المعطي منجب…
وجهت مراسلون بلاحدود وهي منظمة عالمية تدافع عن الصحافيين وحريات الإعلام نداء عاجلا إلى الأمم المتحددة تدعوها فيه إلى إدانة استعمال المغرب التهم الجنسية والتشهير الأخلاقي بالصحافيين المستقلين.
وفعلا فإن السلطات المغربية قد لجأت، خلال السنوات الأخيرة، إلى التوظيف السياسي للتهم الأخلاقية والمالية ضد الصحافيين والمعارضين سواء منهم المعتدلين أو الراديكاليين، الإسلاميين أو العلمانيين. بل إن أي سياسي تجرأ على إنتقاد السلطة، ولو كان يشتغل من داخل منظومة الحكم، قد يتعرض لتهجمات من شبكة أمنية-إعلامية أصبحت مهابة الجانب. إنها تتحرك الآن في واضحة النهار كما قد حازت تدريجيا، منذ سنة 2011، على قوة ضاربة على المستوى المالي واللوجيستيكي. ويبدو أن التشهير والتهديد العلني بالمتابعات قد صار طريقة شبه رسمية من طرق التدبير السياسي للنخبة بالمغرب.
إن نداء «مراسلون» القاسي والذي نشر على نطاق واسع وبلغات دولية عديدة قد أصاب صورة المغرب في مقتل، خصوصا وأنه صدر في عز إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو الإجتماع الأول، منذ تأسيس المنظمة الأممية، الذي تلعب فيه وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإفتراضية دورا أساسيا بل الدور الأساسي وذلك بسبب الجائحة التي تضرب الكوكب. النداء يأتي كذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من نشر منظمة العفو الدولية لتقرير تقني مفصل يبرهن على إستعمال السلطات المغربية لتقنيات التجسس الأكثر تطور بالعالم ضد الصحفي المستقل عمر الراضي. وكانت الحكومة المغربية قد ردت في حينه بنرفزة زائدة وعارية من أية مصداقية، أن المنظمة الحقوقية تعادي المغرب وأنه إن كان هناك من يتجسس فهو الصحافي عمر الراضي. وفعلا فتحت النيابة العامة، وكأننا في مسرحية أطفال تفاعلية، تحقيقا قضائيا رسميا لتنتهي الأمور بمتابعة الراضي بشبهة التجسس وتلقي أموال من الخارج لهذا الغرض. كما تمت إضافة تهمة الاغتصاب إلى الملف حتى تكتمل عملية الاغتيال الرمزي للشاب المشاغب والذي حاز شهرة كبيرة وعالمية منذ اعتقاله الأول أواخر السنة الماضية بجنحة إهانة القضاء.
كيف سترد الحكومة الآن؟ هل ستجرؤ على القول إن الصحافي المهني الكبير سليمان الريسوني، المذكور في نداء «مراسلون» والذي يحظى بإحترام الجميع قد إحتجز فعلا رجلا في سكن أسرته الصغيرة بالدار البيضاء ليلجأ بعد ذلك إلى إغتصابه. ألم يبق في وجهها قطرة ماء أو ذرة حياء؟ هل ستُصر على التشهير بالمغاربة ودولة المغرب إلى النهاية ؟
لقد وضع بول كوبان، مسؤول «مراسلون» سبابته على الجرح لما صرح بأن «إتهام الأصوات الناقدة بالإغتصاب أصبحت ممارسة معروفة لأجهزة الإستخبارات المغربية، وهي تهدف ضربَ مصداقيةِ الصحافيين ومحاصرة المتضامنين معهم. وهذا الأمر بيّنٌ في قضية عمر الراضي، مثلما كان الأمر مؤخرا في قضايا تورطُ عددا من الصحافيين. وهذه الأساليب إذ تحاول إبطال وقع أصوات الصحافيين المنتقدين فإنها تُضعف النضال من أجل حقوق النساء أيضا».
يشير النداء إلى دعم عدد من المنظمات والشخصيات النسائية لمضمونه. هكذا تم إلحاق النداء بشهادة للفاعلة الحقوقية المغربية خديجة الرياضي وهي الحائزة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. كشفت الرياضي في شهادتها عن أساليب سلطوية جديدة «لترهيب المعارضين في المغرب من مثل التهم الأخلاقية وخاصة الإتهام بالإغتصاب والإتجار بالبشر والزنا والإجهاض».
ألا يتذكر المسؤولون على الملفات المفبركة والرديئة أن الجزء الأكبر من «المصرحات» في قضية الصحافي بوعشرين، والذي إتهمه قضاء مسيس حتى النخاع ، بإغتصاب جماعة بشرية تتكون من خمس عشرة امرأة، قد إنسحبن من المحاكمة رغم الضغط والتهديد، وأن ثلاثا منهن قد وصلت بهن إرادة الحق وإستقباح الظلم إلى مواجهة المحكمة بقوة رافضات إتهام زميلهن ومتهمات علانية الشرطة القضائية بالتزوير والتدليس. وطبعا فقد حكم على أجرئهن عفاف برناني بستة أشهر نافذة لترهيب الأخريات. هل نسي المسؤولون أنه مباشرة بعد إدانة بوعشرين بخمس عشرة سنة، طالبت مشتكيتان، زج بهما في الملف، بصرف الأموال التي وُعدتا بها، فعلتا ذلك علانية وعبر الشبكات الإجتماعية. هكذا يبدو أن الأمر كان محسوما بالنسبة إليهما فقد قدمتا خدمة للسلطات التي لا تُبخِس أجر خدمها.
ألا يعتبر النظام المغربي أن قرار فريق العمل الأممي حول الإعتقال التعسفي قد أوصى الحكومة سنة 2018، وبعد أن قتل الملف دراسة وتمحيصا، بإطلاق سراح الصحافي بوعشرين فورا مع جبر ضرره وفتح تحقيق ضد من تسبب في إعتقاله، أقول ألا يعتبر المغرب مثل هذا القرار إنذارا موجها لمصداقية أمنه وقضائه ؟
هل نسيت الشرطة القضائية التي إتهمت الصحافي هشام المنصوري بتدبير بيت للدعارة بحي راق بالعاصمة الرباط أن كل الأسر الأربع عشرة القاطنة بنفس العمارة، بمن في ذلك أسرة الحارس، قد وقعت عريضة تشهد فيها بحسن أخلاق جارها وترفض التهمة الموجهة له رغم ترهيب وضغط البوليس السري الذي إستقرت عناصره بجنبات العمارة خلال الأيام التالية لإعتقال المنصوري؟ زد على ذلك أن وثائق التهمة، المهيأة بإستعجال وإهمال ظاهر، لم تقدم لا زبناء ولا ضحايا ولا شهود حول وكر الدعارة المزعوم، كما أن إستنطاق السيد المنصوري والذي أجرته هيئات مختلفة من الشرطة تناول أساسا علاقته بحركة عشرين فبراير وبعدة صحافيين ومعارضين سياسيين. أما آن الأوان للإعتراف للكلمة الحرة بفضاء ولو صغير؟ أما حان الحين للتخلي عن هاته الأساليب المقرفة أو على الأقل تغييرها بأخرى أقل خسة فتخدش صورة المغرب بنعومة أكثر؟