الدكتور خالد الشرقاوي السموني …..
ناشط حقوقي…
من غرائب الزمان أن يدعو فريق العمل حول الإعتقال التعسفي بمجلس حقوق الإنسان السلطات المغربية إلى إطلاق سراح صحافي معتقل بتهم لا علاقة لها بالصحافة وقبل أن يصير الحكم القضائي نهائيا ، معللا رأيه بأن الإعتقال تعسفي و مخالف للقانون ويتعارض مع المواد 9 و14 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، ومطالبا بوجوب تعويض الصحفي مالياً عن الأضرار التي لحقته.
لا شك أن مثل هذه التقارير ، وبهذه الطريقة ، لا تتجاوب معها الدول لكونها تمس بسيادتها الوطنية ، ثم أنها تشكل تدخلا سافرا في السلطة القضائية و تمس بإستقلالها، وكانت هناك حالات سابقة حدثت مع دول أخرى ، مثل إسبانيا و بولونيا و السويد وأستراليا و بريطانيا ، جميعها لم تتجاوب مع مقررات فريق العمل المذكور لعدم حيادها و لإنعدام موضوعيتها . فمثلا ، بريطانيا فضلت عدم التعقيب على تقرير فريق العمل سنة 2016 ، مؤكدة بأنه لا يمكن أن تتجاوب مع طلب يلتمس من خلاله الفريق إطلاق سراح المعتقل “جليان أسنجي” صاحب موقع “ويكيليكس” ، لأن هذا الأمر يدخل في إطار إختصاص السلطات القضائية.
ثم لا ننسى أن هاجس إنتخاب الرئيس المقرر الجديد لفريق العمل المذكور في دورته الربيعية القادمة قد تكون من بين العوامل الرئيسية التي عجلت بإصدار التقرير في هذا الوقت بالذات أي قبل إنعقاد الدورة ، إذا علمنا أن هناك منافسة قوية بين الدول العضوة في مجلس حقوق الإنسان للظفر بالرئاسة ، لأن الرئيس ينتخب لمدة سنة يراعى في ذلك التناوب بين المناطق الجغرافية ، حيث أن ممثل الدولة التي تنوي الترشح للرئاسة غالبا ما يحاول تلميع صورته الحقوقية دوليا ، حتى و لو أضر بمصالح بلده ، وذلك لإحراز الثقة لدى ممثلي الدول الأخرى.
ثم أن هذا التقرير، أو الرأي إذا صح التعبير ، جاء متسرعا تحكمه هواجس غير موضوعية ، خصوصا أنه طالب بإطلاق سراح معتقل مازالت قضيته رائجة أمام القضاء وينتهك بشكل صارخ مبدأ حماية حقوق الدفاع، وعدم التعامل بإيجابية حُيال طلبات الدول المعنية والساعية إلى مراجعة قناعاته وأراءه بخصوص القضايا المعالجة من قبله، ولا ينسجم مع الأهداف و الغايات التي من أجلها أنشئ فريق العمل المذكور سنة 1991 من قبل لجنة حقوق الإنسان ، علما بأن من بين مهام الفريق العمل بروح التعاون والحوار مع جميع الأطراف المعنية بالحالات المعروضة عليه، وبوجه خاص مع الدول التي تقدِّم معلومات ينبغي إيلاؤها الاعتبار الواجب.
كما نتساءل عن تقرير غريب لفريق العمل حول إعتقال صحفي ، في الوقت الذي سبق لنفس الفريق ، على إثر زيارته للمغرب من 9 إلى 18 شتنبر 2013 ، أن سجل في تقريره الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل إرساء ثقافة حقوق الإنسان في المغرب ، كما أشاد بالدستور الجديد الذي إعتمده المغرب سنة 2011 والذي ينص في الفصل 23 صراحة على أن الإعتقال التعسفي أو السري والإختفاء القسري، من أخطر الجرائم. كما رحب أيضا بإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كمؤسسة وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان والنهوض به.
ولذلك ، كان ينبغي على فريق العمل حول الإعتقال التعسفي أن يحظى بالمصداقية اللازمة والإستقلالية والتجرد والموضوعية، لأن التقرير الصادر بخصوص إعتقال صحافي مغربي ، تنقصه الموضوعية كشرط أساسي ، كما لا يمكن أن يصدر عن فريق يضم خبراء دوليين محترفين في إعداد التقارير الحقوقية، كما يثير نوعا من الإستغراب والتشكيك في نزاهة ما تضمنه من معطيات غير دقيقة ….