمة إذا كانت الحكومة الجديدة ستعيد بناء نظام الدولة بشكل يجنّبها عودة أعمال الشغب غير المسبوقة، التي دخلت في نيرانها مع مطلع العالم الحالي.
إرث ثقيل
ويرى الباحث في شؤون الجمهوريات السوفياتية السابقة ستانيسلاف بريتشين أن الخطوة الأولى والعاجلة التي يجب على الحكومة القيام بها هي التفاعل مع مشاكل المجتمع التي تحتاج إلى حل سريع، وتوزيع الدخل على نحو أكثر إنصافًا، وإيجاد ظروف عمل مناسبة، لا سيما لسكان المناطق الجنوبية ذات معدلات البطالة الأعلى في البلاد.
ويضيف أنه لا يزال أمام الرئيس توكاييف مهمة إيجاد الكوادر الأكثر كفاءة، لأن الرئيس السابق نزارباييف كان يتمتع بالسلطة المطلقة من خلال الموالين له، حتى بعد تخليه صوريًّا عن الحكم، إذ ما زال جزء كبير منهم في الصفوف الأولى من المناصب والوظائف الحساسة داخل الدولة.
معضلة الكوادر واستيعاب الصدمة
ويدلل بريتشين على إشكالية النقص في الكوادر باحتفاظ وزير الدفاع مراد بكتانوف ووزير الداخلية ييرلان تورغومباييف بمنصبيهما، على الرغم من أن القوات الأمنية كانت “نائمة”.
أما الباحث في “نادي فالداي” ستانيسلاف تكاتشينكو فيعتقد أن التغييرات في القيادة في كازاخستان ستستمر، لأن تحليل الأزمة التي اندلعت في الجمهورية لم يكتمل بعد، حسب رأيه.
وتابع أن توكاييف الذي يتولى الآن كل مقاليد الحكومة في كازاخستان سيعمل على جبهتي امتصاص الغضب الشعبي، وفي الوقت نفسه إزاحة من يمكن إزاحتة ممن تبقى من الحرس القديم “مؤيدي نزارباييف”، وممارسة الضغوط “تدريجيًّا” على المعارضين السياسيين لتثبيت حكمه.
وفي موضوع التشكيلة الحكومية الجديدة، أشار إلى أن استبدال وزير الطاقة ماجزوم ميرزاغالييف ببولات أكشولاكوف كان إجراء رمزيا من نواح كثيرة، لأن تأثير الشركات الأجنبية، خاصة البريطانية والأميركية، قوي في قطاع الطاقة في البلاد، وعليه فإن تواصل الاضطرابات في البلاد يمكن أن يؤثر في سوق الطاقة بالبلاد، وذلك يقلل من تأثير “اللاعبين” الأجانب.
ويخلص إلى أن حزمة الإصلاحات التي أعلنها الرئيس لا تعني تغييرات حقيقية في البلاد، فلا دلائل على وجود إستراتيجية جادّة فيها، ولا تعدو كونها -برأيه- شعبوية اجتماعية من دون تدابير يمكن أن تحل مشاكل البلاد.
صلاحيات رئيس الوزراء
من جهته، يرى المحلل السياسي الكازاخي، جيزيز أبيشيف، أن الرئيس توكاييف منح رئيس الوزراء الجديد عليخان إسماعيلوف حرية إدارة الاقتصاد دون النظر إلى “الأوليغارشية”.
ووفقًا للخبير، أصبحت الكرة في ملعب رئيس الوزراء الجديد؛ إن كان سيتخذ خطوات حاسمة تثبت للمجتمع وللرئيس أنه يستحق أن يكون رئيسًا للوزراء، وإذا فشل إسماعيلوف في تحقيق نتائج ملموسة بحلول الخريف سيجري البحث عن شخص جديد لخلافته.
في كل الأحوال، يرى أبيشيف أن الرئيس الكازاخي نجح في إرسال إشارة بأن رأي المحتجين قد سُمع وأخذ في الاعتبار.
ويعتقد أن “اختفاء” نور سلطان نزارباييف من المشهد السياسي يعدّ أيضًا إشارة قوية للسكان، لكن ذلك لا يعني -برأيه- أن الأغلبية ستكون مقتنعة بأن خروج الرئيس السابق من منظومة الحكم يعني تلقائيًّا نهاية الأزمة.
أما الإجراءات الحكومية اللاحقة فلن تؤدي -برأيه- على الفور إلى تحسين حياة الناس العاديين، بل ستستغرق وقتًا، بسبب الطبيعة “التجميلية” للتغييرات الحالية في الحكومة، مع احتفاظ مسؤولين كبار بمناصبهم، كوزراء الخارجية والدفاع والداخلية.
ويصف الإجراءات التي اتخذها الرئيس بـ”الأجندة اليسارية المتطرفة”، لعدم مراعاتها تناقضات النخبة الداخلية التي لم تُحل، وما زالت موجودة في كازاخستان، وتشكل مخاطر كبيرة على الاستقرار السياسي لإدارة توكاييف، حسب قوله.
متابعة..